العربى كتاوت هو ميكانيكى سيارات ماهر يجيد إصلاح الأعطال ويستطيع فك شفرة أى سيارة ومعالجة الخلل بها فى وقت قياسى، لهذا فإننى أثق به وأتعامل معه من زمان. غير أن هناك عيبا خطيرا فى العربى كتاوت ولا بد أن تكون محبا له حتى تحتمل هذا العيب. عيبه أنه فشار كبير يدمن تأليف القصص الخيالية على نهج أبو لمعة الأصلى النجم الشهير لبرنامج «ساعة لقلبك». فى زيارتى الأخيرة له بورشته الكائنة بحارة «سباخ ناشف» أخذ -بينما يقوم بإصلاح سيارتى- يحكى لى حكاية النبلة الجديدة التى شاهدها فى أدغال إفريقيا عندما كان يساند الثورات هناك ويحارب فى صفوف الثوار فى السبعينيات ضد حكم الماكوكو. سألته: أى ثورة هذه؟ قال: ثورات كثيرة وقد شاركت فيها كلها. قلت: وهل قامت هذه الثورات ضد حاكم اسمه الماكوكو؟ أجاب: الماكوكو هو اسم القبيلة، أما الحكام فلا أتذكر أسماءهم. قلت له: وهل حاربت إلى جوار الشعوب الإفريقية يا كتاوت؟ قال: طبعا حاربت إلى جوارهم.. هل نسيت أننا ننتمى إلى القارة السمراء وأننا أفارقة مثلهم؟ ثم أضاف فى لهجة مؤثرة: لقد تأسيت فى هذا بما فعله الثائر جيفارا الذى كان يحارب الظلم والطغيان فى أمريكا الجنوبية كلها لا فى بلده فقط، حتى إنه لقى مصرعه وهو يحارب فى بوليفيا بعيدا عن وطنه الأصلى. قلت له: وما موضوع النبلة التى شاهدتها هناك يا أسطى كتاوت؟ قال: كان ولاد الإيه محاربو الماكوكو يستخدمون ضدنا نوعا من النبال المتطورة التى يضعون بها قطعة حديد، ثم يشدّون النبلة ويطلقون الحديدة التى كانت عند اصطدامها بالجسم تخترقه وتبحث عن الكلى والكبد فتجرى وتختبئ داخلها وتحدث للمصاب تمزقات تؤدى إلى الوفاة. سألته مشدوها: هل كان لنبلة الماكوكو كل هذا التأثير؟ قال: وأكثر من هذا، وربما لن تصدقنى إذا قلت لك إن جنود الماكوكو لم يكونوا يستخدمون العربات أو المركبات فى هجومهم، وإنما كانوا يقتحمون تحصيناتنا ويطلقون علينا نبالهم الحديثة وهم يعتلون ظهور السباع والنمور وكل أنواع الضوارى! قلت فى دهشة: يا لها من ذكريات يا أسطى.. أعتقد أن عودتك سالما بعد كل ما واجهت تعتبر من قبيل المعجزات. قال: إن رب العرش نجانى، لكن من قال إننى رجعت سليما؟ لقد أصبت أكثر من مرة، وما زال كثير من قطع الحديد قابعا فى جسمى بعد أن خشى الأطباء من استخراجه خشية حدوث مضاعفات. قلت: لماذا لا تكتب مذكراتك يا كتاوت حتى تعرف الأجيال الجديدة تضحياتك فى سبيل الحرية؟ قال وهو يتنهد: هذا الأمر متروك للمستقبل ولا أظننى أستطيع أن أكشف عن كل شىء لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى. سألته: أمن إفريقيا؟ قال: لن أستطيع الاستفاضة كثيرا ويبدو أننى تورطت وتحدثت إليك بأكثر مما ينبغى ولك أن تعلم أنك الشخص الوحيد الذى أسررت إليه بهذا الأمر، لذلك أرجو أن تكون عند حسن ظنى ولا تفشى ما أطلعتك عليه. قلت له: عيب يا كتاوت.. سرك فى بير. ظللت أتذكر حدوتة كتاوت وأضحك على كذبه المفضوح وخياله العجيب الذى يجعله يعيش فى الأوهام وينسج القصص الخيالية بسهولة شديدة، ولم أندهش بعد أن علمت أن حارة «سباخ ناشف» كلها كانت تعرف مغامرات كتاوت فى إفريقيا وأننى لست الوحيد الذى فاز بهذا السبق! غير أن شيئا حدث غيّر موقفى من العربى كتاوت وجعلنى أعيد النظر فى موقفى منه ومن حواديته. ما حدث هو أننى شاهدت بالتليفزيون وزير الداخلية السابق اللواء منصور العيسوى فى لقاء مع عماد الدين أديب يتحدث عن الموضوعات الأمنية التى تشغل الرأى العام، ويجيب عن أسئلة أديب الخاصة بمن قتل الشباب فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من المواقع التى سقط فيها من أبناء مصر شهداء ومصابون. نفى العيسوى أن تكون الشرطة قد أطلقت النار على المتظاهرين، ونفى كذلك أن يكون الجيش قد تورط فى إطلاق نار، وعندما سأله المذيع عمن يمكن أن يكون قد فعلها إذن ما دامت الشرطة والجيش بريئين، خصوصا أن مسؤوليته مفترضة فى كل الأحوال بحكم قيادته وزارة الداخلية، قال اللواء العيسوى إنهم استطاعوا القبض على أحد المجرمين من «الطرف الثالث» الذين قاموا بقتل الثوار وإنهم وجدوا فى حوزته 200 نبلة من التى تطلق قطع الحديد فيدخل الجسم ويقتل الإنسان فى الحال، وأضاف العيسوى بثقة أن حركة حماس هى التى تنتج هذا النوع من النبال! وربما يكون المشاهدون قد اندهشوا من هذا الحديث غير المتوقع عن نبلة حماس، التى قتلت وجرحت الآلاف من الثوار دون القبض إلا على شخص واحد لم يسمع به أحد! لكن واحدا مثلى سبق له أن سمع حديثا مشابها عن نبلة الماكوكو لم يكن له أن يستغرب، وإنما شعرت أننى مدين للعربى كتاوت باعتذار مصحوب بالندم على سوء ظنى به لأن ما اعتقدته من قبيل النخع والنتش والفشر هو معلومات أمنية لا يجوز التهاون بشأنها، ولعل كتاوت كان محقا فى عدم إطلاعى على كل التفاصيل خصوصا ما يتصل بحماس، وذلك لحساسية الموضوع. لا مفر إذن من الذهاب إلى حارة «سباخ ناشف» وجمع كل من استهان بالميكانيكى النبيل لنقف فى حضرته مطرقين قائلين فى خجل: إحنا آسفين يا كتاوت!