إذا كان في العالم كله زعيم سياسي يستحق ان تقام له التماثيل في كل عواصم الدنيا فهو نلسون مانديلا الرمز والتاريخ والبطولة.. وفي الاسبوع الماضي شهد العالم اكثر من احتفالية في عيد ميلاد الزعيم الافريقي الحادي والتسعين.. ورغم ان قارة افريقيا انجبت عددا كبيرا من الزعماء فإن صورة مانديلا البطل الذي وقف ضد التفرقة العنصرية وعاني سنوات طويلة في السجن امتدت لأكثر من 27 عاما بقيت هذه الصورة الحية في ضمير كل الاجيال.. ما اكثر الاسماء التي انجبتها افريقيا وما اكثر الانقلابات العسكرية التي اطاحت بنظم ديمقراطية وما اكثر السجون التي حملت الابطال وكان ابرزهم مانديلا.. في يوم من الايام كان العالم ينقسم في مواقفه تجاه مانديلا.. كان الغرب الاستعماري يري فيه رجلا خارجا علي القانون يمارس اعمال الارهاب بينما كانت دول وشعوب افريقيا تري فيه بطلا ومخلصا وزعيما.. وبقي مانديلا في سجنه في جنوب افريقيا 27 عاما وخرج من السجن ليصبح رئيسا لجنوب افريقيا ويذهب في زيارات للدول الغربية التي كانت ترفضه تماما لكي تستقبله حكوماتها كرئيس دولة وليس كمتمرد سياسي عجوز.. خرج مانديلا من السجن لكي يعلن نهاية التفرقة العنصرية في بلد عاني كثيرا من هذه اللعنة.. واستطاع مانديلا ان يعيد الوحدة بين ابناء شعبه بعد سنوات من الحروب الاهلية.. خرج مانديلا إلي العالم ليعيد لجنوب افريقيا صورة المجتمع الآمن امام العالم كله.. ولم يبق مانديلا طويلا في الحكم فقد قرر ان يضرب المثل في تداول السلطة وترك لشعبه ان يختار رئيسا آخر وكان من الممكن ان يبقي مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا مدي الحياة لكنه فضل ان يكون النموذج امام كل حاكم جديد.. كان مانديلا يدرك ان شعوب افريقيا لم تعرف بعد قواعد اللعبة الديمقراطية ولذلك فضل أن يرحل تاركا الساحة للشعب لكي يختار من يريد.. ونجحت فكرة مانديلا وجاء رئيس آخر واثبت مانديلا ان الزعامة الحقيقية ليست في البقاء في السلطة ولكن في ضمان مستقبل الديمقراطية للشعب.. ولهذا لم يكن غريبا ان يحتفل العالم بعيد ميلاد مانديلا وتكون هذه الاحتفالات اعترافا لهذا الرجل بالدور والتاريخ والنزاهة.. خرج العالم في احتفاليات فنية وسياسية ومهرجانات أوروبية لتحية بطل افريقيا نلسون مانديلا الذي ضرب مثلا في التضحية ثم مثلا آخر في السلطة ثم مثلا ثالثا في انكار الذات ووضع مصلحة الوطن فوق كل شيء.. ومن هنا عاش مانديلا رمزا للحرية والعدالة والمساواة في القارة السوداء.