ظهرت حركة عدم الانحياز في الوقت الذي انهار فيه النظام الاستعماري نتيجة نضال شعوب افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال.. في ذروة الحرب الباردة، كانت جهود الحركة، منذ الايام الاولي لقيامها، عاملا اساسيا في عملية تصفية الاستعمار. المؤرخون يعتبرون مؤتمر باندونج الإفرو آسيوي هو الحدث المؤثر لقيام حركة عدم الانحياز، ذلك المؤتمر الذي عقد في مدينة باندونج خلال الفترة من 18 24 ابريل ،1955 وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلي الجيل الاول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي افريقيا وآسيا بغرض بحث القضايا العالمية، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية. جمال عبدالناصر من مصر، وقوامي نكروما من غانا، وشري جواهرلال نهرو من الهند، وأحمد ساكارنو من أندونيسيا، وجوزيب بروزتيتون من يوغوسلافيا، أصبحوا الآباء المؤسسين للحركة، ورموز قيادتها. بعد مؤتمر باندونج بستة أعوام تم تأسيس حركة دول عدم الانحياز علي اساس جغرافي اكثر اتساعا، أثناء مؤتمر القمة الاولي الذي عقد في بلجراد خلال الفترة من 1 6 سبتمبر ،1961 وفضل مؤسسو الحركة اعلانها كحركة وليس كمنظمة، تفاديا لما تنطوي عليه الاخيرة من قيود وتعقيدات بيروقراطية. الفكرة من وراء الحركة لم يكن المقصود منها القيام بدور سلبي في السياسة الدولية، وإنما صياغة مواقفها بطريقة مستقلة بحيث تعكس مواقف الدول الاعضاء فيها، دون التورط في صراع الحرب الباردة. علي هذا، ركزت الاهداف الاساسية لدول حركة عدم الانحياز علي تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الاقليمية للدول، ومعارضة الفصل العنصري، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وغيرها من المبادئ المثالية. الحركة الآن تواجه تحديات خطيرة تختلف في طبيعتها عن تحديات الحقبة الاستعمارية وفي مقدمتها اشتعال حركات التمرد في دول العالم الاكثر فقرا، والصراع الدموي علي السلطة بين أبناء الوطن الواحد وسعي المجموعات المسلحة للحصول علي أسلحة الدمار الشامل. المعضلة التي تواجه دول الحركة هي النزاع الداخلي في معظم الدول الاعضاء بها وهي لا تسمح بالتدخل في الشئون الداخلية للدولة، فضلا عن عدم وجود آليات دولية فعالة للسيطرة علي ذلك النوع من النزاعات المسببة للجوع والفقر. المشكلة الحقيقية التي تواجه العالم كله الآن هي الحروب الصغيرة التي تأكل المدنيين في مختلف الدول التي تفشي فيها وباء الصراع علي السلطة بين أبناء الوطن الواحد بعد رحيل الاستعمار.