تحولات درامية تشهدها خريطة الجريمة في مصر، سواء في المعدلات أو في نوعية مرتكبيها، فبعد أن كانت تقترن الجريمة بالفقر والعشوائيات والتفكك الأسري أصبحنا نسمع عن جرائم بشعة يرتكبها من ينتمون إلي الطبقة العليا والمتوسطة في المجتمع وبعضهم علي قمة السلم الاجتماعي في الجامعات ومجتمع الأعمال. ويظل هنا سؤال واقعي لدرجة كبيرة لا يخلو من فلسفة مطلوبة: هل يعد ذلك تحولاً في منحني الجريمة.. وهل يعد دليلاً علي عدم صلاحية السوق الحر للمجتمع المصري بتركيبته الحالية وخاصة بعد انهيار النظام المالي العالمي نتيجة تخلي الدولة عن دورها الرقابي الكامل في ضبط الأسواق وترك المستهلك فرسية لقوانين السوق المفتوح؟!. والجريمة ظاهرة اجتماعية عالمية لا يكاد يخلو منها أي مجتمع إنساني ومازالت أخطارها تتزايد يوماً بعد يوم بعد أن شهد المجتمع الإنساني تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية هائلة، وبحسب إحصائيات الأممالمتحدة بلغت نسبة نمو الجريمة 5% كل سنة، وهي تفوق بكثير نسبة زيادة عدد السكان. وبعيداً عن جهود أجهزة الأمن ودورها في زيادة المضبوط من هذه الجرائم فقد كشف تقرير إحصائي مؤخراً لوزارة العدل المصرية عن تزايد معدلات الجريمة في مصر عاماً بعد عام، مشيراً إلي أن الجرائم التي تداولتها المحاكم المصرية "رسمياً" يبلغ عددها مليوناً و896 ألفاً و594 قضية خلال عام واحد، بزيادة قدرها مليون و326 ألف قضية عن تلك التي نظرتها قبل أقل من عشر سنوات مضت. وأشار التقرير إلي أن جرائم القتل العمد زادت بنسبة 11،12%، وزادت جرائم الشروع في القتل بنسبة 54،7%، أما جرائم الضرب المفضي إلي موت فزادت بنسبة 87،3%. وارتفع معدل جرائم تزييف النقود بنسبة 116،45%، وبلغت الزيادة في نسبة جرائم الاختلاس خلال هذه السنوات 19،4%، وارتفع معدل قضايا التزوير بنسبة 90%، وزادت جرائم النصب وخيانة الأمانة بمعدل 99،9%، وزادت قضايا السكة الحديد بنسبة 61،95%، وقضايا التنظيم والإدارة - البلدية - بنسبة 3،47%. وبالانتقال إلي جزء شديد الأهمية من التقرير، وهو الخاص بجرائم الكسب غير المشروع، نجد أن لجان فحص إقرارات الذمة المالية كشفت عن وجود 461 ألفاً و480 جريمة كسب غير مشروع، بمعدل زيادة يبلغ 143،7% عن الجرائم المماثلة عام 1996. وكما أكد أحدث تقرير لأطلس منظمة الصحة العالمية، تزايد معدلات الإصابة بالأمراض النفسية، حتي انها أصبحت تشكل أكثر من 14% من جملة الأمراض المنتشرة في العالم كله، وصل عدد المرضي النفسيين في مصر إلي 4 ملايين مريض وهو ما كشفه استجواب أمام مجلس الشعب. جرائم الانفعال الدكتورة عزة كريم - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - تؤكد علي تصاعد العنف وزيادة معدلات الجرائم الانفعالية غير المخططة كما تظهر صفحات الحوادث في الصحف بين أفراد الطبقة الوسطي الحاصلة علي قدر لا بأس به من التعليم، وبعضهم حاصل علي درجات علمية مرتفعة ويتمتع بمستوي اجتماعي لا بأس به، ولكن - لم يصل الأمر بعد إلي حد الظاهرة - فالطبقة الوسطي المتعلمة هي أكثر الطبقات تضررا من ارتفاع الأسعار وعدم القدرة علي تلبية وإشباع احتياجاتها الأساسية التي تعودت عليها، بالرغم من أنها أكثر الطبقات إنتاجية فلا توجد عدالة في توزيع الدخول والوظائف المرموقة أصبحت تورث وحكرا علي أبناء العاملين فيها فقط، والشعور بالإحباط يؤدي إلي الانفجار عند أدني استفزاز، وكذلك ارتفعت معدلات الطلاق والزواج الثاني، كوسيلة للهروب من الضغوط والشعور بالإحباط والظلم، وبحسب رأي الدكتورة عزة، فإن إعلام العنف والإثارة أصبح أداة هدم لا بناء كما كان في الماضي وساهم في إفساد أخلاقيات المجتمع.