لم يكن حادث مذبحة أبو النمرس التي راح ضحيتها 6 أشخاص بالإضافة إلي إصابة آخرين مجرد حادث فردي عابر ولم يأت بالمصادفة ولم يكن الأول ولن يكون الأخير في مجتمع استشرت فيه ثقافة العنف وأصبح أسلوب التعامل الأمثل بين الناس. رغم محاولة البعض تهوين الأمر فإن ظاهرة العنف والقتل الذي تفشي مؤخراً في المجتمع المصري أصبح ظاهرة خطيرة الأمر الذي يدعونا للتساؤل حول أسباب تفشي هذه الظاهرة وهل هو نتاج لأزمة اقتصادية أم نتيجة لغياب الضمير والوازع الديني وهل الظاهرة وليدة اليوم أم أن لها مقدمات وشواهد خلال السنوات الماضية وأيضاً ما الذي جري للمصريين هل تبدلت العلاقات القائمة علي الحب والمودة وساد الظلم والقسوة!! في التحقيق التالي نستطلع أراء خبراء علماء الاجتماع لعلنا نجد إجابات لهذه التساؤلات!! يشير التقرير الاحصائي الأخير بوزارة العدل إلي تزايد معدلات الجريمة في مصر عاماً بعد عام موضحاً أن الجرائم التي تداولتها المحاكم المصرية بلغت مليونا و896 ألفاً و594 قضية تم تداولها خلال عام واحد بزيادة قدرها مليون و326 ألف قضية عن تلك التي نظرتها قبل أقل من عشر سنوات مضت. وذكر تقرير للبنك المركزي حول معدلات الفقر في مصر الذي أكد أن المجتمع المصري في مرحلة حرجة حيث رصد التقرير أن معدلات الفقر في مصر عام 2008 بلغت ضعف الرقم الموجود علي مستوي دول الشرق الأوسط كما رصد التقرير أن حوالي 25% من السكان دخلهم أقل من دولارين في اليوم الواحد هذا بالطبع بالإضافة إلي معدلات البطالة التي أصابت أكثر من 13% من المتعلمين وعدم الوفاء بتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الأساسية.. وأكد خبراء علم الاجتماع خطورة ارتفاع معدلات البطالة والفقر مشيرين إلي أنها سبب في تزايد معدلات ارتكاب جرائم القتل وأوضحوا أن العنف في مصر كان نتيجة لحالة الانفتاح السياسي في حقب السبعينيات التي أدت إلي أن مصر تخسر طبقة الترتيب الهرمي للمجتمع وإلغاء الطبقة الوسطي التي أفقدت المجتمع صمام أمانه. وأوضحت د.سامية خضر - رئيس قسم علم الاجتماع والفلسفة بكلية البنات جامعة عين شمس - أن المجتمع حدث به نوع من التغيير في القيم فلم نعد نسمع عن احترام الصغير للكبير، وعن وجود القدوة والمثل الأعلي واختفت الشهامة في الشوارع وطغت القيم المادية التي من أجلها يفعل الإنسان ما يريد سواء كان قتلا أو خيانة أو سرقة فسادت المنفعة الخاصة وتواري الضمير وأصبح هناك شراهة للمال دون احترام المصدر الذي يأتي منه هذا المال وكل هذا يرجع إلي غياب الوعي والفراغ الثقافي وغياب الوازع الديني فالإسلام أصبح الآن مجرد اطلاق اللحية وارتداء الحجاب. وارجعت د. سامية خضر ظاهرة العنف إلي وجود فجوة بين طبقات المجتمع فمع وجود الغني الفاحش نجد أيضاً الفقر المدقع وانهيار الطبقة الوسطي التي انهارت تماما وانهارت معها مبادئ الرضا والقناعة. وعاتبت د. سامية خضر علي وسائل الإعلام التي تساعد علي تفشي ظاهرة العنف في المجتمع خاصة أنها تنشر تفاصيل الجريمة والخطأ الذي ارتكبه الجاني وأوقعه في يد الشرطة. وانتقدت الأعمال الدرامية التي تركز علي السلبيات فكل ألوان العنف نجدها علي شاشات التليفزيون سواء قتلا أو سرقة أو اختطافا وفي كثير من الأحيان نجدها تعظم من صورة الخارج عن القانون وتظهره في صورة الملاك طيلة العمل الدرامي مشيرة إلي أن معظم الأعمال الدرامية سوف تعرض في رمضان القادم تجسد مظاهر العنف والقتل والدم وهذا بالطبع يؤثر في البسطاء والأميين وصغار السن ويكون له نتيجة سلبية.. أما د. سامية قدري استاذ علم الاجتماع فأكدت أن العنف من الناحية الاجتماعية هو سلوك عدواني يلجأ إليه المواطن للتعبير عن احساسه بالقهر. وأوضحت أن العنف نتاج عدة عوامل مجتمعة أفرزت كل التغيرات التي طرأت علي سلوك الشخصية المصرية سواء العنف أو الفساد أو الانحرافات الأخري بكل صورها.. وأكدت أن انهيار القيم في المجتمع المصري بدأ يحدث منذ السبعينيات نظراً للتحولات الهائلة في المجتمع نتيجة تطبيقه سياسات اقتصادية جديدة كالتكيف الهيكلي والخصخصة والعولمة وهذه السياسات الجديدة أدت إلي زيادة حدة الفقر والبطالة مما أثر علي المجتمع بشكل كبير وانتشر الفساد بكل صوره وانهارت منظومة القيم وأصبح موجود أنا وأنا وأصبحنا نستحل دم الآخر. وأشارت د. سامية قدري - إلي أننا نحتاج إلي وقت طويل لإصلاح أحوال المجتمع ونحتاج لمواجهة أولاً مشكلة الفقر وعلي الأقل أن تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن حتي لا نجبره علي ارتكاب جريمة السرقة أو القتل، فلابد من اشباع احتياجات الناس بالقدر الذي يجعلهم قادرين علي العيش وهذه هي البداية. يأتي بعد ذلك إصلاح التعليم والخطاب الديني وإعلاء من شأن بعض القيم الإيجابية. وأوضحت د. سامية قدري أن الإصلاح لن يحدث بين يوم وليلة ولكنه يجب أن يكون تدريجيا حتي يكون له مردود إيجابي علي المجتمع.