كشفت الأحداث الأخيرة التي تزايدت فيها أزمات طوابير الخبز والارتفاع العشوائي لأسعار السلع في الاسواق عن وجود رغبة شعبية وجماهيرية لدي المواطنين لعودة "وزارة التموين" بغض النظر عما إذا انضم إليها قطاع التجارة الداخلية أم لا. الرغبة ترجع إلي ارتباط كلمة "التموين" لدي المواطنين باهتمام المسئولين بهم لكن التعديل الوزاري الأخير الذي انضم بمقتضاه قطاع التموين للشئون الاجتماعية فيما عرف باسم "التضامن الاجتماعي" أعطي ايحاءات للشعب بأن الحكومة بهذا التعديل ربما رفعت يدها عن أسواق السلع والخدمات والأغرب من ذلك أن المواطن العادي أصبح ينظر لوزير التضامن وكأنه المسئول فقط عن الأرامل والعواجيز واليتامي وأطفال الشوارع والمعاقين وبعدت عن أذهانهم أن قطاع التموين يخضع لهذا الوزير. كما أن الفشل الذريع لوزارة التضامن الاجتماعي في ايجاد حلول حاسمة لمآسي رغيف العيش جعل من الضرورة ايجاد حقيبة وزارية للخبز.. فهو ليس أقل من وزارة الدولة لشئون البيئة أو البحث العلمي أو التعاون الدولي لأن رغيف الخبز هو صمام الأمان في غذاء الإنسان. الغريب أن مطالبة أعضاء اللجنة الخاصة بمجلس الشوري المعنية بدراسة قضية الدعم باعادة وزارة التموين بعد فشل وزارة التضامن الاجتماعي في السيطرة علي الأسعار والتصدي لأزمة الخبز جاءت متطابقة مع شعور المواطنين بأهمية عودة تلك الوزارة مرة أخري.. فهل هي مصادفة أن يطالب المواطنون بذلك ويتفق معهم أعضاء البرلمان؟ الخبراء يؤكدون أن اسم التموين كان يحمل "هيبة وقوة"!! في السوق.. بمعني أن هناك فارقا بين مفتشي التموين وبين من يقول أنا من "التضامن" حيث لم يعد له الهيبة كماكان سابقا بدليل أن أصحاب المحلات عندما كانوا يعلمون أن هناك حملة تجوب الأسواق من مفتشي التموين يسارعون بإغلاق محلاتهم علي الفور لحين انتهائها. أما الآن فإذا قيل إن هناك حملة من وزارة التضامن الاجتماعي فأصحاب المحلات أحيانا يتحججون بأن هناك تداخلا في الاختصاصات ما بين مفتشي الجمعيات الأهلية ومفتشي التموين.. أي أن الهيبة ضاعت ما بين قطاعي التضامن والتموين. "الأسبوعي" رصد بعض آراء خبراء الاقتصاد وأعضاء مجلس الشوري والمسئولين الذين اتفقوا جميعا علي ضرورة اعادة وزارة التموين مرة أخري ومنحها الاختصاصات السابقة واللازمة لمراقبة الاسواق والمخابز لاحباط محاولات استغلال بعض التجار الجشعين الذين يرفعون الاسعار باستمرار دون الاهتمام بالأجهزة الرقابية. اعتراف صريح في البداية يعترف مصدر مسئول بوزارة التضامن الاجتماعي بأن الغاء وزارة التموين سبب رئيسي لظاهرة الارتفاع العشوائي للأسعار خاصة أن الاهتمام بالمجمعات الاستهلاكية وتوفير السلع الاستهلاكية الاساسية كان كفيلا بالحد من موجة الغلاء الناتجة عن ارتفاع الاسعار العالمية لو كانت هناك رقابة حقيقية. يشير المصدر إلي أن الوزارة فقدت سيطرتها علي الاسواق بعد توقف جهاز الادارة المركزية للرقابة عن أداء دوره في الاشراف ومتابعة الاسواق موضحا أن هذه الادارة كانت تتبعها ثلاث إدارات أخري هي إدارة الرقابة علي المخابز والمطاحن، وإدارة التفتيش الفني، وإدارة الرقابة علي الأسعار، والتي انضمت مؤخرا إلي وزارة التجارة والصناعة. ويشير إلي أن بعض قيادات الوزارة تتعمد تعطيل العمل في الادارة المركزية عن طريق منع العاملين فيها من أداء دورهم الرقابي علي الاسواق موضحا أن هناك حملة رقابية واحدة يومية تقوم بالتفتيش علي جميع أسواق القاهرة وهي لا تستطيع مراقبة 27 حيا ومنطقة بالاضافة لرقابة البقالين التموينيين للتأكد من أداء دورهم في توزيع السلع التموينية وكذلك الرقابة علي المخابز خاصة بعد انتشار ظاهرة تسرب الدقيق المدعم إلي السوق السوداء وكذلك انتشار ظاهرة الأغذية الفاسدة نتيجة عدم وجود رقابة حقيقية علي الاسواق وتضارب الاختصاصات بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التجارة والصناعة حول عملية مراقبة الاسواق. عدم تركيز ويؤكد الدكتور شوقي السيد عضو مجلس الشوري أنه كان أول من اعترض علي إلغاء وزارة التموين وقت تشكيل الوزارة الحالية خاصة أن وزارة التموين من أقدم الوزارات التي تؤدي دورا حيويا لضبط الأسواق ومراقبتها. مشيرا إلي أن وزارة التضامن أصبحت تضم قطاعات أخري مهمة مثل المعاشات بجانب التموين مما تسبب في عدم تركيز وزير التضامن علي قطاع التموين بما يتضمنه من اختصاصات لمراقبة الأسواق وتوفير السلع الاستهلاكية المدعمة. يوضح د. شوقي السيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في فصل قطاع التجارة الداخلية عن وزارة التموين وضمها إلي وزارة التجارة والصناعة مما تسبب في وجود تضارب كبير في تحديد المسئول عن الإشراف ومراقبة الأسواق.