باعتبارنا من مجتمعات العالم الثالث.. فإن تفكيرنا سيظل هكذا حتي عند التعامل مع الغذاء، وقد كشفت أزمة رغيف الخبز الأخيرة عن صدق تلك المقولة فسلوك المصريين يظهر واضحا في عاداتهم الغذائية الموروثة.. فلم نسمع علي مدي السنوات الطويلة الماضية عن توجيه جزء كبير من الانفاق الحكومي علي دعم المواد النشوية التي تتحول في النهاية إلي دهون تختفي تحت جلد المصريين لتصيبهم بالسمنة والترهل وتنتهي بهم في عيادات القلب والعظام والسكر. ومن يصدق أن مبلغ الدعم الموجه للسلع الغذائية والذي يصل إلي 55 مليار جنيه يوجه أغلبه إلي الخبز والأرز والمكرونة. والسؤال الذي يطرحه "الأسبوعي" أما آن الأوان لكي نغير السلوك الغذائي للمصريين لمصلحتهم وأن نوجه جزءاً كبيراً من هذا الدعم لأغذية أكثر فائدة وأقل ضرراً مثل اللبن واللحوم والأسماك وغيرها؟ يقول د.عبدالهادي عباس أستاذ التغذية ورئيس المركز القومي لتكنولوجيا معلومات التغذية إن شعوب العالم الثالث تهتم بالدهون والنشويات لعدة أسباب أهمها قيمتها الغذائية من حيث السعرات حيث تتمتع بسعرات حرارية عالية بالاضافة إلي أن ثمنها نسبيا أرخص من السلع الغذائية الأخري مشيرا إلي أن الوضع الجديد لرغيف العيش ومحصول القمح أصبح يتحكم في سلع أخري كالمكرونة والأرز ورغم اقبال المواطنين علي هذه السلع إلا أن استخدامها غالبا يتم بطريقة خاطئة فمثلها طبق الكشري والذي يعتبر وجبة غذائية متكاملة يتكون من نشويات وبقوليات ودهون بجنيه واحد وتلقي اقبالاً كبيراً من الصغار والكبار علي السواء. يوضح أن هناك دراسات عديدة أجريت علي بعض الأحياء الفقيرة أثبتت أن معظم سكان هذه المناطق يبحثون عن الوجبة التي تسد جوعهم بغض النظر عن كونها وجبة متكاملة أم لا حيث يكفي فقط اعطاؤه سعرات حرارية يشعر بها من خلال احساسه بالشبع فهو يبحث دائما عن وجبة تملأ بطنه مثل رغيف عيش أو كيس كشري حيث إن تناوله بدائل صحية ذات قيمة غذائية أفضل كطبق سلطة أو بعض ثمار الفاكهة لن تسد احساسه بالجوع. ثقافة غذائية وعن امكانية وضع خطة للمجتمع تهدف إلي وضع سلوك غذائي جديد ينوه عباس إلي أن وضع أي خطة جديدة يتوقف أولا علي التثقيف الغذائي بمعني مدي امكانية توصيل المعلومة الصحيحة للمجتمع وثانيا رفع دخل الفرد والتي تعتبر عملية معقدة لأنها لا تتوقف علي مجرد اعطاء مبلغ من المال ولكنها تتطلب أيضا توفير فرص عمل والبحث عن وسائل بديلة لأفراد الأسرة تمكنهم من إعانة أنفسهم مضيفا إلي أن هناك استراتيجية للغذاء تقوم الدولة بوضعها كل عشر سنوات ولكن السؤال هل يتم فعلا تنفيذ هذه الاستراتيجية أم لا حيث إنها تخضع لمعايير كثيرة أهمها التغيرات التي تشهدها الأسواق العالمية. وينفي رئيس المركز القومي لتكنولوجيا معلومات التغذية وجود قصور في وسائل التوعية موضحا أن القصور يكمن في العقلية المصرية فعلي الرغم من وجود وجبات بنفس السعر وأفضل في القيمة الغذائية إلا أنها لا تحقق احساس الانسان بالشبع فهو يفضل شراء "العظم واللية" علي اللحوم الحمراء معللا ذلك بأن اعطام أطفاله للحم لن يشبعهم ولكن "اللية" سوف تسد جوعهم والعظم يستخدم في اعداد "الشوربة"!! وينوه عبدالهادي إلي ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض السمنة والسكر والضغط نتيجة للسلوك الغذائي الخاطئ مطالبا الطبقة المتوسطة بضرورة الانتباه إلي اختيار الغذاء الصحي قبل التفكير في الحصول علي الغذاء المشبع. كما أن الفئات الغنية تعتمد في معظم وجباتها علي "السندوتشات" السريعة والتي تحتوي علي كم من الدهون قد يؤدي إلي الوفاة. نسب صحية ويري د.نبيه عبدالحميد رئيس مركز معلومات سلامة الغذاء بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة أن المشكلة تكمن في غياب المعرفة حيث إن تغطية احتياجات الجسم من السعرات الحرارية اليومية يجب أن يتوزع بين المكونات الرئيسية المهمة بالنسبة الصحيحة فنسبة الكربوهيدرات والسكريات المطلوبة يجب أن تغطي من 55 إلي 60% من احتياجات الطاقة أما البروتين فيعطي 15% والدهون من 25 : 35% وهذه النسب الدقيقة قد يحدث بها بعض الاختلافات ينتج عنها اضطرابات يحدث لها توازن بتناول الفاكهة مضيفا إلي أن أغذية الخضار والفاكهة أساسية لرفع نسبة المناعة في الجسم وتغطية احتياجاته من الأملاح المعدنية والفيتامينات إلي جانب احتوائها علي العديد من المكونات المهمة من المضادات للأكسدة حيث تمتلك تأثيراً جيداً لمقاومة الأورام الخطيرة وأمراض السرطان. ويوضح نبيه عبدالحميد أن النمط الغذائي للأسرة المصرية يعتمد علي تناول كميات كبيرة من الطعام رغم ارتفاع أسعار معظم السلع الاساسية ولهذا يجب أن يلجأ الفرد إلي ضرورة التقليل من الكميات التي يتناولها يوميا فنحن كشعب نأكل أكثر من احتياجاتنا وهذه عادات سيئة حان الوقت للقضاء عليها وقد يكون غلاء الأسعار فرصة حتي يراجع كل فرد نفسه قبل أن يقدم علي شراء السلع بشكل عشوائي ومبالغ فيه موضحا أن الشعب المصري يفتقد سياسة الحركة البدنية فنسبة البدناء عالية جدا في الاطفال وهو ما يؤدي إلي مشكلات صحية كثيرة والمطلوب تزويد الطاقة المستخلصة من الخضار والفاكهة كعلاج لمشكلة السمنة إلي جانب اتباع اسلوب الحركة البدنية كنشاط يومي. وينوه رئيس مركز معلومات سلامة الغذاء إلي وجود وجبات متنوعة تحتوي علي العديد من المكونات من خضار طازج متوافر في الاسواق بأسعار متفاوتة طوال العام كالجزر الخس الجرجير والفجل، الطماطم، والخيار حيث يجب التنوع مع عدم الاعتماد علي صنف واحد بعينه الفواكه أيضا بها أنواع منخفضة التكلفة كالجوافة والموالح إلي جانب البقول كالفول والعدس فالتنوع والتشكيل من الأشياء المتاحة لدي الاسرة. وتشير د.ينا شهاب أستاذ التغذية بالمعهد القومي للتغذية إلي أنه وفي ظل الارتفاع الجنوني للأسعار بالنسبة للسلع الغذائية الاساسية يجب البحث عن البدائل التي تعطي نفس القيمة الغذائية فمع الارتفاع الهائل في أسعار اللحوم والدواجن يمكننا الحصول علي نفس القيمة الغذائية من خلال الحصول علي وجبة متكاملة تجمع بين الحبوب والبقوليات كسندوتش الفول وكذلك الخضراوات والتي تعتبر بديلا جيدا عن الفاكهة خاصة أن هناك بعض الخضراوات مازالت تحتفظ بأسعارها المعتدلة كما أن الخضراوات تحتوي علي نسبة كبيرة من المعادن التي يحتاجها جسم الإنسان. وتوضح د.شهاب أن الدولة تقوم بدعم الأغذية التي تحتوي علي النشويات لأسعارها المعقولة خاصة الحبوب والتي تعتبر قاعدة الهرم الغذائي كما أن النشويات تحتوي علي 60% من السعرات التي يحتاجها جسم الإنسان كما أن البديل مرتفع التكلفة فأسعار البروتينات والمواد النباتية من الخضار والفاكهة تحتاج في دعمها إلي فروق في الاسعار لن تتحملها الدولة وتطالب بضرورة تدخل القطاع الخاص في اصلاح منظومة الغذاء خاصة لأطفال المدارس حيث إن الوجبة الممنوحة لهم وهي عبارة عن "بسكويت" تمنح لمدة 45 يوما فقط في العام وبالتالي لا قيمة لها بالاضافة إلي علامات الاستفهام العديدة حول مدي الملاءمة الصحية لهذه الوجبات. تشير إلي وجود تجارب كثيرة فيما يتعلق بدعم الصحة المدرسية في بعض البلدان العربية أسهم فيها رجال الأعمال من خلال منح الطلاب وجبات غذائية صحية كالألبان والفطائر.