تدور الاَن رحي معركة اقتصادية مثيرة بين عدد من أقطاب الرأسمالية الروسية الجديدة من أجل شراء شركة نوريلسك التي تقول عنها مجلة الإيكونوميست إنها أكبر منتج للنيكل في العالم.. ومعروف أن نوريلسك للنيكل هي واحدة من الشركات الروسية الكثيرة التي جري خصخصتها في تسعينيات القرن الماضي عن طريق بيعها بثمن بخس لأفراد الأوليجاركية الروسية الحاكمة وأصدقائهم في عصر الرئيس الأسبق بوريس يلتسين. وقد كان فلاديمير بوتانين أحد أفراد هذه الأوليجاركية مسئولا جزئيا عن نظام الخصخصة الفريد الذي ابتدعته روسيا اَنذاك والذي كان يقوم علي تمويل عمليات الخصخصة عن طريق قروض ميسرة من البنوك تقدم لمن يريد من أفراد الأوليجاركية الحاكمة وأصدقائهم شراء أية شركة. وبفضل هذا النظام اشتري بوتانين وصديقه ميخائيل بروفوروف حصة مسيطرة في شركة نوريلسك.. ولاشك أن نظام الخصخصة الروسي كان نظاما بلا أية معايير اقتصادية أو مالية يمكن الدفاع عنها، ولكنه علي أية حال جري تطبيقه لإيجاد الرأسمالية الروسية الجديدة من بين أفراد القلة الحاكمة في البلاد. واليوم تطورت شركة نوريلسك وصارت أكثر شفافية وكفاءة وربحية مما كانت عليه في أي وقت سبق وأصبح لها مجلس إدارة لائق ومديرون محترفون وأصبحت قيمتها السوقية في البورصة تناهز ال 60 مليار دولار.. ولابد من الاعتراف بأن بوتانين وبروفوروف كانا فريقا جيدا، حيث تولي الثاني إدارة الشركة، أما الأول فقدم له ما قد يحتاجه من غطاء سياسي.. وقد صارا يملكان معا 54% من شركة نوريلسك. ولأن بروفوروف طويل ووسيم وثري جدا وأعزب فقد تحول إلي فارس مرغوب من النساء ورغم أنه كان يعمل بجدية فإنه كان يمارس نزواته دون توقف.. وفي يناير 2007 قبض عليه البوليس الفرنسي بتهمة إدارة شبكة لممارسة البغاء ولكنه سرعان ما أفرج عنه دون اتهام ولا أحد يعرف حتي الاَن ما إذا كان ضالعا في شبكة من هذا النوع أم أن عدم احترازه في ممارسة نزواته الشخصية هو الذي قاده إلي هذا الفخ. ويذكر أحد رجال الأعمال القريبين من الصورة أن المسئولين في الكرملين أبلغوا بوتانين أن ينصح شريكه بالكف عن هذه الأعمال، ولكن بروفوروف لم يرتدع.. وبعد الحادث حرص بوتانين علي ألا يشارك بروفوروف اجازاته الصاخبة في منتجع كورتشفيل الفرنسي بل أدان سلوكياته رغم ما بينهما من شراكة في نوريلسك. وتقول مجلة الإيكونوميست إن الخلاف بين الرجلين كان فيما يبدو محتما لأسباب أخري هي أن بروفوروف كان يجهد نفسه في إدارة الشركة ويدفعها إلي النجاح في حين أن العائد الأدبي كله يذهب إلي بوتانين.. ولذلك لم تكن مفاجأة أن يعرض بروفوروف بيع حصته في نوريلسك "25%" إلي بوتانين مقابل 15 مليار دولار.. وقد رفض بوتانين العرض لأنه كما يقول البعض لم يكن يملك الثمن المطلوب.. وهنا تحول بروفوروف إلي أغني رجل في روسيا وهو أوليج ديريباسكا الذي يعد أيضا أكثر أفراد الأوليجاركية الحاكمة عدوانية. ومعروف أن ديريباسكا يملك 66% من شركة روسال الروسية أكبر منتج للألومنيوم في العالم.. وقد عرض ديريباسكا علي بروفوروف أن يعطيه 11% من روسال إلي جانب 6 مليارات دولار نقدا مقابل حصته في نوريلسك. ووعد ديريباسكا أيضا بأن يشتري الحصة كلها نقدا إذا لم توافق قيادات روسال علي هذه الصفقة وعلي تعويم روسال في البورصة العام القادم 2009. ولابد من الإقرار بأن إتمام مثل هذه الصفقة سوف يقلب أوضاع صناعة المعادن الروسية، فشراء نصيب بروفوروف في نوريلسك تعتبره روسال خطوة أولي إما نحو الاندماج بين الشركتين وإما نحو إقدام روسال علي شراء نوريلسك كلها. وقد أعلن الكسندر بوليجين رئيس روسال علي الملأ وفي أجهزة الإعلام نواياه في هذا الشأن مبررا الاندماج أو شراء نوريلسك كلها بأنه سيعطيه فرصة لتنويع إنتاج روسال من المعادن وهو الاتجاه العالمي السائد في هذا القطاع. وهنا يقول قادة نوريلسك إن روسال لم تقدم لهم أي عرض رسمي ولم توضح كيفية إتمام الاندماج بين الشركتين من الناحيتين العملية والمالية خصوصا أن روسال شركة خاصة مسجلة في جيرسي، كما أن مستثمري الأقلية في نوريلسك لن يقبلوا أن يتم الاندماج أو الاكتساب بالأسهم. ومن جانبها فإن روسال لا تملك السيولة التي تمكنها من شراء نوريلسك بل إنها شركة مدينة أو بالأدق مثقلة بالديون حتي قبل أن تقترض أخيرا 4.5 مليار دولار لمساعدتها في شراء حصة بروفوروف.. ويخشي بوتانين أن تكون روسال قد وضعت عينها علي إيرادات نوريلسك وأنها ترغب أساسا في استنزاف نوريلسك وامتصاص ما لديها من سيولة.. ولذلك لجأ بوتانين إلي قطب اَخر من أقطاب إنتاج المعادن في روسيا هو أليشير أوسمانوف الذي يملك مناجم لخام الحديد وله علاقات بشركة جازبروم عملاق إنتاج الغاز الطبيعي التي تملكها الحكومة الروسية، وقد تقدمت شركة جازميتول التي يملكها أوسمانوف عن طريق بنك أجنبي بعرض للاندماج مع نوريلسك وهو الأمر الذي سيزيد من صعوبة مهمة روسال إذا أرادت اكتساب نوريلسك.. كما أن هذا العرض يمهد الطريق لاندماج الشركات الثلاث جازميتول ونوريلسك وروسال ليقوم بذلك كيان روسي عملاق في صناعة المناجم والمعادن. وتؤكد إدارة نوريلسك حرصها علي مصالح صغار المستثمرين ولذلك فقد دعت إلي اجتماع لحملة الأسهم يوم 8 ابريل القادم لمناقشة الموقف وتنسيقه. ولاشك أن الأمر المهم في هذه العملية كلها هو أن الرأسمالية الروسية الجديدة قد بدأت تتعلم القواعد الصحيحة للاندماج والاكتساب في سوقها الداخلية، وذلك بعيدا عن قبضة الدولة وعن طريق الاستعانة بالمصرفيين والمحاسبين وليس بمباحث الضرائب وسلطات الأمن كما فعلت الدولة الروسية نفسها مع شركة يوكوس للبترول منذ نحو عامين.