استقرار أسعار الذهب في مصر بعد تراجع الدولار    عاجل:- السعودية تمنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة خلال موسم الحج    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 23 مايو 2024    أسعار الدواجن واللحوم اليوم 23 مايو    فلسطين.. إصابات جراء استهداف زوارق الاحتلال الصيادين شمال غرب خان يونس    ماذا يعني اعتراف ثلاث دول أوروبية جديدة بفلسطين كدولة؟    باحثة ب«المصري للفكر والدراسات»: قلق دولي بعد وفاة الرئيس الإيراني    العثور على ملفات حساسة في غرفة نوم ترامب بعد تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي    ليلة التتويج.. موعد مباراة الهلال والطائي اليوم في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    تعليم الجيزة تكشف حقيقة تسريب امتحان الدراسات الاجتماعية بالجيزة    أخبار مصر: منع دخول الزائرين مكة، قصة مقال مشبوه ل CNN ضد مصر، لبيب يتحدث عن إمام عاشور، أسعار الشقق بعد بيع أراض للأجانب    محمد صلاح يثير الجدل مجددًا بنشر غلاف كتاب "محاط بالحمقى"    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    ناقد رياضي: الأهلي قادر على تجاوز الترجي لهذا السبب    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    سيارة الشعب.. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيها    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    رئيس الزمالك: شيكابالا قائد وأسطورة ونحضر لما بعد اعتزاله    ارتفاع عدد الشهداء في جنين إلى 11 بعد استشهاد طفل فلسطيني    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    ضبط دقيق بلدي مدعم "بماكينة طحين" قبل تدويرها في كفر الشيخ    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    تشييع جثمان ضحية جديدة في حادث «معدية أبو غالب» وسط انهيار الأهالي    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    مختار مختار : علامة استفهام حول عدم وجود بديل لعلي معلول في الأهلي    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤشرات المروعة للأصولية الاقتصادية في روسيا وبولندا

خلال الفترة الأخيرة شهد مجلس الشعب مناقشات مكثفة وساخنة حول تجربة الخصخصة المصرية وتحديدا حول عدد من النماذج السلبية المرتبطة بممارسات فاسدة للمستثمرين الجدد في الشركات العامة السابقة. التي تحولت الي شركات خاصة وكان مصيرها الإفلاس والديون المتراكمة وحقوق العمال الضائعة في مسلسل للتلاعب والانحراف يستهدف بالدرجة الأولي تحويل المصانع الي مشروعات تقسيم أراض في مناطق حيوية مع أحاديث عن مخالفات صارخة في عمليات البيع وشروطه وأسعاره‏,‏ وهي قضايا محلها المختار لابد أن يكون النيابة العامة والقضاء‏,‏ ولكن ما يستوجب النقاش المجتمعي العاجل والمكثف لا يرتبط فقط بالاشخاص خلف هذه الموضوعات ولكنه يرتبط بالدرجة الأولي بنمط التفكير والفلسفة الاصولية الاقتصادية التي سمحت بصناعة المناخ الملائم لإتمام هذه الصفقات الفاسد‏,‏ والأهم من كل ذلك حتميات الاصلاح والعلاج العاجل في ضوء الحقائق التي أكدتها الأزمة المالية العالمية الأخيرة عن الفساد الكامل لجميع تطبيقات الأصولية الرأسمالية ومعتقدات اليمين المحافظ الأمريكي والبريطاني وحتمية مواجهتها بكل حزم وعزم‏.‏
ويشير شريف دلاور خبير الاقتصاد الدولي إلي أن التعلم من خبرات العالم الايجابية والسلبية ضرورة لضمان تصويب مسار الاقتصاد المصري وتجاوز الأخطاء والمشاكل الفادحة والاتفاق علي البوصلة الصحيحة والسليمة للمستقبل التي تضمن تحقيق طموحات الدولة والمجتمع والمواطنين‏,‏ وهو ما يستوجب المراجعة الدقيقة للحقائق التي كشف عنها العالم بعد الأزمة العالمية الكارثية‏,‏ وكان الكثير منها يدخل من قبل في نطاق الأسرار العليا للدول ولا يسمح بالكشف عنها وتداولها وهي في مجملها تؤكد ضرورة المراجعة الشاملة لما جري ويجري من سياسات في مصر اعتمدت علي ما يسمي قواعد توافق واشنطن وروشتة الإصلاح للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال العقود الثلاثة الماضية وما أدت اليه من تجارب فاشلة في العديد من دول العالم تسببت في تبديد الثروات العامة والإضرار بالصناعة الوطنية ورفع معدلات البطالة في الوقت الذي قادت فيه الي الهيمنه المالية الأجنبية وتمركز السلطة والثروة في أيدي القلة مع زيادة الفجوة بين الثراء والفقر بكل سلبياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحادة والمدمرة‏.‏
ويؤكد خبير الاقتصاد الدولي المرموق أن تجربة روسيا خلال عهد بوريس يلتسين الرئيس الاسبق تقدم نموذجا فريدا للتجارب الفاشلة والمدمرة وصلت الي حدود وصفها بالإبادة الاقتصادية والبؤس المخطط‏,‏ وهي بذلك تكشف عن الكثير من الاسرار والخبايا عن خلفيات الاصولية الرأسمالية وتطبيقاتها المفزعة والمروعة التي تحطم الدول والمجتمعات والأفراد وتزلزل قواعدها وتدفعها للسقوط والانهيار‏.‏
وفي البداية كان هدف الرئيس الروسي جورباتشوف التحرك نحو خليط من الاقتصاد الحر وشبكة ضمان اجتماعي قوية مع إبقاء الصناعات الاستراتيجية تحت السيطرة العامة‏,‏ وتوقع خمس عشرة سنة لإتمام هذه العملية يقام خلالها بناء ديمقراطي اجتماعي علي غرار النموذج الاسكندنافي الأوروبي‏,‏ ولقد برز يلتسين كمدافع شجاع عن الديمقراطية ضد محاولة الانقلاب الشيوعي حولته الي بطل شعبي‏,‏ ولقد قال جيفري ساكس الخبير الاقتصادي الدولي الأمريكي ليلتسين مع توليه رئاسة الجمهورية في روسيا إنه واثق من تدبير‏15‏ مليار دولار لمساعدة روسيا في حالة لجأت الي ما يسمي الانفجار الكبير‏BigBangapproach‏ في التحول نحو اقتصاد رأسمالي كامل‏,‏ ولقد حصل يلتسين في نهاية عام‏1991‏ علي تفويض خاص لمدة عام من البرلمان بسلطات مطلقة في إصدار القوانين دون الرجوع إليه بهدف إعادة تشكيل الاقتصاد الروسي وحل أزمته الخانقة‏.‏
ولقد جمع يلتسين حوله لهذا الغرض فريقا من الاقتصاديين الروس سبق أن كونوا في اثناء الحكم الشيوعي ناديا للقراءة في الاقتصاد الحر استلهم أفكاره من النصوص الأساسية لمدرسة شيكاغو الأمريكية في الأصولية الرأسمالية ووحدانية السوق وهي ترتكز علي الأيديولوجية الاصولية المسيحية الصهيونية في تحديد رؤيتها للعالم وأوضاعه‏,‏ وهي ايديولوجية تنتمي لليمين المتطرف العنصري ويتبناها اليمين المحافظ الأمريكي وإدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب والابن‏,‏ وكان أبرز هؤلاء هو ييجور جايدار الذي عينه يلتسين نائبا لرئيس الوزراء‏,‏ وتولت الولايات المتحدة تمويل مجموعة من الخبراء الأمريكيين لمساعدة جايدار وفريقه كظهير أيديولوجي وفني في العديد من المهام بدءا من إصدار مراسيم الخصخصة الي إطلاق بورصة علي نمط نيويوريك والي تحرير الأسعار‏,‏ وشمل البرنامج سياسات للتجارة الحرة وخصخصة‏225‏ ألف منشأة عامة كمرحلة أولي‏,‏ وخلال عام واحد فقط من هذه الاجراءات فقد ملايين الروس من الطبقة الوسطي قيمة مدخراتهم نتيجة تدهور قيمة العملة‏,‏ وهبط استهلاك المواطن الروسي المتوسط ب‏40%‏ وانتقل نصف سكان روسيا الي شريحة تحت خط الفقر‏.‏
ونتيجة للضغط الشعبي العارم صوت البرلمان في ديسمبر‏1992‏ بإقالة جايدار ثم في مارس الذي يليه بسحب السلطات الاستثنائية التي سبق أن أعطيت ليلتسين إلا أن الأخير رد علي البرلمان بإعلان حالة الطواريء وإعادة سلطاته‏,‏ فأصدرت المحكمة الدستورية العليا التي أنشئت في عهد جورباتشوف قرارا يدين إجراء يلتسين بصفته انتهاكا للدستور‏,‏ ولم يأبه يلتسين الذي تأكد من مساندة الغرب له بكل ذلك وأصدر القرار‏1400‏ بإلغاء الدستور وحل البرلمان الذي اجتمع بعد يومين وقرر إقالة يلتسين بأغلبية‏636‏ صوتا ضد صوتين‏,‏ وعلي الفور قام الرئيس كلينتون بالحصول علي تصويت من الكونجرس لتقديم مساعدة فورية ليلتسين قيمتها‏2,5‏ مليار دولار‏,‏ ومع الدعم المتزايد الغربي له أرسل يلتسين قواته لمحاصرة البرلمان وقطع عنه الكهرباء‏,‏ وتوالت لمدة أسبوعين المظاهرات الشعبية السلمية ضد قوات يلتسين‏,‏ وكان الحل الطبيعي هو إجراء انتخابات مبكرة إلا أن ذلك كان يمثل خطرا علي يلتسين والغرب‏,‏ فروسيا هي حقول النفط‏,‏ وهي التي تحتوي علي‏30%‏ من المخزون العالمي في الغاز و‏20%‏ من النيكل ومصانع الأسلحة وخلافه‏.‏
ورفض يلتسين المساومة ولجأ الي المواجهة والتي قتل فيها مائة شخص وتم القبض علي‏1700‏ من المتظاهرين‏,‏ وكانت خطوة يلتسين اللاحقة هي حل جميع المجالس المحلية علي مستوي روسيا كلها‏!‏ وهكذا قام الاقتصاد الحر ليلتسين علي حطام الديمقراطية الوليدة‏,‏ وأصبح الرجل في‏4‏ أكتوبر‏1993‏ بينوشيه روسيا‏,‏ وكان بينوشيه هو نموذج الديكتاتورية الفاسدة في شيلي بأمريكا اللاتينية ورسول الأصولية الرأسمالية والمدافع الأول عن الرأسمالية الروسية ضد اخطار وتهديدات الديمقراطية بفرض القمع والديكتاتورية‏,‏ وعندئذ طلب ستانلي فيشر النائب الاول للمدير التنفيذي لصندوق النقد‏(‏ وأحد طلاب مدرسة شيكاغو الاصولية في السبعينيات‏)‏ من وروسيا بالتحرك في أسرع وقت علي جميع جبهات الخصخصة والتحرير‏,‏ وببساطة استبدلت الدولة الديكتاتورية الشيوعية بديكتاتورية دولة اصحاب الأعمال وتشكلت من بعض أعضاء الحزب الشيوعي السابق ومجموعة من قيادات الصناديق المالية الغربية‏,‏ وقام البليونيرات الجدد بالسطو علي كل شيء ذي قيمة في البلد وتحويل ارباحهم للخارج بمعدل‏2‏ مليار دولار شهريا‏,‏ ولولا هؤلاء وبمساعدتهم السخية لحملة يلتسين والتي تبلغ قيمتها أرقاما فلكية‏(100‏ مليار دولار‏)‏ وإعطاؤه مساحة في تليفزيوناتهم الخاصة تفوق من‏800‏ ضعف المساحة المعطاة لمنافسيه ونصيحة لوبوف رئيس الامن القومي بشن حرب في الشيشان لما أمكن ليلتسين إحراز الفوز في انتخابات‏1996‏ بجميع اساليب الخداع والتلفيق‏.‏
ويكشف شريف دلاور عن انه تحت ستار الخصخصة تمت سرقة الاصول الانتاجية القومية لروسيا بأبخس الأسعار في ظل عمليات فساد منظم وهكذا تم بيع‏40%,(‏ تعادل حجم كامل شركة توتال الفرنسية للبترول‏)‏ من شركة بترولية ب‏88‏ مليون دولار والتي بلغت مبيعاتها‏193‏ مليار دولار في‏2006‏ وارباحها‏1,5‏ مليار دولار سنويا وبيعت شركة يوكوس والتي تسيطر وحدها علي حقول بترول تفوق كل حقول الكويت ب‏309‏ ملايين دولار‏,‏ وهي تحقق إيرادات سنوية تزيد علي‏3‏ مليارات وأما الشركة العملاقة سيدانكو والتي بيعت ب‏130‏ مليون دولار‏,‏ فقد امكن اعادة بيعها في السوق العالمية بعد عامين فقط ب‏2,8‏ مليار دولار‏!‏ وبيعت احدي كبري الصناعات الحربية ب‏3‏ ملايين دولار‏,‏ والمذهل ان السياسيين ومن بينهم عدد من وزراء يلتسين الذين قاموا ببيع هذه الشركات حولوا معظم ايرادات الخصخصة الي البنوك الخاصة التي تمتلكها القلة الرأسمالية المهيمنة الجديدة بدلا من إيداعها في البنك الوطني والخزانة العامة ومع إحكام السيطرة لنفر من الرأسماليين الروس الجدد علي اصول الدولة الروسية شرعوا في بيع حصص ضخمة منها للشركات متعددة الجنسيات مثل مشاركة شل وبيريتش بتروليم مع الشركتين الروسية العملاقة جازبروم وسيدانكو وككل التجارب الاخري لمدرسة شيكاغو في امريكا اللاتينية فإن الفساد كان هو الصديق المرافق للعلاج الاقتصادي فأنهي عدد كبير من وزراء يلتسين ونوابهم حياتهم العملية بفضائح مدوية‏!‏
ولكن الذي دفع الثمن هو الشعب الروسي‏,‏ فحسب البنك الدولي في منتصف التسعينيات فإن‏74‏ مليون روسي كانوا يعيشون تحت خط الفقر مقابل‏2‏ مليون قبل التحرير منهم‏37‏ مليونا في حالة وصفت بالميئوس منها‏,‏ واقرت اليونيسيف بوجود‏3,5‏ مليون طفل بدون مأوي‏(‏ اطفال شوارع‏)‏ وازداد استهلاك الروس للكحول الي الضعف والمخدرات الي‏900%‏ في الفترة من‏1994‏ الي‏2004‏ ويعاني‏4‏ ملايين شخص من الإدمان وفي سنة‏1995‏ وحدها اصيب‏50‏ الف شخص بعدوي الايدز وارتفعت الجرائم الي اربعة اضعاف في عام‏1994,‏ ويقول فلاديميك جوسيف الاكاديمي الروسي بأن عشر سنوات من الرأسمالية الاجرامية قتلت‏10%‏ من كل سكان روسيا الذين ينخفضون بمعدل‏700‏ الف سنويا بين عامي‏1992‏ و‏2006‏ وتقلص عدد السكان ب‏6,6‏ مليون نسمة‏,‏ ولقد تمرد أندريه جوندر فرانك أحد اقتصاديي مدرسة شيكاغو علي مدرسته وخاطب ملتون فريدمان كاهن المدرسة بقوله ان هذا تخطيط للبؤس يمثل إبادة اقتصادية‏economicgenocide‏ وبدلا من الاعتراف بفشل هذا النموذج فقد برر الأصوليون الجدد أسباب الفشل بثقافة الفساد في روسيا وعدم استعداد الشعب للديمقراطية نظرا لتاريخ طويل تحت حكم الاستبداد‏,‏ وأنتهت حقبة يلتسين وجاء بوتين للبدء في المهمة الصعبة للأصلاح الأوضاع‏.‏
ويشير خبير الاقتصاد الدولي إلي أن سيناريو الضياع الروسي تكرر في بولندا بحذافيره وعندما تولت حركة تضامن‏Solidariity‏ الحكم سلميا بقيادة ليش فاليسا بعد سقوط النظام الشيوعي كان الاقتصاد البولندي علي حافة الانهيار نتيجة عقود من الادارة السيئة للحزب الشيوعي‏,‏ فنسبة التضخم ارتفعت إلي‏600%‏ وازدهرت السوق السوداء وعاني الشعب من نقص حاد في المواد الغذائية‏,‏ وبالتالي كانت بولندا في حاجة ماسة إلي المساعدات وإلي تخفيف عبء الديون مما وضع الحكومة الجديدة في قبضة يد صندوق النقد الدولي والخبراء الاقتصاديين لمدرسة شيكاغو الأصولية في وزارة الخزانة الأمريكية‏,‏ واضطرت حكومة فاليسا إلي قبول التحول الكامل إلي الرأسمالية غير المقيدة‏,‏ وفي هذا الإطار بدأ الخبير الأمريكي جيفري ساكس العمل كمستشار لحركة تضامن بمساعدة المضارب العالمي جورج سورس الذي تولي نفقاته هو ودافيد ليبتون الخبير بصندوق النقد‏,‏ بل سافر معهما إلي العاصمة وارسو لمساندتهما في مهمتهما لدي الحكومة البولندية‏,‏ ونصح ساكس الحكومة بالامتناع عن دفع الديون وأكد لها إمكانية تدبير‏3‏ مليارات دولار للانقاذ في حالة تنفيذ خطته الرامية إلي بيع المناجم وأحواض بناء السفن وجميع المصانع‏,‏ وهي الخطة التي تتعارض تماما مع التوجهات والوعود التي قطعتها الحركة النقابية‏,‏ تضامن للشعب البولندي بتملك العاملين لهذه المؤسسات‏,‏ ولقد بلور ساكس مشروعه المكون من‏15‏ صفحة في ليلة واحدة وعقد عدة لقاءات لشرحها لأعضاء نقابة التضامن التي كانت تتمتع بمخزون كبير من الشعبية وكان في نفس الوقت متلهفة لإيجاد حل للمشكلة الاقتصادية‏,‏ وضرب ساكس لهم مثال بوليفيا في تحرير العملة والتحول من الصناعة الثقيلة إلي إنتاج السلع الاستهلاكية وفي إقامة بورصة حرة‏,‏ ووجد حليفا بولنديا قويا ممثلا في شخص بالسرووتيز المتأثر بمدرسة شيكاغو ورائدها ملتون فريدمان‏.‏
ونتيجة قبول الحكومة في ظل هذه الظروف القهرية لمقترح ساكس تمكن الاخير من جدولة ديون بولندا والحصول علي مليار دولار من صندوق النقد للمساعدة في استقرار العملة البولندية‏,‏ وبرغم ان هذه الخطة طبقت من خلال حكومة انتخبت بإرادة شعبية حرة فإنها اعتبرت خرقا صارخا للديمقراطية لتعارضها علي طول الخط مع رغبات الغالبية العظمي من الناخبين الذين صوتوا لحركة تضامن‏,‏ وقد أظهر استقصاء في آخر عام‏1992‏ رفض‏60%‏ من البولنديين خصخصة الصناعات الثقيلة‏,‏ ولقد أدت خطة ساكس‏/‏ سورس إلي كساد الاقتصاد البولندي‏,‏ فانخفض الانتاج الصناعي بمقدار‏30%‏ خلال عامين من الاصلاح الاقتصادي‏,‏ وزادت نسبة البطالة إلي‏25%‏ في‏1993‏ و‏40%‏ لدي الشباب‏,‏ وكانت نسبة السكان تحت خط الفقر في عام‏1985‏ تبلغ‏15%‏ ارتفعت الي‏59%‏ في‏2003,‏ وقد فقدت حكومة تضامن الحكم وتدنت شعبيتها وطوي النسيان البطل ليش فاليسا‏,‏ اما الخبير جيفري ساكس فقد دافع عن نفسه بالقول إنه لم يكن امامه خيار آخر‏,‏ وانه كان بمثابة جراح في غرفة طوارئ ولكن بالنسبة للبولنديين فإنهم بعدما افاقوا من العملية الجراحية كانت لديهم اسئلة كثيرة حول الطبيب والعلاج‏!‏
‏***‏
ومع تجارب العالم المريرة والقاسية مع الاصولية الرأسمالية منذ بزغ نجمهاعلي يد مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا ورونالد ريجان الرئيس الأمريكي في الثمانينيات من القرن العشرين وارتقت الي مرحلة السيطرة علي العالم باختلاق وقائع تفجير برج التجارة العالمي ومبني البنتاجون الخاص بوزارة الدفاع في العاصمة ودفع العالم الي متاهات الحرب ضد الاسلام والاصولية والفاشية الاسلامية واحتلال العراق وافغانستان وقتل الملايين من المواطنين الابرياء وتهجير عشرات الملايين من ديارهم حتي تتم صناعة المناخ الملائم للسيطرة علي اقتصاد العالم وثرواته ومقاديره في غفلة من الرأي العام والضمير العالمي‏,‏ ومع كشف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الكارثية للمستور‏,‏ وما اصاب الاقتصاد العالمي من زلازل وبراكين عاصفة ومدمرة فإن وعيا عالميا جديدا تتسع حلقاته يوما بعد يوم يدفع للمواجهة المباشرة مع الأصولية الرأسمالية وتطبيقاتها المحزنة والمخزية لمواجهة ما صنعته من فساد ضخم ومروع في ظل التحالف الوثيق بين السلطة والمال بغير حدود وبدون قيود؟
وراء الأحداث
بيروقراطية وزارة الصناعة تعرقل طموحات التنمية الصناعية
لابد أن يحتل تشجيع التنمية الصناعية مقدمة الأولويات التنموية في المرحلة الراهنة من خلال إجراءات واقية وعملية وبعيدا عن التصريحات الوردية التي يخالفها الواقع بشكل كامل وجاد‏,‏ وفي مقدمة الإجراءات اللازمة لتحفيز قطاع الأعمال علي إقامة المشروعات الصناعية مسارعة الدولة بتوفير الأراضي اللازمة للمشروعات‏,‏ خاصة في المناطق الصناعية بالمجتمعات العمرانية الجديدة‏,‏ وفي المدن الصناعية الجديدة‏,‏ وأن يتم توفير الأراضي بأسعار معقولة وملائمة‏,‏ وبتيسيرات في السداد‏,‏ والأهم من كل ذلك أن ترفع البيروقراطية يدها عن هذه المعاملات‏,‏ وتتوقف عن ابتداع قيود وشروط إضافية تفرغ التيسيرات من معناها وهدفها الرئيسي‏,‏ مما يتسبب في إعاقة التنمية الصناعية وتحميل المستثمرين بأعباء مصطنعة غير ضرورية وغير لازمة تؤثر في قدرتهم علي إتمام المشروعات بالسرعة المطلوبة‏.‏
ويكشف الباشا إدريس رئيس شعبة الحاصلات الزراعية ونائب رئيس شعبة المصدرين بالغرفة التجارية للقاهرة عن نموذج من نماذج تعطيل التنمية الصناعية وتعويقها بما يخالف السياسات التي يعلن عنها وزير الصناعة والتجارة وأحاديثة الدائمة عن تشجيع التنمية الصناعية بجميع الطرق والوسائل‏,‏ ويشير إلي أن توفير الأراضي في المدن الصناعية الجديدة يتم من حيث المبدأ بأسعار ملائمة‏,‏ ويتم سداد قيمة الأرض علي فترات زمنية معقولة‏,‏ وهو ما كان يشكل دائما تحفيزا للمستثمرين علي الإقبال علي إنشاء مشروعات صناعية وغيرها من المشروعات‏,‏ لكن بصورة فجائية ولأسباب غير منطقية تخص قلة قليلة من المقصرين أو المتلاعبين أعلنت الهيئة العامة للتنمية الصناعية من خلال قطاع تنمية المناطق الصناعية عن شروط إضافية ومستجدة تنسف جميع التيسيرات المرتبطة بتخصيص الأراضي للمشروعات وتتسبب في مضاعفة تكاليف تخصيص الأرض‏,‏ وبالتالي تعويق القرارات الاستثمارية‏,‏ وتعديل تكاليف دراسات الجدوي الاقتصادية للمشروع مما يضير جميع حسابات المشروع وتكاليفه ويعدل من تقديرات التمويل اللازمة ويتسبب في مضاعفتها إلي أكثر من ثلاثة أضعافها في بند تكلفة الأراضي فقط‏,‏ ويؤدي ذلك في النهاية إلي إرباك المستثمرين وتعثرهم في التنفيذ‏.‏
وتضمنت القيود المستحدثة والمعوقة للتنمية الصناعية بالمدن الصناعية الجديدة فرض شرط يربط بين صدور قرار تخصيص الأرض للمشروع وما يسمي ضمان إثبات جدية‏,‏ وهو مبلغ مالي لا علاقة له بثمن الأرض المقرر‏,‏ ويتم سداده إما نقدا أو بشيك مقبول الدفع‏,‏ أو بخطاب بنكي نهائي غير مشروط‏,‏ واللافت للنظر أن قيمة ضمان إثبات جدية الحجز تبلغ نحو ثلاثة أضعاف قيمة الأراضي الأصلية ووفقا للقواعد الجديدة‏,‏ فإن قيمة هذا الضمان تبلغ‏200‏ جنيه للمتر المربع في مدن السادات‏,‏ وبرج العرب‏,‏ وعتاقة بالسويس‏,‏ في حين أن سعر المتر الأصلي للأرض يبلغ‏70‏ جنيها عند سداده علي ثلاث سنوات‏,‏ ويصل إلي‏90‏ جنيها عند سداده خلال عشر سنوات‏,‏ منها ثلاث سنوات فترة سماح‏.‏
ولم تسلم المدن الصناعية الجديدة بصعيد مصر‏,‏ والتي تركز سياسة التنمية الصناعية بشكل مكثف علي تحفيزها وتشجيعها بحكم الاحتياجات التنموية الشديدة للصعيد‏,‏ وضرورات توفير فرص العمل العاجلة وواسعة النطاق حيث تضمنت تعليمات عباقرة البيروقراطية أن يفرض علي كل متر مربع للمشروعات في مدينة بني سويف الجديدة مدينة أسيوط الجديدة مدينة سوهاج الجديدة مائة جنيه مصري كضمان إثبات جدية الحجز‏,‏ وهو ما يفرغ جميع التيسيرات المعلن عنها في أسعار الأراضي من معناها ومفعولها‏,‏ وهو ما لابد أن يتسبب في تعويق التنمية وإبطاء معدلاتها‏,‏ أو دفع الحاجزين للتوقف عن مشروعاتهم والبحث عن طرق ملتوية وخلفية لاسترداد أموالهم بمختلف الحيل والوسائل المتعارف عليها‏.‏
‏***‏
لا يمكن الهروب من المسئولية عن تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي فيما يخص التنمية الصناعية‏,‏ ولا يمكن أن تتحول وزارة الصناعة والتجارة إلي معوق رئيسي للتنفيذ عن طريق قرارات بيروقراطية عقيمة تضيف أعباء وتكاليف غير مبررة للمشروعات الصناعية وتقلب حسابات وتقديرات الجدوي الاقتصادية رأسا علي عقب في غياب شبه كامل للوزير المختص عن تتبع ما يتم داخل وزارته من أخطاء وخطايا؟‏!‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.