تحقيق - محمد جاد - أميمة مجدي: سيناريوهات كارثية.. هذا باختصار ما أكد عليه تقرير التنمية البشرية الدولي لعام 2007/2008 الصادر عن الأممالمتحدة. هذه السيناريوهات هي النتيجة الطبيعية لتغير المناخ كرد فعل طبيعي لظاهرة الاحتباس الحراري وفق هذه المعطيات فإن مصر لن تصبح بعيدة عن هذه الكوارث. حول مستقبل ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها القادم لا محالة.. كانت صرخات التحذير التي يطلقها "الأسبوعي". بدأت الانظار الدولية تلتفت إلي ظاهرة الاحتباس الحراري مع صدور تقرير بالأممالمتحدة في عام 1990 أكد وقتها علي ان غازات الاحتباس الحراري ساهمت في صنع طبقة تمنع خروج الحرارة من كوكب الأرض وتتسبب في ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع معدلات اذابة القطبين الشمالي والجنوبي وهو ما رفع من منسوب المياه وتسعي الدول لمواجهة هذا التحدي من خلال اتفاقية كيوتو التي تهدف الي مكافحة التغير المناخي بالتعاون الدولي في خفض انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع درجة الحرارة.. إلا أن تقرير برنامج الأممالمتحدة الانمائي الذي صدر الأسبوع الماضي تحت عنوان "مكافحة التغير المناخي" تحدث عن ان القارة الافريقية معرضة لكوارث عدة بسبب التغير المناخي ذاكرا ان زيادة درجة الحرارة في شمال افريقيا درجة مئوية قد يقلل المياه بنسبة 10% بحلول عام 2020. وذكر التقرير مصر علي وجه التحديد مؤكدا علي انه بالنسبة للوجه البحري في مصر فارتفاع منسوب المياه مترا واحدا سيؤدي إلي غرق 500.4 كم2 من الأراضي الزراعية وتهجير حوالي 6 ملايين فرد. أوصي التقرير بتوسيع شبكة المراقبة حتي يستطيع المزارعون التنبؤ المبكر اقتداء بالنظام المطبق في نيوزلندا والتي اسست من خلاله موقع مراقبة مناخية لكل 716كم2. كما يوصي بزيادة الاستثمار في تخزين المياه والاستفادة من الفاقد من الامطار وتحسين برامج الضمانات الاجتماعية لحماية الفلاحين وفقراء المناطق العشوائية من أضرار تغيرات المناخ بالإضافة إلي الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر كالجهاز الذي قدمته موزمبيق خلال عام 2000 للإنذار بقدوم الفيضان. كما تزامن مع صدور هذا التقرير "التقرير التوليفي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" الصادر عن الأممالمتحدة أيضا والذي أشار إلي أن مستويات نزول الأمطار تناقصت بشكل ملحوظ علي مدي القرن الماضي وحتي 2005 في منطقة الساحل الشمالي الإفريقي لافتا إلي أن تغير المناخ سيكون له تأثيرات كبري علي مناطق الدلتا، كما أشار إلي أن هناك تقديرات بارتفاع معدل الحرارة 2.0 درجة كل 10 سنوات خلال العشرين السنة القادمة وانه حتي في ظل الحفاظ علي معدل انبعاثات عام 2000 فإنه من المنتظر أن ترتفع الحرارة 1.0 درجة كل 10 سنوات. معدل افتراضي في البداية يوضح د. سيد صبري رئيس وحدة التغيرات المناخية في جهاز شئون البيئة أن معدل الارتفاع في منسوب المياه الذي ذكره تقرير التنمية البشرية هو معدل افتراضي كسيناريو سيئ لتطورات المناخ في العالم فالواقع أن تغير المناخ يتسبب في ارتفاع مستمر في البحار والمحيطات يقدر ب 8.1 مليمتر كل 10 سنوات. إلا أن المهندسة داليا صقر الاستشارية بإحدي الشركات العاملة في مجال تطوير مشروعات التنمية النظيفة تعتبر أن مصر لا تعطي الاهتمام الكافي لتفادي مخاطر تطورات التغير المناخي المستقبلية حيث إن الدراسات العلمية تشير إلي أن المناطق الساحلية والدلتا من أكثر المناطق المعرضة للغرق بسبب ارتفاع مستوي البحر وأنه من الممكن أن تقوم مصر بإنشاء مصدات لحماية الشواطئ والمدن الساحلية من هذه المخاطر المحتملة بالإضافة إلي ضرورة القيام بمجهودات أكبر للتكيف مع التطورات المناخية التي قد تجعل التربة أكثر جفافا وملوحة مما يتطلب مواجهتها بالتعديل الجيني للمحاصيل الزراعية بما يجعلها تتحمل الجفاف والملوحة. وتوضح داليا أن هناك جهودا عالمية لمكافحة التغير المناخي من خلال اتفاقية كيوتو التي يبدأ الالتزام بها من عام 2008 إلي 2012 من خلال تبني مشروعات لتخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والتحول من استخدام وقود الفحم إلي وقود الغاز الطبيعي والوقود الحيوي المصنع من المخلفات الزراعية، وكذلك معالجة مدافن القمامة التي تصدر غاز الميثان باستخدام تكنولوجيا توجه هذا الغاز إلي انتاج الكهرباء بدلا من رفع درجة حرارة الأرض. إلا انها تلفت إلي أن هناك مخاطر عدة تهدد بتعرض الأرض لمشكلات التغير المناخي أبرزها عدم توقيع الولاياتالمتحدة حتي الآن علي اتفاق كيوتو وهي المسئولة عن ثلث غازات الاحتباس الحراري في العالم. علاوة علي عدم اهتمام مصر بتنشيط استثمارات الكربون والتي تفوقت علينا فيها دول جنوب شرق آسيا ودول في العالم العربي مثل المغرب وتونس وهي الاستثمارات التي تساهم في تخفيف تأثير التغيرات المناخية في المستقبل، حيث توضح أن العديد من المصانع في الدول التي ليس عليها التزامات في اتفاقية كيوتو بتقليل انبعاثات الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري تقوم بتقليل انبعاثات مصانعها وتحصل علي شهادة معتمدة من الأممالمتحدة ثم تقوم ببيعها في بورصة دولية متخصصة في ذلك وتشتري مصانع الدول الملزمة بتخفيض انبعاثاتها نسب من التخفيضات الموجودة في هذه الشهادة، وهو المجال الذي لم تدخل فيه في مصر سوي 3 مشروعات فقط علي الرغم من مساهمته في تحسين جودة المنتجات الصناعية بسبب خفض حرارة التصنيع وكذلك توفير استهلاك الوقود. مخاطر مناخية ويختلف د. صلاح الحجار استاذ البيئة والطاقة في الجامعة الأمريكية مع الرأي السابق حيث يشير إلي أن فكرة انشاء سد للحماية مشروع يتطلب تكلفة ضخمة ولم تقم الدول المتقدمة المعرضة لنفس المخاطر مثل مصر بتنفيذه ضاربا علي ذلك مثالا بهولندا والتي يؤدي ارتفاع مستوي المياه فيها 20سم إلي اغراق البلد وعلي الرغم من توافر الموارد المالية لديها لإنشاء سد علي سواحلها إلا انها لم تقم بذلك. ويشير إلي أن هناك مخاطر مناخية لا نستطيع أن نقاومها بالسدود كتأثير درجة الحرارة العالية علي رفع معدلات البحر وهو ما سيقلل من مياه النيل. ويعتبر الحجار أن مواجهة المخاطر المناخية يجب أن تقوم علي دعم جهود خفض الانبعاثات من خلال دعم الجهود الدولية بإدخال الصين والولاياتالمتحدة في اتفاقية كيوتو واللتين تمثلان 50% من هذه الانبعاثات في العالم كذلك بالتوسع في المشروعات التي تقلل من هذه الانبعاثات وتنمية التعاون الدولي بين العالم النامي والمتقدم لدعم العالم النامي فنيا في إنشاء هذه المشروعات. كما ينبه إلي أن مصر تفتقد حتي الآن للنماذج الرياضية التي تقيس مدي تأثير ارتفاع منسوب المياه في المستقبل علي الاقتصاد القومي. ذوبان الجليد يوضح دكتور محمد بيومي اخصائي البيئة ببرنامج الأممالمتحدة الإنمائي أنه بالنسبة للتغيرات المناخية في مصر فأهم تغير تعمل عليه الدولة منذ سنوات من خلال وزارة الموارد المائية والري هو المخاطر التي تهدد حصة مصر من فيضان نهر النيل نتيجة زيادة أو نقصان الفيضان لذلك تحاول الدولة أن تضع تصورات مستقبلية لهذه المخاطر وآثارها علي النشاط الاقتصادي المرتبط بالنيل والذي يعتمد عليه أغلب المزارعين. ويشير بيومي إلي أن الحديث عن التغير ات المناخية في تقرير التنمية البشرية هدفه لفت النظر لمجموعة من الحقائق وهي أن جليد القطب الشمالي يذوب وبالتالي هناك دورة هيدروليجية جديدة ستؤدي إلي ازدياد منسوب المياه في المحيطات والبحار وهو ما قد يحدث خللا في الامطار التي تسقط ويزداد الجفاف في أماكن وفي أماكن أخري تزداد الفيضانات موضحا أن ما يطرحه التقرير والعلماء هو مجموعة من النظريات المستقبلية لتحديد أماكن ارتفاع منسوب المياه حتي تلتفت الدول لتتخذ إجراءات للتكيف والتأقلم لمواجهة الاخطار التي يمكن أن تنجم عن تلك التغيرات ومن أهم أدوات التكيف المراقبة العلمية لتحديد نوع التغير إذا كان موسميا أم لا وما يمكن أن تحافظ عليه الدولة وما يمكن أن تتنازل عنه الدولة للبحر.