كان إعلان الحكومة عن وجود مخزون من القمح يكفي لمدة 75 يوما فقط كفيلا بإثارة القلق والارتباك ليس في الأوساط الاقتصادية فحسب وإنما لدي الرأي العام المصري كله وهو ما يعيدنا مجددا إلي التساؤل عن امكانية تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من القمح حيث إنها تحتل الآن المرتبة الثانية في قائمة الدول المستوردة له لأن حجم الاستهلاك يتراوح بين 12 و14 مليون طن سنويا بينما لا يزيد الإنتاج علي 6 ملايين طن سنويا. وبحث أزمة القمح في مصر يقودنا إلي التطرق للسياسات الداخلية والخارجية التي تحيط بالمشكلة وهو ما أكده الخبراء الذين استطلعت "العالم اليوم" آراءهم. يؤكد الدكتور عبد السلام جمعة "رئيس مركز بحوث القمح سابقا والملقب بأبو القمح" علي أن أزمة القمح التي نتحدث عنها كثيرا ليست من الأزمات المخيفة حيث يمكن التعامل معها والتصدي لها ومواجهتها من خلال استراتيجيات واضحة ومحددة البرامج إضافة إلي التزام الجميع بالوطنية والأمانة في التعامل بداية من المواطن وسوء استخدامه لرغيف الخبز المدعم مرورا بالتجار عند تعاملهم مع سوق القمح المحلي أو عمليات الاستيراد وصولا للحكومة ودعمها للفلاح وضرورة توفير الأسمدة اللازمة لعمليات الزراعة ويكفي أن نعلم أن احتياجاتنا من القمح تقدر بنحو 12 مليون طن ننتج منها 6 ملايين طن فقط بينما نستهلك من القمح ما يتراوح بين 13 و14 مليون طن سنويا أي أن هناك نحو 2 طن فاقد، ومن خلال الاستراتيجية التي تضعها الدولة لزيادة إنتاج القمح المحلي وسد العجز من خلال الاستيراد فقد تم رفع سعر توريد القمح للفلاح ليرتفع من 220 إلي 240 بما يشجع المزارع علي زيادة مساحة المزروع من محصول القمح حيث كان السعر في العام الماضي 170 جنيها فقط للأردب وعلي الرغم من أن سعر القمح المحلي أقل من السعر العالمي إلا أن ذلك يعد حافزا للفلاح حتي يجتهد ويزيد من إنتاجيته، وبحسبة بسيطة نجد اننا نستطيع أن نصل بإنتاجنا من القمح سنويا إلي 9 ملايين طن بما يعني اننا سنستورد ما يقارب 3 ملايين طن فقط وهذا ما اتوقعه هذا العام في ظل زيادة سعر توريد القمح. الاكتفاء الذاتي ويشير أبو القمح إلي استراتيجية الدولة لمواجهة أزمة القمح والتي تعتمد علي التوسع في زراعة القمح في الأراضي الجديدة التي وصلت مساحتها إلي 300 ألف فدان بينما مساحة القمح في الأراضي القديمة تصل لنحو 5.2 مليون فدان مع الأخذ في الاعتبار أن أقصي توسع لزراعة القمح في الأراضي القديمة لن يتجاوز 3 ملايين فدان.. والحديث عن الاكتفاء الذاتي من القمح أمر صعب تحقيقه حيث إن جملة الأراضي الزراعية في مصر حاليا تصل إلي 2.8 مليون فدان والاكتفاء الذاتي يتطلب زراعة مساحة لا تقل عن 5.4 مليون فدان بالقمح وهذا أمر صعب، وهنا لابد أن أشير إلي نقطة مهمة تتعلق بضرورة التعامل مع مجموعة الحبوب القمح والذرة والأرز بتكامل فزيادة المساحة المزروعة في محصول ستؤثر بلا شك علي المحصول الآخر، فالأرض تتم زراعتها مرتين سنويا أي اننا نتعامل مع 15 مليون فدان مساحة محصولية ففي الشتاء تكون المنافسة محدودة بين البرسيم والقمح وكلاهما محصولان مهمان لاقتصاديات الزراعة في مصر وتصل مساحة كل منهما في المتوسط إلي 5.2 مليون فدان ويتبقي لتكملة المحاصيل الشتوية مساحة تقل عن مليون فدان يتم فيها زراعة المحاصيل الشتوية الأخري مثل الفول البلدي والكتان وغيرهما. أما بالنسبة للمحاصيل الصيفية فتأتي المنافسة لمصلحة الأرز والذرة وقد وصلت مساحة الأرز إلي ما يقرب من 2 مليون فدان في حين تناقصت مساحة الذرة إلي 2.1 مليون فدان. ويوضح د. عبد السلام جمعة أن زيادة مساحة الأراضي المزروعة بالقمح ترتبط بتوفير المياه وخطط الدولة في الاستصلاح وهنا من الضروري إحداث تكامل بين محاصيل الحبوب إلي جانب التوسع في زراعة القمح بالأراضي الجديدة، لذا لابد من تقليل مساحة المزروع من الأرز لتوفير المياه بحيث لا تزيد علي 1.1 مليون فدان بما يسمح بزراعة 3 إلي 4 ملايين فدان ذرة بنوعيها الرفيعة والبيضاء بما ينتج نحو 12 و16 مليون طن وسيؤدي ذلك إلي استغناء مصر عن استيراد نحو 5 ملايين طن ذرة صفراء، كما توفر 4 ملايين طن ذرة بيضاء لاستخدامها بالخلط مع القمح لإنتاج الخبز البلدي، فضلا عن استخدام 3 ملايين طن باقية من الذرة البيضاء في صناعة رغيف الخبز من الذرة بالكامل كما هو معمول به في بعض دول العالم، والباقي من الذرة يستخدم كعلف وبذلك نوفر نسبة اكتفاء ذاتي من القمح تصل إلي 80%.