حرائق روسيا التي اندلعت الشهر الماضي والتهمت آلاف الهكتارات من الغابات ومزارع القمح أحدثت ردود فعل واسعة النطاق علي المستوي الدولي وعلي مصر بوجه الخصوص حيث تعتبر روسيا من أهم الدول المنتجة للقمح والمصدرة له كما أن مصر تستورد من روسيا ما بين 2 إلي 4ملايين طن قمح سنويا وهو ما يمثل 60 في المائة من إجمالي وارداتها من القمح الذي يبلغ حوالي 6ملايين طن. ولأن هذه الحرائق قد أحدثت صدمة كبيرة ليس فقط للشعب والحكومة الروسية ولكن أيضا لنا حكومة وشعبا بل وللعديد من دول العالم التي لها علاقة بإنتاج واستهلاك القمح باعتباره سلعة استراتيجية عالمية فقد انبري العديد من كبار المسئولين وفي مقدمتهم رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة ود.علي مصيلحي وزير التضامن الاجتماعي لتحليل مدي تأثير هذه الكارثة السلبي علي مصر استراتيجيا وأمنيا وغذائيا واقتصاديا محاولين طمأنة الناس علي مستقبل رغيف خبزهم اليومي الذي يعد أهم عناصر الغذاء في مصر للأغنياء والفقراء علي حد سواء حيث تعتبر مصر من أهم الدول المستهلكة للقمح في العالم إذ يصل معدل استهلاك المواطن المصري من حيث السلعة الاستراتيجية 140 كيلوجراما سنويا في حين أن استهلاك الفرد علي مستوي العالم 90كيلوجراما فقط. صحيح أنهم قد توصلوا.. كما أعلنوا.. إلي اتفاق مع الجانب الروسي لجدولة توريد كميات القمح لمصر التي كان متفقا عليها قبل قرار الحكومة الروسية وقف صادراتها من الحبوب وخاصة القمح وأنهم أي الوزراء المختصون في حكومتنا قد عقدوا اتفاقا مع دول أخري مثل فرنسا لتعويض كميات القمح التي كان من المفترض وصولها من روسيا وتأكيدهم أن مخزون القمح في مصر في أمان وأن لدينا مخزونا يكفي لمدة أربعة أشهر قادمة وأنه بالرغم من أن مصر تعد سادس دولة مستوردة للقمح في العالم إلا أنها تسعي دائما إلي تعدد مصادر حصولها علي القمح من دول عديدة منتجة للقمح ولا تعتمد علي دولة واحدة وحتي تتفادي تقلبات ارتفاع الأسعار عالميا والتي وصلت إلي أعلي مستوي لها في عامين بنسبة 90 في المائة حيث كانت تبلغ 160 دولارا للطن ثم ارتفعت إلي 280 دولارا للطن الأسبوع الماضي وذلك بالرغم من تأكيدات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجود مخزون عال من القمح يحول دون حدوث أزمة مثل 2008 التي فجرت موجة من القلق في شتي أنحاء العالم. سلة خبز الدولة الرومانية حقيقي أن حرائق روسيا تعد كارثة بيئية خطيرة خاصة أنها وصلت علي بعد سبعة هكتارات فقط من المفاعل النووي شرق موسكو.. ولكنها تعد أيضا وبالدرجة الأولي كارثة اقتصادية لروسيا التي تعد من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للقمح وبالنسبة لنا أيضا باعتبار أن مصر سادس دولة مستوردة للقمح.. وهنا لابد أن نتساءل بل ونسائل كيف وصلنا إلي هذا الحال بعد أن كنا وكما يقول المؤرخون إن مصر كانت »سلة خبز الدولة الرومانية« وبعد أن أصبحنا من أكثر الدول المستهلكة للقمح والذي أصبح سلعة استراتيجية علي أعلي مستوي لنا ولمختلف الدول. وفي ضوء هذه المعطيات كلها وغيرها فقد أصبح علينا جميعا مسئولين وعلماء وخبراء أن نعكف علي دراسة هذه المشكلة من جميع جوانبها ونعمل ليس لكي تصبح مصر مرة أخري »سلة خبز الدولة الرومانية« وإنما لكي نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح علي الأقل وهنا أود أن أوجه كل الشكر والتقدير لمركز البحوث الزراعية وعلمائه الأجلاء وفي مقدمتهم د.عبدالسلام جمعة »الملقب بأبوالقمح« علي جهودهم المتواصلة وأبحاثهم العلمية وتجاربهم الحقلية الناجحة علي مدي الثلاثين عاما الماضية والتي أدت إلي مضاعفة إنتاجية الفدان عدة مرات لتصبح 29 أردبا للفدان مقابل 7 أرادب في السابق وذلك من خلال استنباط سلالات جيدة من القمح تعطي غلة أعلي ولديها قدرة علي مقاومة الأمراض والتي كان آخرها المشروع الهام الذي قام به المركز بالتعاون مع هيئة المعونة الأمريكية لإنتاج صنف جديد من القمح القادر علي مقاومة مرض صدأ القمح ومساعدة باكستان علي التوسع في إنتاجه. مركز بحوث الصحراء: عندما كانت مصر سلة خبز الدولة الرومانية.. كانت معظم الأقماح تزرع علي امتداد الساحل الشمالي معتمدة علي الأمطار ولعل المسافرين إلي الساحل الشمالي للاصطياف يلاحظون. انتشار الحشائش والكلأ علي امتداد مئات الآلاف من الأفدنة علي جانبي طريق العلمين والتي تنمو علي الأمطار ورطوبة الجو. لقد أضعنا عشرات السنين دون فائدة تذكر مع الدول التي أدارت الحرب والمعارك مخربة أرض الساحل الشمالي مطالبين إياها بتحمل مسئولية زرع الألغام وضرورة العمل علي إزالتها.. ولقد حان الوقت لكي تقوم بعمل إيجابي في هذا الصدد حتي لو تحملنا مسئولية وتكاليف إزالة الألغام لأن العائد المائد علينا سيكون أكبر كثيرا بعد زراعة هذه المساحات الشاسعة بالقمح والمحاصيل الأخري التي تجود زراعتها في الصحراء ولكي تنتهي المقولة القوية »صحراء جرداء لا نبات فيها ولا حياة« إلي الأبد. أين دور معهد بحوث الصحراء.. وأين بحوثه المعملية ودراساته الميدانية لماذا لا يتم نشرها وتوعية الناس بها وخاصة العاملين المهتمين بالقطاع الزراعي وتنمية الصحاري وذلك من خلال أجهزة الإعلام المختلفة.. وأود هنا أن أشير إلي توجيهات الرئيس حسني مبارك الحاسمة للمسئولين خلال الاحتفال بافتتاح »محور صفط اللبن« يوم السبت الماضي بضرورة التوسع في إنشاء محطات »تحلية مياه البحر« حتي يمكن تزويد المجتمعات الجديدة في مناطق الساحل الشمالي والبحر الأحمر باحتياجاتها من المياه الحلوة اللازمة للزراعة ولتلبية احتياجات سكان هذه المناطق والعاملين فيها. إن تحلية مياه البحر لابد أن يكون لها أهمية قصوي لدينا خلال المرحلة القادمة وأن تضع لها الدولة استراتيجية بعيدة المدي لتحقيق الأمن المائي وخاصة بعد المشكلة التي واجهناها منذ عدة أشهر مع دول المنبع. أشار الرئيس مبارك أيضا إلي أنه كانت هناك خطة للدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتساءل ونحن نتساءل أيضا أين هذه الخطة ولماذا لم تنفذ؟ وبالطبع انطلقت تبريرات كثيرة من كبار المسئولين حول أسباب عدم تنفيذ هذه الخطة وفي مقدمتها الزيادة السكانية المطردة.. غير أن هناك فرقا بين الزيادة السكانية وزيادة الإنتاج ورفع معدلات الإنتاجية سواء بالنسبة للقمح أو المحاصيل الأخري ولن يتحقق ذلك إلا بالاهتمام بالقطاع الزراعي وتحديثه ودعم المزارع المصري ورفع مستواه المادي والفكري ومده بمستلزمات الإنتاج في مواعيدها وبأسعار مدعمة واستلام محاصيله بأسعار مشجعة تدفعه إلي الإقبال وبحماس علي العملية الزراعية ومضاعفة الإنتاج.