يبدو أن أزمة مياه الشرب في مصر تشتد يوما بعد يوم وتزداد اتساعا في ظل زيادة سكانية مطردة وعجز موارد الحكومة علي الوفاء بمتطلبات هذه الزيادة. فعلي الرغم من الاعتمادات السنوية التي تخصصها الحكومة بإصلاح قطاع مياه الشرب وآخرها 3.5 مليار جنيه إلا أن الحقيقة أن هناك مئات القري مازالت تري النيل ولا تتذوق مياهه.. فمازالت تلك القري تعاني من العطش الشديد علي مستوي الناس أو الزراعة. فلم تكن أزمة قري دبقة وأبي صير والتي ناقشها "الاسبوعي" من قبل هي الوحيدة في سلسلة الأزمات فهناك مئات القري المتناثرة في مصر لاسيما الدلتا تعاني من شبح الظمأ. وتنحصر مشكلات المياه في مصر مابين التلوث واختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب أو عدم وجود امدادات للمياه أصلا. وتتصدر القائمة السوداء في الدلتا بعض قري دمياط والدقهلية والتي تعيش منذ قرابة 15 سنة علي مياه "الجراكن"!! مما اضطر أهالي بعض هذه القري خاصة عزبتي البط وعيسي إلي اللجوء إلي مياه الترع والمصارف للاستحمام وغسيل الملابس الأمر الذي أدي إلي انتشار أمراض الفشل الكلوي والبلهارسيا في هذه المناطق لتزداد بذلك أوجاع المصريين. الخبراء من جانبهم اعتبروا عدم وضع حلول جذرية لمشكلة نقص وانقطاع مياه الشرب خطرا كبيرا وتوقعوا زحف العطش علي مزيد من القري والمدن في ظل تهالك مواسير وشبكات المياه والري القديمة من ناحية وعدم قدرة الحكومة علي اصلاحها والتوسع في مزيد من شبكات امداد المياه في ظل ضعف امكانياتها من ناحية أخري. وتوقع بعض خبراء الري أن تكون ذروة الأزمة عام 2015 خصوصا وسط توقعات بأن تواجه مصر عموما عوزا حقيقيا للمياه مع حلول ذلك العام. "الأسبوعي" من جانبه طرح هذه الهموم علي خبراء في المياه والاقتصاد لاستطلاع آرائهم حول أهم الحلول المطروحة لتجاوز المحنة الحالية، وهل مشاركة القطاع الخاص للعام في هذا الإطار يضع حلا لمشكلات مياه الشرب؟ الخبراء من جانبهم رحبوا بمشاركة القطاع الخاص للعام في تحسين خدمات المياه المقدمة للمدن والقري وعلي الرغم من ذلك فقد اعتبروا أن ذلك مرهون باستراتيجية يجب علي الحكومة أن تمضي قدما في تنفيذها قبل البدء في بحث مشاركة القطاع الخاص للعام يأتي في صدارتها وضع خارطة للمناطق المحرومة من المياه وهل المناطق التي تستقبل المياه تسدد ما عليها من خدمة في مقابل حصولها علي المياه حيث إن كثيراً منها يستخدم المياه ولايعرف مايسمي بعداد المياه، أي الحصول علي المياه مجانا أو بالتحايل. فروق متباينة من جانبها تري د. منال المتولي استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني أنه لايوجد أي مانع من مشاركة القطاع الخاص للعام في اصلاح قطاع المياه وتحسين الخدمات المقدمة للبلاد والمواطنين إلا أن هناك اسئلة تطرح نفسها هي: هل القطاع الخاص مستعد لذلك بالفعل؟ وكيف ستكون تكلفة الخدمة المقدمة للمواطن؟ وهل جميع المواطنين يتحملون تكاليف حصولهم علي المياه؟ اضافت أن مشكلة قطاع المياه في مصر أنه لاتوجد خارطة حقيقية لمشكلات المياه فكثير من المناطق المحرومة تظهر لنا فجأة وبمحض الصدفة، ولا تعرف أن هناك مشكلة إلا إذا عبر السكان عن غضبهم. وأوضحت د. منال المتولي أن المناطق المحرومة من مياه الشرب متباينة فيما بينها في مدي تأخر خدمات المياه فهناك مناطق ليس لديها امدادات شبكات للمياه أصلا وهناك مدن تعاني من تهالكها وثالثة تشكو من وجود شبكات للمياه ولكن في انتظار موافقة هيئات معينة مثل الآثار في المناطق الأثرية وهكذا وبالتالي فإنه لابد من حصر هذه المناطق وأن تقوم الحكومة بحل المشكلات البسيطة ومن ثم توفير الوقت والجهد للمناطق المحرومة بالكامل حتي يتمكن القطاع الخاص من أداء دور أفضل وبأي الطرق التي سيتم اختيارها سواء عن طريق مشروعات B.O.T أو B.O.O.T. فوائد للطرفين ومن جانبه أكد د. ايهاب الدسوقي استاذ الاقتصاد المساعد بأكاديمية السادات أن تفعيل نظام حق الانتفاع B.O.T هو من أفضل الطرق التي ستقضي علي مشكلات مياه الشرب حيث إن القطاع الخاص سيساهم في انشاء وإدارة مشروعات المياه لمدة معينة من 20 25 سنة علي أن تعود ملكية المشروعات بعد ذلك للدولة بعد انتهاء المدة المقررة. اضاف الدسوقي أن هذا النظام سيعود بالنفع علي القطاعين العام والخاص لأن الأخير سيحقق أرباحا جيدة خاصة أن مرفق المياه يدخل ضمن المرافق العامة الاحتكارية للحكومة والمضمونةالمكاسب، أما القطاع العام فسوف يقلل العبء الذي يحمله علي كاهله وستتحسن الخدمات المقدمة للمواطنين. وحول التكاليف التي ستصل بها الخدمة إلي المواطنين، أوضح الدسوقي أنه لا توجد مخاوف من ارتفاع اسعار المياه لأن هذا الأمر من المفترض أنه سيخضع لضوابط رشيدة بين القطاعين الحكومي والخاص وسيكون هناك سقف سعري لاينبغي تجاوزه. وأشار إلي أنه ليس من المنطق أن تكون هناك حلول رشيدة ومنطقية ولايتم تفعيلها في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة المياه، ويعاني الكثير من المواطنين من العطش. مناقصات عالمية أما د. مني المصري استاذ التجارة الدولية بجامعة القاهرة فتري أن الوقت قد حان بالفعل لدخول القطاع الخاص مرفق المياه لأن المشكلة تزداد.. فليس من المعقول أن تكون هناك حلول جيدة مطروحة في الوقت الذي نتشبث بالخطط الحكومية والتي لم تؤد إلي المستهدف منها بأي شكل من الأشكال، ولاسيما في انقطاع المياه المستمر. اضافت د. مني أن خمسة خليجيين أثرياء تبرعوا بالمياه لقري مصرية تعيش في عزلة ولا تصلها المياه الصالحة للشرب منذ عدة سنوات في صورة أشبه "بحصار الحروب". واوضحت أن الحل الأمثل هو تطبيق مشروعات B.O.T لأنها الاصلح في قطاع احتكاري من المفترض أن يكون مملوكاً للدولة هو مياه الشرب لأن القطاع الخاص سوف يعيد المشروع للحكومة بعد انقضاء مدة حق الانتفاع. واشارت د.مني المصري إلي أن الحل في طرح مشروعات المحطات في مناقصات عالمية بنظام المظاريف المغلقة علي غرار مشروعات مدينة القاهرةالجديدة وأكتوبر المزمع البدء فيها قريبا ويتولي القطاع الخاص تنفيذ انشاء تلك المحطات.