جاء مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2007/2008 بعدد من المبادئ تمثل الركائز التي تحقق الأهداف الرئيسية للدولة خلال هذا العام وباستعراض هذه المبادئ نجدها رعاية محدودي الدخل والحفاظ علي البعد الاجتماعي حيث تم له رصد 136 مليار جنيه بما يشكل 56.3% من إجمالي المصروفات العامة بالموازنة والبالغة 241.6 مليار جنيه في حين يتمثل المبدأ الثاني في تشجيع الاستثمار وتعظيم دور القطاع الخاص من أجل تحقيق معدل نمو حقيق يبلغ 7.5% مع التركيز علي دور القطاع الخاص في تنفيذ الاستثمارات العامة بالاضافة إلي الشراكة بين القطاعين العام والخاص في توفير الخدمات. أما المبدأ الثالث فهو زيادة الايرادات والمصروفات العامة من خلال الاصلاحات الهيكلية للموازنة باستكمال منظومة القوانين المالية والضريبية بالاضافة إلي ترشيد وضبط الانفاق وأخيرا مبدأ السيطرة علي عجز الموازنة والدين العام من خلال تخفيضها كنسب من الناتج المحلي الاجمالي وذلك من خلال تنفيذ برنامج لتخفيض نسبة العجز بالموازنة ليصل إلي الحدود الآمنة وفقا للمعايير لدولية وهي ما بين 3% و4% خلال السنوات الاربع القادمة وفقا لخطة تدريجية تؤدي إلي خفض نسبة العجز سنويا بنحو 1% علي خمس سنوات. أما خفض الدين العام فسوف يكون من خلال تطبيق نظام حساب الخزانة الموحد والبحث عن مصادر التمويل قليلة التكلفة والابتعاد عن المصادر عالية التكلفة بما في ذلك تمويل الاستثمارات وربط التمويل الخارجي بحزمة متكاملة من المنح والقروض الميسرة وغيرها من خلال المؤسسات المالية العالمية التي تتعامل معها مصر. هذه المباديء مجتمعة هدفها تحسين الأجور وخفض العجز وترشيد الدعم وبالتالي فإن وزارة المالية أطلقت عليها موازنة التحديات هذا من وجهة نظرها وكذلك الحكومة.. فما رأي لخبراء في مبادئ تلك الموازنة وهل سوف تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها؟ التنفيذ صعب الدكتور محمود عبدالحي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي يلفت الانتباه إلي أهمية المبادئ التي قامت عليها الموازنة مؤكدا صعوبة تنفيذ الاهداف الموضوعة ضاربا مثلا بتضخم قيمة الدعم خاصة دعم الطاقة والذي يذهب للأغنياء بدلا من الفقراء.. فبدلا من احتساب قيمة برميل البترول ب20 دولاراً علي سبيل المثال يتم احتساب فرق القيمة عن بيعه بالسعر العالمي أيا كان وبالتالي فإن الدولة تحسب هذه الفروق في السعر كقيمة دعم فيما يسمي بنفقة الفرص البديلة وبالتالي فإن الجانب الأعظم من هذا الدعم محسوبا للطاقة وليس لدعم التعليم أو الصحة. هذا بخلاف والكلام لعبدالحي أن الجزء الأكبر المتبقي من الدعم بعد دعم الطاقة يذهب لدعم رغيف الخبز وهو دعم مهدر إذا ما قورن بالحالة السيئة التي يكون عليها هذا الخبز. طالب د.عبدالحي بزيادة مخصصات الصحة والرعاية الصحية منتقدا تخصيص 2 مليار جنيه فقط للانفاق علي هذا القطاع الحيوي في ظل الوضع المتردي وانتشار الأمراض التي ظهرت مؤخرا مثل انفلونزا الطيور أو الحصبة والدرن مما يتطلب زيادة النفقات في هذا القطاع خاصة علي الرقابة. زيادة الاستثمارات أما الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات يعتبر التركيز علي القطاع الخاص تأخر كثيرا فضلا أن زيادة الاستثمارات العامة وتوجيه جزء منها للقطاع العام بدلا من دعم القطاع الخاص في تنفيذها وتوفير التمويل له، ويرجع ذلك إلي أن الحكومة مضطرة لزيادة تلك الاستثمارات لأنها مرتبطة بتنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك وبالتالي لابد من توفير الاستثمارات للبنية الاساسية مؤكدا أن الاجور لم تشهد زيادة بشكل ملموس وإنما هذه الزيادة ناتجة من زيادة الاسعار وقد تكون الزيادة فيما يتعلق بالكادر الخاص للمعلمين والاطباء وغيرهم. ويؤكد عبدالعظيم السعي إلي أن خفض الدين العام مهمة صعبة حين تضمن مشروع الموازنة أن انخفاض نسبة الدين المحلي إلي الناتج المحلي من 90% إلي 79% مشيرا إلي أن ذلك يرجع إلي التخلص من ديون الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بعد دمجها في وزارة المالية وبالتالي فإن الانخفاض في حجم الدين ليس حقيقيا فضلا عن الاختلاف في طريقة التسوية في حساب الدين العام حيث يزيد حجم هذا الدين وخاصة المحلي إلي أكثر من 350 مليار جنيه بينما يصل حجم الدين الخارجي ل26 مليار دولار. ويري عبدالعظيم أن زيادة حجم الموازنة وزيادة أرقام بنودها لا يعني نموا حقيقيا ربما يرجع إلي التضخم في الاسعار خاصة أن معدل التضخم يشهد حالة من الجدل بين رئيس الحكومة ووزير المالية. محاولات فاشلة وتشير د.هناء خير الدين أستاذ الاقتصاد والمدير التنفيذي للمركز المصري إلي أن كل المحاولات السابقة لعلاج عجز الموازنة العامة للدولة باءت بالفشل نتيجة لاعتبار أن كل مصروفات الدولة حتمية ولا يمكن الاقتراب منها بالتخفيض حتي أصبح بند الأجور والمرتبات يمثل 24% من المصروفات والدعم 27% في حين أن فوائد الدين بلغت 23%. تضيف خير الدين أن استمرار هذه "الحتميات" دون محاولات اصلاحها يكلف الدولة ثمنا باهظا يحتاج إجراءات وقرارات جريئة للسيطرة علي العجز والأهم هو اعادة النظر في أسلوب توزيع الدعم واصلاح هيكل الأجور واستحداث نظام جديد للتأمينات والمعاشات حيث حيث قطعت وزارة المالية شوطا كبيرا في ذلك. الدكتور سعيد عبدالمنعم وكيل تجارة عين شمس يري أن السيطرة علي عجز الموازنة وتخفيضه يؤدي إلي تراجع الدين العام وعدم اللجوء إلي الاستدانة لتغطية هذا العجز خاصة أن العلاقة بينهما طردية موضحا أنه يمكن السيطرة علي العجز من خلال تعظيم الايرادات وخفض أو ترشيد النفقات الحكومية من سيارات ومؤتمرات ولجان وإعلانات التهنئة والتعازي وغيرها بالاضافة إلي اعادة تنظيم المجتمع الضريبي والحد من التهرب وتحصيل المتأخرات الضريبية واستكمال عمليات الاصلاح الجمركي والحد من التهرب الجمركي. يضيف أن استكمال الاصلاحات المالية والاقتصادية بما يهييء المناخ للاستثمارات الجديدة وتنشيط السياحة والاعتماد علي الصادرات وخاصة السلع الصناعية كل ذلك يزيد الموارد ويمنع العجز وتزايد الدين العام.