في مذكرات الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان التي تنشر هذا الشهر فإن ريجان كتب يقول إنه لم يكن مقتنعا بمسوغات رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل مناحم بيجين باجتياح لبنان عام ،1982 كما أنه لم يكن علي علم مسبق بالغارة التي شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية علي "مفاعل تموز" النووي في العراق، مشيرا إلي أنه كان قرارا خاطئا. علي أن الجزء الأكثر إثارة في مذكرات ريجان هو الذي تحدث فيه عن علاقته بالرئيس الراحل أنور السادات وبالزعيم الليبي معمر القذافي. فريجان الذي وصف القذافي بأنه "رجل مجنون" وصف في الوقت نفسه الرئيس السادات "بأنه رجل عظيم ولديه حس الفكاهة". وكتب ريجان يقول "من الصعب وصف الشعور الصاعق والأسي الذي تملكني لدي سماعي نبأ اغتياله رغم أن زيارته كانت مميزة إلا أنني اكتشفت بأن لدينا صداقة عميقة تربطنا". غير أن ريجان فجر مفاجأة ضخمة ستكون موضوعا للاهتمام والتعليقات حين يثير الشكوك في عملية اغتيال الرئيس السادات حيث قال "أحاول أن لا أحمل ضغينة للذين اغتالوه لكن لا أقدر لقد ظهر القذافي مرتاحا علي شاشة التليفزيون فيما سار شعبه محتفلا في شوارع ليبيا بموت السادات وأذاع بيانا من الإذاعة الليبية دعا فيه لقيام حرب جهادية قبل تأكيد مقتل السادات ولابد أن هذا البيان أعد سلفا بكلمات أخري كان يعلم أن الاغتيال سيقع". وهو كلام خطير للغاية جاء في مذكرات ريجان واتهامه بأن الزعيم القذافي كان يعلم مسبقا بأن اغتيال الرئيس السادات سيتم وأنه كان مستعدا لهذه اللحظة. وإذا كان ما قاله ريجان صحيحا فإننا نكون بذلك في حاجة إلي قراءة جديدة في تفاصيل ودوافع وخفايا عملية اغتيال السادات التي مازالت في كثير من جوانبها عملية غامضة رغم المحاكمات التي جرت والأحكام التي صدرت والاعدامات التي تمت. وقد يكون ريجان وهو يكتب ذلك بخط يده في مذكراته يعلم أنها ستنشر يوما ما يحاول التمويه أو إبعاد الأنظار عن حقائق أخري أكثر أهمية في عملية اغتيال السادات إلا أنها علي أية حال تحمل اتهاما خطيرا خاصة مع ما صاحبها من شواهد احتفالية في ليبيا مع الإعلان عن مقتل السادات. وليس مستبعدا بالطبع أن احتفال القذافي جاء تلقائيا وكرد فعل لفرحته بالتخلص من الرجل الذي وجه ضربة جوية صاعقة ضد بعض القواعد العسكرية الليبية وهي الضربة التي أبعدت القذافي بعدها عن التدخل في الشأن الداخلي المصري والتوقف عن استفزاز السادات. فقد سبق للقذافي أن وقع في خطأ مماثل عام 1986 عندما هلل لضرب ملهي ليلي في ألمانيا وراح ضحية ذلك عدد من الأمريكان واعتبرت أمريكا أنه يتحمل مسئولية هذا الاعتداء وشنت عليه هجوما جويا قضي علي مقر اقامته ونجا من الموت باعجوبة وبعدها توقف تماما عن إعلان تأييده أو تبنيه لأية عمليات ضد الولاياتالمتحدة والغرب، وثبت فيما بعد أن الذين قاموا بهذا العمل ضد الملهي الليلي لم يكن لهم صلة بالقذافي ولكن إعلانه الابتهاج هو الذي جعله يدفع ثمن جريمة لم يرتكبها. وربما كان هذا نفس ما حدث مع السادات الذي جاء اغتياله ليزيح كابوسا كان جاثما فوق صدره مستعدا للاطباق علي عنقه في أي لحظة يحاول فيها بأن يتحرك لتنفيذ مخططاته. وما ذكره الرئيس ريجان علي أية حال عن الرئيس الراحل أنور السادات يعيد إلينا الذكريات حول هذا الزعيم التاريخي الذي رحل وهو يشعر أنه لم يلق كل ما يستحقه من تكريم ومكانة في مصر وفي العالم العربي بعد كل ما حققه من انجازات وانتصارات ومكانة لبلاده. وصحيح أن السادات حقق مكانة رفيعة المستوي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي الدول الغربية أهلته للفوز علي مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي بجائزة نوبل للسلام مناصفة إلا أن الأمر الملفت للنظر هو أن السادات يحقق الآن في العالم العربي المكانة التي كان يحلم بتحقيقها حيا. فهناك شعور بالأسف في كثير من الأوساط العربية علي إهدار الفرصة التاريخية التي لن تتكرر والتي كان السادات قد بدأها بزيارة القدس لانهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهناك إيمان جازم بأن السادات كان في مقدوره في ذلك الوقت أن يحصل للفلسطينيين علي أفضل المكاسب التي لن يتمكنوا من الحصول عليها مرة اخري لاختفاء نفس الظروف والعوامل والتوازنات الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت. وهناك تسليم حقيقي الآن ببعد النظر والبصيرة التي تمتع بها الرئيس السادات والذي كان قادرا علي قراءة المتغيرات الدولية بواقعية بالغة فهو الذي تحدث عن أن أوراق حل الأزمة تقع بنسبة 99% في أيدي الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم أن أمريكا لم تكن القطر الأوحد في عالم القوي في ذلك الوقت وكان الاتحاد السوفيتي متواجدا بقوة علي الساحة الدولية وتجاهله السادات في حساباته تماما وأثبتت الأيام أنه كان علي حق فقد اختفي الاتحاد السوفيتي وتفكك واصبحت أمريكا القوي العظمي الوحيدة التي تدير شئون العالم. لقد أثارت مذكرات ريجان الأشجان حول الزعيم الراحل السادات غير أنها طرحت سؤالا مهما حول الزعيم القذافي وهل كان يعلم بخطط الاغتيال وهل كان له دور في ذلك والسؤال صعب والاجابة عليه قد تكون بعد عشرات السنين في مذكرات رئيس آخر.. [email protected]