في مدينة سلا بالعاصمة المغربية الرباط تسكن عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء في مرحاض عمومي منذ 7 سنوات. رب الأسرة يعمل في الأساس حارس مراحيض منذ 23 عاما وهو معاق، وقد اضطر إلي الاستيلاء علي المرحاض الذي يعمل به ويجعله مسكنا دائما له ولأسرته بعد أن طرده صاحب المسكن الذي كان يقطن به هو وعائلته، وألقي بأثاثه البسيط في الشارع بسبب تأخره في دفع الإيجار، ولم يجد مفراً سوي أن يتخذ من المرحاض مقرا بعدأن تعرضت ابنته الكبري للاختطاف وأشياء أخري.. وقرر أن يسكن في المرحاض الذي يعمل به، بدلاً من النوم هو وأسرته في الشارع، خاصة بعد أن تعرض لمضايقات عديدة ومواقف خطيرة وإعتداءات من الكلاب "الضالة" أحيانا ومن أولاد الشوارع أحيانا أخري. الغريب أن السلطات المغربية تجاوبت مع هذا الوضع واعتبرت أن المرحاض هو "المحل" المختار والمقر الدائم للحارس وأسرته، فتم استخراج شهادة ميلاد رسمية لأبنه الصغير الذي ولد في المرحاض، ودون فيها عنوان المرحاض علي أنه سكن الصغير الذي ولد به، كما أن هويتي الرجل وزوجته كتب فيهما عنوان المرحاض كسكن لهما.. بل كل المراسلات البريدية للأسرة والوثائق وبطاقات التأمين الصحي لهم كانت علي عنوان "مرحاض سيدي حسن"!! ولنا أن نتخيل كيف يمكن لأسرة أن تنام وتطبخ وتأكل وتعيش حياة طبيعية في مرحاض "عمومي" يرتاده كل عابر سبيل يريد قضاء حاجته، بل وكيف يلهو أطفال صغار ويعيشون طفولتهم البريئة، داخل هذا المكان المقزز والقذر والسيئ شكلاً ورائحة؟ والغريب أن "أسرة المرحاض" تتعرض دائماً لمضايقات ومعايرات من جيرانهم بدلاً من أن يساعدوهم.. وفقا للتقرير المصور الذي بثته إحدي الفضائيات أول أمس السبت والذي استعرض حياة تلك الأسرة داخل المرحاض العمومي. والدرس الذي يمكن أن نستخلصه من موضوع "أسرة المرحاض" هو.. قدرة المواطن العربي علي التحمل والصبر والتكيف الشديد مع الواقع "المر"، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولا سيما إذا كانت بعض الحكومات لا تفعل شيئا لمواطنيها بسبب الروتين تارة وضيق ذات اليد وقلة الموارد تارة أخري. فالمغرب بصفة خاصة تعتبر مملكة "العجايب".. فأذكر انني أثناء زيارتي لها منذ سنوات هبطت الطائرة في مطار الرباط، وخلال نزولي مع الركاب ارتجلت علي أرض المطار فأشار لنا جندي بالتوقف حتي تمر طائرة أخري، وشعرت وقتها انني أسير في ميدان باب الشعرية ولست في مطار دولي، فلا يوجد أتوبيس لنقل الركاب من الطائرة إلي مبني الجوازات لإنهاء إجراءات الوصول من أجل حمايتهم والحفاظ علي الوجه الحضاري للمملكة. ومن عجايب المغرب أيضا أن حاكمها هو "أمير المؤمنين" الذي يقبل الوزراء والمسئولون يده، كما أنها مليئة بالسحرة ومدربي الثعابين والحواة. الغريب أن الحياة الاقتصادية الصعبة هناك جعلت بعض المغاربة الفقراء إما يكونون شديدي التكيف مع تلك الحياة لدرجة التسول والعيش في المراحيض والمنازل الصفيح.. أو يتحول قلة منهم إلي إرهابيين.. ولاسيما أن التفجيرات الإرهابية في المغرب خلال السنوات الأخيرة كان وراءها متهمون عاشوا في تلك المنازل اللاآدمية والعشش. وفي مصر هناك أيضاً من تكيف مع الحياة الاقتصادية الصعبة وعاش في المقابر بشكل طبيعي مع الأموات.. وهذا ما سأتناوله في مقالي القادم. elbasser2yahoo.com