يصعب أن تصدق الاَن أن شركة الإيرباص الأوروبية كانت تحتفل منذ سنوات قليلة فقط بانتصارها علي منافستها الأمريكية بوينج.. فخلال العام الماضي تعاقب علي الإيرباص ثلاثة رؤساء وهبطت أسعار أسهمها بنسبة 30%.. ومنذ أيام شهدت مصانع الإيرباص سلسلة من الإضرابات العمالية ردا علي إعلان الشركة عزمها علي الاستغناء عن 10 اَلاف عامل واحتمال إغلاقها للعديد من المصانع.. وفي المقر الرئيسي لشركة الإيرباص في تولوز تظاهر 15 ألف عامل منددين بإدارة الشركة. والحقيقة التي تذكرها مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن الإيرباص كانت تدار ذاتيا أو أوتوماتيكيا في السنوات الست الأخيرة.. وتنبع مشكلات هذه الشركة في واقع الأمر منذ ثلاث قضايا مزمنة هي الإدارة المشئومة، والدوافع السياسية التي تحكم قرارات الشركة بدلا من المعايير الاقتصادية، وأخيرا المقامرة الفاشلة من أجل إنتاج أكبر طائرة في التاريخ وهي الطائرة A380 وقد ظهرت هذه الاضطرابات كلها في الصيف الماضي عندما اضطرت الإيرباص إلي الاعتراف بأن طائرتها العملاقة A380 تواجه مشكلات فنية وأنها لن تطرح في الأسواق في الموعد المحدد وهو الأمر الذي كلفها عدة مليارات من الدولارات. فمنذ ذلك التاريخ حدث تحول 180 درجة في عمل شركة الإيرباص حيث قررت أن تركز من جديد علي الطائرات الأصغر والأكثر كفاءة في استهلاك الوقود وأن تبسط الإدارة وأن تخفض عدد العاملين.. وقد بدأت الإيرباص منذ أيام تنفيذ خطة الاستغناء الجماعي عن العمالة ورغم اعتراض مرشحي الرئاسة الفرنسية علي هذه الخطوة فقد تكون أفضل قرار اتخذته الإيرباص منذ ظهورها البراق في التسعينيات. ويقول كريس بارتريدج محلل الطيران المدني في دويتش بانك إنه كان علي الإيرباص أن تواجه الشياطين التي تتلبسها.. ولكن هذه المواجهة قد تؤدي إلي انقسام الإيرباص إلي مجموعة من الشركات المستقلة والأكثر تخصصا التي يمكن أن توفر لأوروبا فرصة جديدة للمنافسة في صناعة الطيران المدني. فالإيرباص أولا يجب أن تتحول إلي قوة طيرانية جبارة.. وقد أمكنها بالفعل في التسعينيات أن تستحوذ علي نصيب من السوق العالمي أكبر من نصيب بوينج ولكنها في عام 2000 بدأت تركز علي الطائرة A380 وهي طائرة ينتمي تصميمها إلي زمن الحرب العالمية الثانية ذات أجنحة معدنية مثبتة علي جسم معدني وتكاد تلامس الأرض من فرط طولها.. كما أن توقيت إنتاجها لم يعد مناسبا بعد المشكلات الأمنية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001 والارتفاع الصاروخي في أسعار البترول منذ عام 2005. وفي نفس الفترة تقريبا اتخذت بوينج قرارا عاقلا بمراعاة حماية البيئة وبدأت تطوير أول طائرة مصنوعة بالكامل من البلاستيك وهي الطائرة دريملاينر 787 التي ستخرج للسوق في العام القادم 2008.. فالطائرات البلاستيكية أخف وزنا وأمتن وأكفأ من حيث استهلاك الوقود.. وتوفر هذه الطائرة من استهلاك الوقود 3 ملايين دولار سنويا عن مثيلتها المصنوعة من الألومنيوم ناهيك طبعا عن مقارنتها بالطائرة الهائلة A380.. فهذه الطائرة A380 كما وصفها أحد مهندسي الإيرباص الذي طلب عدم ذكر اسمه هي اَخر ديناصور من عصر الألومنيوم! ويقول نفس المهندس إن كل شخص في إيرباص كان يعرف أن الطائرة A380 بمثابة قنبلة موقوتة ولكن نويل فورجيرد الرئيس التنفيذي للإيرباص وقتها الذي كانت هذه الطائرة تمثل بالنسبة له تذكرة للصعود إلي قيادة شركة "إيدس" المالكة للإيرباص كان يطيح بأي شخص يعارض أو يشكك في جدوي الطائرة A380. وقد انتقل فورجيرد إلي "إيدس" بالفعل في مارس 2006 بعد أن تخلص من كل أسهمه في الإيرباص بائعا إياها بأقل من سعرها، وفي يونية من نفس العام أي بعد نحو ثلاثة أشهر ظهرت مشكلات الطائرة A380 إلي العلن.. وقد تمت الإطاحة بفورجيرد من شركة "إيدس" في يولية وهو الاَن رهن التحقيق بتهمة استغلال الأسرار الداخلية للشركة في تحقيق منافع لنفسه. ويري الخبراء أن لويس جاللوي الرئيس التنفيذي الجديد للإيرباص رجل براجماتي تحتاج الشركة إلي فكره العملي، ولكن "إيدس" التي تمتلك الإيرباص منذ عام 1999 تعتبر كابوسا إداريا حيث إن إدارتها مقسمة بين الألمان والفرنسيين والخلافات بينهما حتي في تقنيات العمل هي إحدي أسباب تأخر الطائرة A380. وحتي الاَن لم يتغير أي شيء فلاتزال الخلافات تتصاعد، وربما كان تركيز الإيرباص علي الطائرة A350 المنافسة لطائرة بوينج دريملاينر 787 شيئا مفيدا خصوصا أنها كما يقول جون ليهي مدير المبيعات ستكون الطائرة الأفضل في هذه المنافسة ولكن الإيرباص تحتاج إلي ما هو أكثر من مجرد طائرة ناجحة فكثير من محللي صناعة الطيران المدني يدعون إلي تقسيم الإيرباص بين الدول المالكة في شكل شركات أو خطوط إنتاج مستقلة ولكن هذا تفكير غير وارد لدي قيادة الشركة حتي الاَن. بقي أن نقول إن انقسام الشركة قد يجذب المستثمرين ويتيح فرص تمويل إضافية أمام الإيرباص ولكن القيادة الجديدة للشركة لم تطرح بعد هذا الاحتمال رغم أن جدواه مؤكدة لدي كثير من الخبراء.