أسواق اليوم الواحد هي أسواق تاريخية امتدت إلي قرابة نصف قرن من الزمان ارتبطت بتاريخ قاهرة المعز وعلي الرغم من ذلك فقد أصبحت الآن نموذجا صارخاً للعشوائيات بكل ما تحمله من معانٍ فقد أصبحت بؤرة لبيع سلع مضرة بصحة المستهلك وخارج رقابة القانون وأصبحت مركزاً لسلع الإغراق والتهريب وقد تكون عادة مجهولة المصدر. وفي جولة ل "الأسبوعي" داخل هذه الأسواق استطاعت من خلالها رصد العديد من الحقائق والتي تثير تساؤلا حول غياب دور الرقابة علي تلك السلع والتي قد يسقط المستهلك ضحيتها خاصة وان الأسعار المرتفعة دفعته إلي اللجوء إلي هذه السلع المجهولة المصدر. هذه الأسواق يتم عقدها مرة واحدة أسبوعيا في منطقة معينة وتكون شاملة لجميع السلع من غذاء إلي ملابس إلي أثاث إلي أجهزة كهربائية. ففي بداية السوق وعلي قارعة الطريق تجد محلات الطيور والتي تبيع الدواجن جهرا علي الرغم من تحذير القانون من تبادل الطيور الحية في هذه المحلات ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقط بل إن هناك دواجن يتم ذبحها وبيعها بواسطة بائع متجول من خلال بيعها منقوعة في دلو يحمل مياها ملوثة وتم وزنها وفقاً لمبدأ "التشافي" بدون ريش علي أساس 6 جنيهات للكيلو جرام. وتجد الفاصل بين كل بائع وآخر أكوام من القمامة والذباب الذي ينتقل من القمامة إلي الأغذية من حين إلي آخر كما تجد بعد ذلك بائع الأسماك والذي يقوم ببيع كميات هائلة من أسماك الذريعة وهو ما يمنعه ويحاربه القانون لما له من أضرار تهدد الثروة السمكية. وفي القسم الثالث من هذه السوق تشاهد بصورة صارخة انتهاكا لحقوق الملكية الفكرية والذي يتضمن بيع الأشرطة المضروبة "الكاسيت" والتي تباع بسعر يتراوح ما بين 50 قرشا إلي جنيه واحد!! أما في القسم الرابع والذي يحمل لافتات ترفع شعر "قرب وشوف مش هتقدر تغمض عينك هنوريك اللي عمرك ماشفته" فتوجد حفاضات الأطفال التي تباع بواقع ربع جنيه للحفاضة وهي عبارة عن اكياس بلاستيكية كبيرة رصت فيها المئات من هذه الحفاضات المجهولة المصدر وعند سؤال البائعين من أين أتيتم بهذه الحفاضات؟ يكون الرد "مانعرفش".. ثم يأتي بعد ذلك دور الملابس التي يتم بيعها بأسعار رمزية جدا وهي منتجات صينية غالبا. أما أجهزة "الموبايل" المستعملة فلا يجب ان تشك لحظة في أن تكون مسروقة حيث يتم بيعها في هذه الأسواق بأسعار منخفضة جداً وتتراوح ما بين 50 و100 جنيه للجهاز مهما كان نوعه وحالته!! وفي مقابل لصوص الهواتف النقالة تجد لصوص الحيوانات من قطط وكلاب من فصيلة أصلية ويتم بيعها بعد سرقتها من الأسر التي تهوي اقتناء هذه الحيوانات وذلك بأسعار لا تقارن بقيمتها الحقيقية!! هذه الأسواق العريقة أصبحت الآن وكأنها "دولة" داخل الدولة يضع فتوات هذه الأسواق قوانين خاصة بهم. وتحولت هذه الأسواق إلي عبء خاص علي أجهزة المرور حيث تؤدي في طور انعقادها إلي أزمة مرورية خانقة ويزيد من تلك الأزمة تجوال "التوك توك" بحرية داخل الأسواق ويمر بسرعة البرق غير مكترث بالمواطنين. أما النشالون فينتشرون في السوق ليمارسوا "الاسترزاق".. ولا عزاء لأصحاب المحافظ. وفي جولة ل "الأسبوعي" في سوق المنيب قال عم محمد مرزوق "بائع الخضراوات" 75 عاما إن هذه السوق عريقة وقديمة وأصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخنا وحضارتنا وهي موجودة في كل دول العالم ولكني اعترف الآن انها أصبحت عشوائية ولكن مع الأسف هذا ليس خطأ الناس ولا يمكن ان نلقي باللائمة عليهم فهم لم يرتكبوا أي ذنب سوي أنهم أصبحوا أمام أمر واقع وهو زحف الدخلاء علي السوق من "اللصوص والمرتزقة" فالسوق علي مدي السنوات الماضية لم يشهد ما يحدث الآن. ويطالب عم "محمد" السلطات بضرورة التحرك وتكثيف الحملات ومداهمة السوق لمحاربة اللصوص، وبصفة دورية، لكن ما يحدث هو إزالة الزحام عن طريق إتلاف البضائع وإلقائها علي الأرض ونقل البائعين من سوق إلي أخري، فمثلا يتم مداهمة سوق الثلاثاء في المنيب ويتم نقل البائعين إلي سوق الجمعة في الإمام الشافعي وهو الأمر الذي يعد نقلاً للمشكلة وليس حلها. ومن جانبه يري جمعة السعيد "بائع خردة في السوق" 60 عاما انه لابد من التفكير في تطوير هذه الأسواق وتخصيص أماكن مناسبة لها بدلا من وصفها بالعشوائية فقط وترحيل البائعين من مكان لآخر. فهناك أسواق تقام في المقابر مع الأموات كتلك التي يتم عقدها في السيدة عائشة يوم الجمعة، ولابد من تخصيص حملات ذات أهداف محددة تضع علي عاتقها تفعيل القانون علي جميع المستويات.