الحقيقة التي لا ينكرها أحد هي أن النقل النهري في مصر "غرق" ولم نحقق من شريان المواصلات الطبيعي الذي يقطع مصر من الجنوب إلي الشمال أية استفادة. وفيما تمتليء أدراج الحكومة منذ عقود بمشروعات تطوير النقل النهري التي لم تعرف الطريق إلي التنفيذ تذكرت الحكومة الحالية ذلك القطاع وضمنته استراتيجيتها الشاملة لتطوير قطاع النقل بكل مكوناته. طرحت العالم اليوم "الاسبوعي" هذه القضية للمناقشة سواء من خلال استعراض خطة الحكومة أو أراء الخبراء بشأن أبرز التحديات التي يواجهها النقل النهري في مصر والإجراءات المطلوبة لتحقيق أقصي استفادة اقتصادية منه وعلي رأسها جذب الاستثمار الأجنبي والمحلي وتطوير بنيته الاساسية وتطوير الاسطول للاستفادة من كل المزايا التي يوفرها كقطاع اقتصادي مهم في الحياة المصرية. يبلغ طول شبكة النقل النهري 35 ألف كم وتبلغ حمولة البضائع المنقولة عبرها 2486 مليون طن وتستهدف الحكومة أن تصل في عام 2016 إلي 35 مليون طن سنويا ويبلغ متوسط عدد نقل الركاب عن طريق العبارات النهرية 30 ألف راكب يوم ويوجد بمصر العديد من الموانئ النهرية وهي ميناء أثر النبي التبين وميناء الحديد والصلب بأسوان وميناء النهضة كما تطرح الحكومة علي المستثمرين تطوير وإنشاء 3 موانئ هي التبين بمساحة 30 فدانا كبديل لميناء أثر النبي ويعمل علي شحن وتفريغ الحاويات والبضائع وتطرح أيضا علي المستثمرين إنشاء ميناء للنوبارية علي مساحة 100 ألف متر مربع وميناء قنا علي مساحة 22 ألف متر مربع. وفي الوقت الذي اعترفت فيه الحكومة أن مصر لم تصل بعد لأقصي استفادة من قدرات هذا القطاع أوضحت أنها تعمل علي بناء وتشغيل أسطول وحدات نهرية وشركات نقل نهري وتطوير وتحديث الموانئ القائمة وتشغيل شركات للنقل النهري تربط بين مصر والسودان وخاصة أن هناك إقبالا من رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة للاستثمار في تطوير النقل النهري كما يوجد توجه لربط النقل النهري بالبحري من خلل ربط محطة الركاب الجديدةبالاسكندرية بعد تطويرها بوسيلة للنقل النهري ووسيلة أخري للسكك الحديدية. كما تتضمن خطة التطوير استكمال أعمال تطوير المجري الملاحي للنيل من دمياطوالاسكندرية شمالا إلي أسوان جنوبا إلي جانب زيادة عدد الوحدات العاملة حاليا لنقل البضائع والتي يبلغ عددها 218 وحدة فقط وقد بدأت وزارة النقل بالفعل بتنفيذ عدد من المشروعات في قطاع النقل النهري وتتضمن إنشاء هويس الدلتا علي الخط الملاحي القاهرة/ دمياط بتكلفة 98 مليون جنيه وتطوير ورفع كفاءة 3 أهوسة علي الخط الملاحي القاهرةالاسكندرية بتكلفة 15 مليون جنيه اضافة إلي استكمال أعمال التطهيرات الملاحية علي خط القاهرةأسوان بتكلفة 65 مليون جنيه. مزايا متعددة ويري الخبراء أن ما يحتاجه النقل النهري من استثمار تقدر بنحو 600 مليون جنيه سنويا لإجراء برامج الصيانة هو مبلغ زهيد جدا كما يؤكد ذلك الدكتور عبدالرحمن جاب الله أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان إذا ما قورن باحتياجات وسائل أخري كالسكك الحديدية التي تحتاج وحدها إلي 5.8 مليار جنيه لأعادة الهيكلة وقطاع الطرق الذي يحتاج إلي مليار جنيه سنويا لأعمال الصيانة وخاصة مع تضاعف الحوادث للوسيلتين الأخيرتين حيث قدرت خسائر حوادث الطرق بحوالي 4.3 مليار جنيه سنويا (25 ألف حادثة نتج عنها 8000 قتيل و25 ألف مصاب). كما يلفت جاب الله الي ان معدل استهلاك الطاقة "وقود+ زيوت + شحومات" في النقل النهري اقل بنسبة 44% من النقل البري حيث يوفر حوالي 50.3 مليار دولار من استيراد السولار كما يعتبر النقل النهري من الخرطوم الي الاسكندرية اقل تكلفة من النقل البحري. إعادة الهيكلة وحول آراء بعض الخبراء حول ان النقل النهري يعطي دخلا اكثر من قناةالسويس في حالة حسن استغلاله والاهتمام به يؤكد الخبير الاقتصادي شريف نور بارمس آند ينج ان النقل النهري مجال واعد للاستثمار ولكن لا يعني ذلك انه سيعطي دخلا اكبر من قناةالسويس مشيرا الي اهمية عدم الحكم علي الامور دون دراسات واضحة ويتفق مع جميع الآراء التي تؤكد تميز النقل عبر النهر في توافر البنية الاساسية المتمثلة في نهر النيل وفروعه والقنوات الملاحية دون تكلفة تذكر اذا ما قورنت بتكلفة البنية الاساسية لوسيلتي السكك الحديدية والطرق اضافة الي انها تمثل وسيلة نقل صديقته للبيئة. ويري نور ان شركات النقل النهري اغلبها شركات حكومية مشيرا الي اهمية اعادة هيكلة هذه الشركات قبل طرحها للبيع وخاصة ان خسائرها الناتجة عن عدم التطوير كبيرة جدا نتيجة تقادم اسطول شركات النقل النهري وتدني كفاءته بدرجة كبيرة وتدهور اوضاع العمالة فنيا مما ادي الي عزوف جزء كبير من اصحاب البضائع عن التعامل معه لتأثره بقلة الاستثمارات المتاحة للبنية الاساسية للنقل النهري مما ادي الي تأخير تنفيذ معظم المشروعات المتعلقة بها خلال السنوات الماضية ويلفت في ذلك الاطار الي ان الشركة القابضة للنقل البري والبحري تنوي اعادة طرح شركة النيل للنقل النهري بالكامل لمستثمر استراتيجي بعد تلقيها العديد من الرغبات المبدئية من شركات اجنبية لشراء الشركة وكان قد تم طرحها في فبراير من العام الماضي وتقدمت عدد من العروض التي لم تستوف الشروط اللازمة والواردة في كراسة الشروط والمعلومات الخاصة ببيع الشركة مما استلزم اعادة طرحها مرة اخري وتمتلك الشركة القابضة للنقل 100% من اسهم الشركة البالغة نحو 3.46 مليون سهم ويبلغ رأسمالها المدفوع 313.46 مليون جنيه ويبلغ عدد عمالتها 1796 عاملا اجورهم السنوية بلغت نحو 13 مليون جنيه. الجاذبية الاستثمارية وعلي العكس من الآراء السابقة يري الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ان قطاع النقل النهري يعتبر قطاعا غير جاذب للاستثمار الاجنبي أو الداخلي لعدة اسباب اهمها ان اقبال المستثمرين يركز علي الاستثمار في المراكب السياحية فقط وليس علي النقل الذي بات لا يتوافق مع رغبات الشركات المنتجة حاليا لان عنصر الوقت يمثل اهمية كبيرة في سوق النقل وهو ما يجعل وسيلة النقل النهري في وضع غير منافس اضافة الي تعرض الرحلات للتوقف لسوء الاحوال الجوية أو عدم وجود المجاري المائية العميقة وخاصة ان طبيعة المنتجات الحالية تختلف عن الماضي الذي اشتهر بنقلها النهر والتي انقرضت تقريبا وكانت لا تتجاوز نقل بعض انواع المحاصيل الزراعية والفخار. ويختلف مع الرأي السابق الدكتور رمضان أبو العلا عضو مجلس ادارة الشركة القابضة للتجارة مشيرا الي ان المستثمرين يودون في النهاية الاستفادة من جميع الامكانيات المتاحة لبلد معين ويوضح انه اذا كان سوء الاحوال الجوية قد يعطل رحلة عبر النهر فان نفس الظروف قد تتعرض لها رحلة جوية او برية ايضا ومع ذلك فهو يري انه من الضروري ان تستعين الحكومة ببيانات وتجارب دول استفادت من هذه التجربة. ويري ابو العلا ان النقل النهري يتطلب اجراء العديد من الدراسات الخاصة بوسائل النقل التي يتم استخدامها ومواصفاتها وكذلك طبيعة البضائع التي يتم نقلها من خلاله وان يتم مراعاة ان تكون غير ملوثة للبيئة مشيرا في النهاية الي ضرورة وضع مخطط شامل لمرفق النقل المائي وجميع الاعمال الصناعية المتعلقة به لمواجهة متطلبات التنمية في جميع المجالات.