لم تحظ قضية في مصر بهذه الهالة الإعلامية والسياسية كما حظيت قضية نواب القروض ولم تحظ قضية باهتمام كبار المسئولين والرأي العام كما حظيت هذه القضية التي مر عليها نحو 10 سنوات وهناك أسباب عدة وراء هذا الاهتمام علي رأسها ان القضية حملت في صفحاتها المتداولة امام المحاكم الكثير من التوابل والبهارات التي لفتت انظار الجميع "صحافة ووسائل اعلام، رجال سياسة، رجال القضاء"، بل ان رجال القضاء انفسهم اختلفوا حول تقييمهم للقضية والدليل علي ذلك الاحكام المتناقضة التي صدرت بشأن المتهمين ما بين ادانتهم مرات وتبرئتهم مرات أخري. ومن بين الأسباب التي أدت الي "وهج" قضية نواب القروض ولمعانها الأسماء التي ورد ذكرها في القضية وعلي رأسهم آل العيوطي مثل عيسي العيوطي ورؤساء بنوك ووزراء سابقين في مقدمتهم توفيق عبده اسماعيل الي جانب اعضاء مجلس شعب "خالد محمود، محمود عزام" ورجال أعمال من بينهم ياسين عجلان والسيد الكيك واحسان دياب واشرف لبيب. بل ان القضية ضمت عدداً من كبار مسئولي البنوك السابقين واعضاء مجلس ادارة مثل علية العيوطي العضو المنتدب السابق لبنك النيل ود. محمد فخري مكي عضو مجلس ادارة بنك الدقهلية التجاري ومحيي الدين منصور مساعد رئيس بنك النيل السابق وحسام المناوي مسئول بنك الدقهلية. ولكن لماذا فتح قضية نواب القروض في هذا الوقت بالذات؟ هناك سبب بسيط وهو أن القضية قاربت علي الانتهاء وان نواب القروض المحبوسين علي ذمة القضية سيتم الافراج عنهم في القريب العاجل عقب صدور تقرير من البنك المركزي يؤكد قيامهم بسداد المديونيات المستحقة عليهم وابلاغ المستشار عبد المجيد محمود النائب العام بذلك. قصة التسوية الاخيرة تعود الي شهر يوليو الماضي وعقب الاعلان عن تأسيس المصرف المتحد الوريث لبنوك النيل والمصري المتحد والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية واسناد ادارة البنك الي محمد عشماوي نائب رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب السابق للبنك التجاري الدولي CIB سابقا. عقب تولي عشماوي منصبه بدأ فحص اوراق المصرف المتحد والغرض من تأسيسه وهو اعادة هيكلة وتنقية محفظة القروض المتعثرة مع اعادة تقديم جميع الانشطة المالية والمصرفية المطابقة لاحكام الشريعة الاسلامية والتقليدية. وكان في مقدمة هذه الاوراق قضية نواب القروض التي ورثها من بنكين تم الاستحواذ عليهما هما النيل والمصري المتحد. بل ان عشماوي لاحظ شيئا غريبا وهو ان بعض نواب القروض تقدموا في فترات سابقة بخطة تسوية المديونيات المستحقة عليهم ولكن لم تحظ هذه المبادرات باهتمام البعض والاسباب كثيرة علي رأسها ان القضية لا تزال منظورة امام القضاء وبالتالي يجب الانتظار لحسمها اما السبب الثاني فهو أن ارتعاش يد البعض جعلته يتردد في الاقتراب من هذه القضية الملغومة. وكان رئيس المصرف المتحد الجديد بين خيارين اما ان يضع يده علي خده انتظارا للفرج وصدور حكم قضائي يلزم هؤلاء بسداد المديونيات المستحقة عليهم وقد لا يصدر هذا الحكم قريبا وقد لا يري النور في عمر المحبوسين وقد يصدر الحكم ولا يقوم هؤلاء بالسداد لانه ليس من المعقول ان يجمع الشخص بين "الموت وخراب الديار". أما البديل الثاني فهو اقتحام المشكلة والسعي نحو حلها وهو ما قرره محمد عشماوي.. في البداية كان لابد من استئذان الرقيب وهو البنك المركزي وبالفعل حصل عشماوي علي ضوء اخضر من د.فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ومساندته. وعقب الحصول علي المساندة.. كان السؤال الكبير المطروح امام محمد عشماوي هو: هل لدي نواب القروض اصول كافية لسداد المديونيات المستحقة عليهم للبنك المصري المتحد الذي استحوذ عليه المصرف المتحد وجاءت الاجابة السارة "نعم".. هناك اصول تغطي معظم المديونيات والمطلوب عدة ملايين من الجنيهات لسداد الارصدة المدينة المتبقية. اذن المسألة ليست مستحيلة فمن الممكن ان يطلب البنك من هؤلاء المحبوسين علي ذمة قضية نواب القروض التنازل عن هذه الاصول وسداد المبلغ المتبقي وقد كان خاصة ان المتعثرين أبدوا استعدادهم في وقت سابق للقيام بهذه الخطوة مقابل الخروج من غياهب السجون القابعين فيها منذ سنوات طويلة. ولاغلاق ملف القضية بسرعة سارع المصرف المتحد بتنفيذ خطوتين الأولي تمثلت في الانتهاء من تسجيل ونقل ملكية جميع الاصول المقدمة من نواب القروض وكانت هذه الاصول عبارة عن 6 قطع اراض تقع في مناطق متميزة بالقاهرة والجيزة وتبلغ قيمتها اكثر من 300 مليون جنيه وهذا إلي جانب السداد العيني في التسوية. اما الخطوة الثانية فتمثلت في الحصول علي باقي المديونية في شكل مبالغ نقدية وسداد الارصدة المدينة المتبقية. ورغم ان اجراءات التسوية تسير بشكل "سلس" رغم تعقدها الا ان الامر الذي كان لا يفارق ذهن محمد عشماوي طوال الاشهر الستة الماضية هو: هل ما أفعله يتطابق مع نصوص قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 والتعديلات التي اجريت عليه في وقت لاحق وحملت رقم 162 لسنة 2004 وكانت اجابة الفريق القانوني المعاون له "نعم" حيث تم ادخال تعديلات علي المادة 133 من قانون البنوك تجيز تصالح البنوك مع عملائها المتعثرين حتي بعد صدور حكم نهائي ضد العميل بشرط سداد كامل مستحقات البنك. وكانت المادة تنص قبل تعديلها علي انه للبنوك الخاضعة لاحكام قانون البنوك التصالح في الجرائم المشار اليها في المادة 131 من القانون وذلك في أية حالة تكون عليها الدعوي والي ما قبل صدور حكم بات فيها وبشرط اتمام الوفاء بكامل حقوق البنك وفقا لشروط التصالح. ويحرر عن هذا التصالح محضر موثق يوقعه اطرافه وتكون له قوة السند التنفيذي وتخطر به جهات التحقيق او المحكمة المختصة. ويعتبر التصالح بمثابة تنازل عن الطلب ويترتب عليه انقضاء الدعوي الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع اوصافها. اذن التسوية في المضمون والمصرف يطبق احكام القضاء المتعلقة بتلك القضية وخلال الاسابيع الماضية سارع المصرف المتحد بتسجيل ونقل ملكية اصول المتعثرين التي تنازلوا عنها وابلغ البنك المركزي بهذه التطورات وسارع مجلس ادارة البنك المركزي بالموافقة علي التسوية المقدمة. كما وافق مجلس ادارة المصرف المتحد يوم 25 ديسمبر الماضي باعتماد وتفعيل التسوية المقدمة من عملاء البنك المصري المتحد الذي استحوذ عليه المصرف المتحد والمعروفة باسم "قضية نواب القروض". وفي نفس الوقت الذي وافق فيه مجلس ادارة المصرف المتحد علي التسوية سارع البنك المركزي بايفاد مفتشين من ادارة الرقابة علي البنوك لفحص البيانات المتعلقة بالتسوية تمهيدا لاعداد تقرير نهائي في هذا الشأن ورفعه الي المستشار عبد المجيد محمود النائب العام للافراج عن المحبوسين علي ذمة قضية نواب القروض وسددوا المديونيات المستحقة عليهم بالكامل. وعقب اغلاق محمد عشماوي ملف نواب قروض البنك المصري المتحد فان تركيزه ينصب في الفترة المقبلة علي معالجة ملف بنك النيل بنفس الاسلوب الذي تم مع الملف الاخير وقد بدأ عشماوي بالفعل في انجاز خطوات مهمة من ملف بنك النيل حيث يجري حالياً فحص مديونيات عملاء البنك المحبوسين علي ذمة قضية نواب القروض وسوف يتم التصالح عقب الانتهاء من عملية الفحص وذلك بتطبيق نفس القواعد والأسس التي اتبعت في تسوية المصري المتحد.