لا يعجز النظام الحاكم عن إيجاد وابتكار الوسائل التي من خلالها «يداري» علي حالات الفساد وإهدار المال العام ومن هذه الطرق ذات الأثر الفاجع «النيابة الإدارية» والتي حولها النظام إلي مقبرة لغالبية قضايا الفساد والتي كان الأولي فيها الإحالة إلي النيابة العامة باعتبارها جرائم جنائية لكن الإحالة إلي النيابة الإدارية تجعل نهايتها الفصل وعقوبات تأديبية علي أقصي تقدير. وبنظرة سريعة نجد أن عدداً لا يستهان به من القضايا التي تميزت بطابع شعبي وحظيت باهتمام إعلامي وشعبي كبير تم دفنها في مقبرة الإحالة للنيابة الإدارية، ومنها قضية سرقة 100 قطعة أثرية من المتحف المصري والعبارة السلام 98، وصفر المونديال، وتطوير مكاتب التسجيل التجاري وغيرها. ويتم ذلك رغم أنه إذا كانت إحدي هذه القضايا تم تحويلها للنيابة العامة وإدانة المتهمين الكبار والرئيسين فيها لشكلت عبرة لكل من يحاول سرقة هذا البلد ولعادت للخزينة العامة مئات المليارات المهدرة ففي قضية سرقة آثار المتحف المصري التي حملت رقم 37 لسنة 2004 رئاسة هيئة النيابة الإدارية كان المبلغ فيها هو الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار وأثبتت التحقيقات أن المتحف تعرض للسرقة عدة مرات وجاء في تقرير اللجنة المشكلة برئاسة إبراهيم عبدالسلام النواوي أن جميع مجموعات الحلي المستبعدة من العرض تم تعبئتها في كراتين مياه معدنية لإخراجها من المتحف وأن كثيرا من القطع لم يستدل عليها ولا يتوافر لها صور تعبر عنها وليست مدونة في سجلات المتحف! وبرغم ذلك اكتفت النيابة الإدارية بإحالة عدد من الموظفين «الصغار» بالمتحف للمحاكمة التأديبية وتم مجازاتهما بالخصم من 10 أيام إلي شهر وتم صرف النظر عن إبلاغ النيابة العامة. أما في قضية العبارة السلام 98 التي راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن غرقاً فحملت رقم 21 لسنة 2006 رئاسة الهيئة وشهدت، عدة تدخلات لتغيير سير التحقيقات التي كشفه تورط شخصيات كبيرة مع ممدوح إسماعيل مالك العبارة ورغم ثبوت المسئولية علي كل من حيدر عبدالحليم وحسين الهرميل رئيس هيئة السلامة البحرية ويجب تقديمهما للنيابة العامة إلا أن ما تم هو إحالتهما للنيابة الإدارية وساندهما كبار رجال النظام وهذا ما كشف خطاب ورد لرئيس هيئة النيابة الإدارية من وزير النقل آنذاك «محمد منصور» بتاريخ 16/8/2008 يطلب فيه الرأي القانوني منه قبل أن يقوم بترقية الهرميل ومحفوظ طه رئيس مجلس إدارة هيئة موانيء البحر الأحمر لأنه بصدد ترقيتهما لوظائف قيادية بالوزارة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل، ولأن الهرميل لم يكن يمكن استبعاده من الإحالة للمحكمة التأديبية لمستوي الإدارية العليا بوصفه المتهم الأول في غرق العبارة فقد تم التدخل لتجميد الدعوي التأديبية بمجلس الدولة منذ 21/5/2008 ولم تنعقد جلسات القضية داخل المحكمة إلا بعد وفاة المستشارة فاتن شوادي منذ شهور. وتأتي لقضية صفر المونديال التي حملت رقم لسنة 2005 رئاسة الهيئة وأحيل علي أثرها محمد طلعت جنيدي رئيس قطاع الرياضة بوزارة الشباب حينئذ وأمل جمال سليمان مدير عام البحوث الشبابية وأحمد إسماعيل مدير إدارة الميزانية بالوزارة وعلي محمد محاسب بإدارة المراجعة وغيرهم. للمحكمة التأديبية بتهمة تسهيل الاستيلاء علي المال العام رغم أنه كان يجب الإحالة للنيابة العامة كما صدقت النيابة الإدارية إحالة القضية للنيابة العامة. وهو ما تكرر في قضية الفساد بالهيئة العامة لتنفيذ مشروعات المحطات المائية لتوليد الكهرباء التي أبلغ عنها وزيرا الكهرباء والمالية، وحملت رقم 22 لسنة 2009، وأسفرت التحقيقات عن تعمد القيادات المالية إخفاء 660 ألف جنيه من قيمة تأجير ثلاثة طوابق من المبني الإداري للهيئة وإنفاق 110 ملايين جنيه علي محطة كهرباء اللاهون وهي محطة صغيرة لا تتكلف نصف هذا المبلغ وإهدار 500 مليون جنيه علي دراسات مشروع الضخ والتخزين بالسويس وغيرها من المخالفات التي أهدرت ما يزيد عن نصف مليار جنيه من المال العام. ورغم ذلك كله اكتفي وزيرا الكهرباء والمالية بإبلاغ النيابة الإدارية التي أحالت بدورها مجموعة من الموظفين للمحكمة التأديبية فقط. وبالنسبة لقضية تطوير مكاتب التسجيل التجاري وحملت رقم 101 لسنة 2006 نيابة التموين والتجارة واتهم فيها د. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية عندما كان أستاذاً جامعياً بالتواطؤ مع الشركة التي وردت أجهزة كمبيوتر بحوالي 15 مليون جنيه غير مطابقة للمواصفات مما أهدر المال العام، في هذه القضية تمت معاقبة رئيس التفتيش الفني بوزارة المالية المحاسب سمير خطاب الذي أعد تقرير القضية بزعم أنه تجاوز في حق اللجنة ولأنه أدان د. أحمد درويش.