تواجه المكتبة العربية نقصا واضحا في الكتابات التي تعالج قضايا الاسواق المالية، والاصلاح المالي وأساليب المنافسة الدولية في الاسواق المفتوحة، ودور الدولة في عمليات تنظيم الاسواق التي تعتبر عمليات مشتركة بين الدولة من جهة واللاعبين الرئيسيين في السوق من جهة اخري.. من هنا يتسم بالاهمية كتاب مثل "العولمة والتنافسية التنظيمية في أسواق المال في الدول المتقدمة والنامية - بين النظرية والتطبيق" ومايقدمه من دروس مستفادة وخبرات من الاسواق المالية بمختلف مستويات تطورها. ويقدم الكتاب تحليلا يعبر عن عملية مزج موفقة بين أدوات الاقتصاد القياسي والاقتصاد السياسي والقانون استخدمها مؤلفو الكتاب الذين يمثلون نخبة من المتخصصين، تتقدمهم د.ضحي عبدالحميد محررة الكتاب ومؤلفة أغلب فصوله.. وتوصل التحليل الي نتائج مهمة في تطبيقاته خصوصا علي الحالة المصرية. ويتضمن الكتاب أربعة فصول يقدم الفصل الاول نموذجا قياسيا لتنافسية التنظيمات الاقتصادية، قامت المؤلفة ببنائه. ويتضمن النموذج ثلاثة لاعبين اساسيين في النظام هم المنظمون والمنتجون والمستهلكون.. وتختلف دوافع كل من المستهلكين والمنتجين عند التعامل مع النظام، فبينما ان المنتجين يستحثهم زيادة النصيب السوقي والارباح، فان المستهلكين يستحثهم زيادة عرض المنتجات للاستهلاك وهو ما يؤدي الي تراجع الاسعار.. وبالتالي فبينما يسعي المنظمون الي تحقيق مصالحهم فان هذا سوف يؤدي ضمنيا الي جعل مدفوعات كل من المنتجين والمستهلكين تصب في النهاية في صالح رفاهة المنظمين وان لم يكن بالضرورة تأثير مدفوعاتهما له نفس الوزن في التأثير علي رفاهة المنظمين. ويتناول الفصل الثاني آثار المنافسة الدولية بين المنظمين من حيث دخول وخروج السوق وتسعير المنتجات وارباح الصناعة من خلال استخدام اطار نظرية المباريات والمقارنة بين الآثار المختلفة لافعال كل من المنظمين والمنتجين وكذلك المستهلكون للمعرفة أثر ذلك علي العولمة والرفاهية الاقتصادية. حيث تم اختبار اذا ما كانت المنافسة بين المنظمين تحد من قدرتهم علي الدعم الصافي للرفاهة العامة، ولقد اظهرت نتائج الكتاب ان المنظمين من رجال الاعمال الذين تحركهم دوافع اعمالهم بغض النظر الي الصالح العام للمجتمع، تكون المنافسة بينهم لها أثر ايجابي لصالح المستهلكين حتي لو كان الأثر السياسي ضعيفا لهؤلاء المستهلكين في ظل الاقتصاد المفتوح. وقد أدت العولمة الي المنافسة بين المصالح الذاتية بين المنظمين ونتج عنها عدد كبير من الشركات بالسوق تجعل التوازن اقرب ما يمكن للمثالية الاجتماعية، ويقترح التحليل الذي تقدمه مؤلفة الكتاب السماح للشركات الاجنبية بدخول السوق مما سوف يؤدي الي رفع كفاءة التنظيم داخل السوق بين المنظمين. ويتناول الفصل الثالث الهيكل التعريفي التنظيمي للقواعد الدولية للمنافسة والتحرير ومنطقية هذه القواعد وذلك بالتطبيق علي الحالة المصرية. حيث اصبح عدم وجود تنظيم "استبدال النظم المغلقة باخري اكثر انفتاحا باستخدام سياسات التحرر المالي" اتجاها عاما في العديد من دول العالم بعد انهيار نظام بريتون وودز وذلك نتيجة ضغوط محلية ودولية، وتحول سياسة الدول من العدالة الاجتماعية والتشغيل الكامل وزيادة النمو الاقتصادي الي سياسات التنافسية الاقتصادية والشراكة مع القطاع الخاص، وقلل كل من العولمة والانفتاح والتنافسية من دور الدولة كسلطة تنظيمية، ومن دورها في السيطرة علي الاحداث المختلفة، وأدي ذلك الي نتيجة مهمة تتمثل في أن المنظمين يكونون ذوي حساسية عالية تجاه التغيرات والضغوط التي يمارسها الفاعلون الخارجيون ويحاول هذا الفصل رصد طبيعة التنظيم المرتبطة بديناميكية دور الدولة ودراسة مفهوم المنافسة الدولية المنظمة واذا ما كانت المنافسة ذات منفعة من عدمها. ويتحدث الفصل عن تنظيم اسواق المال واهميته في فهم طبيعة التنافسية بين الدول وظهور مصالح مختلفة توجه المنافسة المنظمة نحو اسواق مالية اكثر تكاملا. المسئولون ويتضمن هذا الفصل عددا من التوصيات عن تنافس المنظمين الدوليين كما يعكس قضايا حماية المستهلك بما يحقق استقرار النظام الاقتصادي والمالي، وذلك من حيث تقيم الاستثمارات والمخاطر، والمشاركة في المخاطر بنسب متفاوتة، ودعم شبكات ضمان الودائع من موارد دافعي الضرائب، تأسيس شبكة الكترونية بين المنظمين يتبادلون فيها المعلومات حول المخاطر المرتقبة، وإن زيادة التشريعات التنظيمية ما هي الا طريقة لزيادة التعقيدات ومزيد من البيروقراطية وغيرها من التوصيات المهمة. ويتضمن الفصل الرابع الذي حمل عنوان المنظور الغربي لنظرية التنافسية الدولية للتنظيم بالتطبيق علي مصر من خلال "فتح الأسواق: تحرير الأسواق: وتجنب المخاطر". ويناقش هذا الفصل المعايير المطبقة من خلال المنظمين الماليين لتحرير الاسواق وتوافقهم مع تنافسية التنظيم، وذلك من خلال تحليل الاجراءات التحررية التي اتخذتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا واختبار تأثيرها علي دعم الرفاهية للمنظمين الماليين، والتعامل مع الفشل المالي، وكبح جماحه، مع الإشارة للتجربة المصرية في التحرير المالي وتضمين اجندة مقترحة للمنظمين المصريين والعالميين في اتجاه خفض المخاطر المالية والارتكاز علي قواعد حوكمة القطاع المالي، والتعامل مع التحديات القائمة من خلال الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة وعلي مصر ان تضع علي قمة الاصلاحات الاصلاح المالي مثل حكومات الاسواق الناشئة والمتقدمة وان تضع سياسات للتوازن والتكيف ولاحتواء المخاطر حيث ان حجم المعايير المؤسسية وظروف العمل يجب ان يكونا البنية النموذجية للتنظيم في هذا القرن بغض النظر عن مراحل النمو الاقتصادي، حيث توجد مكونات معروفة للاسواق الكفء وانه لا تعارض بين تجنب المخاطر وسيادة الدولة في آن واحد. وفي النهاية يشير الكتاب إلي درس يجب استيعابه في نهاية التحليل وهو انه يتوجب علينا الاستفادة من اخطاء الاخرين وان علي مصر بما ورثته من ثروة خبرات مستفادة من الغرب خلال القرن الماضي التعامل معها بتعمق ودراسة مستفيضة لمواجهة الألفية الجديدة. * باحث اقتصادي