تعالت العديد من الأصوات في الحكومة المصرية مؤخرا بحتمية تحقيق توجه الدولة نحو الارتباط مع العالم في قرية واحدة واتخاذ خطوات ناجزة في مجال اصلاح أسواق المال المصرية وقد صاحب هذا التوجه المهم اصدار دراسة مهمة ومستفيضة عن اثنتين من اكبر اسواق المال القيادية في العالم مع نهاية العام المنصرم وقد تمثلت هذه الدراسة في صورة طبعة دولية اعدتها احدي الباحثات المصريات والتي استهدفت بها ان تمثل دعما نظريا. توجه سياسات الحكومة نحو ايجاد اسواق مال مصرية ترقي في منافستها مصاف اسواق المال المتقدمة ناهيك عن الأسواق الواعدة. يتطرق الكتاب الي سرد القصة الشيقة لتحول اسواق المال وتشريعاتها في الولاياتالمتحدة كنتجية حتمية للتنافس المحتدم وما تبع ذلك من خطوات في فترة ما بعد الحربين العالميتين توضح الكاتبة الكيفية المقدمة من قبل حكومتي الدولتين العظيمين في تحجيم الولوج الي والخروج من هذه الاسواق مثلها كغيرها. وفي الأعوام السابقة واللاحقة للحرب العالمية الثانية ومع تداعي حواجز التجارة الدولية اتجهت الشركات نحو البحث عن اساليب تمويلية مرنة وجديدة مقارنة بالاساليب التقليدية والتي كانت متبعة في فترات انغلاق الاسواق ومع تولد الدولارات النفطية اتجهت المؤسسات المالية نحو رفع كفاءتها لمقابلة الطلب علي الاساليب التمويلية غير التقليدية وقد صاحب ذلك بزوغ نجم الاسواق غير المنظمة OFF- Shore market والتي هددت المكانة المهمة والهيمنة التي تتمتع بها كل من اسواق مال الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا. وفي الحالتين كان القرار الحتمي هو الاتجاه نحو سياسات التحرير المالي حتي تتكمن كل دولة من الدول محل الدراسة واسواقها ومؤسساتها المالية في الاحتفاظ بمكانة متميزة في عالم المال والاعمال المتناحر وقد استتبع هذا التوجه الجديد نحو تحرير الاسواق القيام بالعديد من الاندماجات فيما بين المؤسسات المالية وادت المنافسة لتقليل تكلفة الخدمة المالية للمستهلك وازدياد القناعة بان استمرارية اي من المؤسسات المالية الصغيرة غير واردة وان إنشاء المؤسسات المالية العملاقة (financial conglomerates/ supermarkets) هو الشكل الاوحد للتنفيس عن غريزة البقاء وبالرغم من تشابه السياسات والتشريعات والتنظيمات التي اتبعت في كلتا الحالتين وبقيت هناك فروقات تظهر خصوصية ثقافة كل من الدولتين علي حدة. ومن هنا تعد الكاتبة العدة للمقارنة فيما بين التحولات الاصلاحية الخاطفة والشاملة في الحالة البريطانية والتي تقابلها بالاصلاحات العشوائية في اسواق المال الامريكية كما ترجع الحال في التجربة الامريكية كنتيجة لتضارب المصالح وتشابك التنظيم التشريعي الفيدرالي فيما بينه وبين كل ولاية من الخمسين. وينقسم كما يلي: تخصص الكاتبة الابواب الافتتاحية لتوضح للقارئ الخلفية التاريخية المؤدية الي احتدام العولمةالمالية وتحرير التجارة الدولية. ويتبع ذلك عرض نماذج نظرية عن فكر جديد للتنافسية التنظيمية من خلال جماعات ضغط مقدمي الخدمة المالية ومستهلكويها واثر ذلك علي المخاطر النظامية في ظل مسببات ودوافع التنظيم المالية الحديثة كما تنفرد الكاتبة في الفصول الوسطي بعرض متميز للتعقيدات التاريخية في الاطر المؤسسية للتنظيم في الولاياتالمتحدةالامريكية والمملكة المتحدة من خلال توضيح عملية الاصلاح والتحرير وتقييم الاثر علي اللاعبين الرئيسيين في الاسواق كما توضح الكاتبة الفروق الجوهرية في كلتا الحالتين محل الدراسة ومع نهاية فصول الكتاب العشرة تتجه الكاتبة الي إلقاء الضوء وبالفعل اشعال العلامات الحمراء التي قد تستبع التنافسية الدولية التنظيمية والتي تنتدمج مع النمو الهائل للعولمة وينتهي الكتاب باقتراح عن مجالات بحثية مستقبلية ويتضمن الكتاب مجموعة قيمة من الملاحق والبيانات والهوامش وقائمة مراجع وفهرسا عن هذه الاسواق. وتقول الكاتبة في آخر فقرات كتابها ان الدافع وراء قيامها باعداد هذا الكتاب في هذه الصورة المستفيضة مع ما يتبع ذلك من مصاعب متوقعة في الدراسات متعددة العلوم (حيث يقع الكتاب في مجالات الاقتصاد المالي في علم الاقتصاد وعلم السياسة والقانون) وكذا ما هو معروف لكل الباحثين القائمين علي الدراسات الدولية المقارنة والتي تواجههم مصاعب الحصول علي بيانات مماثلة علي فترات طويلة من الزمن (تغطي الدراسة تطورات اسواق المال في كلتا الدولتين محل البحث علي مدار القرن العشرين حتي تاريخه) هو ما يتلخص في جملة مختصرة تسترجعها من خلال قراءتها وردت علي لسان فراي (1995) وهي الفضول حول العالم الذي نحياه (وليس من خلال العلاقات التقليدية المتعارف عليها بين العامة) ورغبة عارمة للاضافة والتجويد كما تتمني الكاتبة في آخر جملة لها أن تكون قد قدمت فائدة ما ولو يسيرة في الاتجاه نحو علم الاصلاح ومنتوجاته. واخذا في الاعتبار حجم الكتاب ودقة تفصيلاته فان الدكتورة ضحي عبد الحميد تقدم من خلال هذا الكتاب دراسة نظرية وتطبيقية متطورة في ادارة العولمة ترتكز علي دراسة متعمقة لنظريات العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانون ويتضح من اطروحاتها انه مع ازدياد طوفان العولمة والتنافسية في الاسواق يتولد دافع غير منظور للتنافسية فيما بين منظمي هذه الاسواق من الجدير بالذكر ان هذه لعلاقة المستترة لم تتضمنها ادبيات الاقتصاد التنظيمي من قبل علي نطاق واسع ومن هنا فان الكاتبة قد قدمت رؤية جديدة ومهمة من خلال القاء الضوء علي قوة دفع قوية في مجال الاقتصاد السياسي الدولي ويقول هذا الكتاب الكثير لقطاع الاعمال والمستهلكين وواضعي السياسات والذين عليهم جميعا ان يدركوا الحاجة الماسة للتطويع والاصلاح في ظل تزايد التنافسية التنظيمية في الاقتصاديات المالية في عالم بلا جدران. الكتاب: التنافسية القانونية في الاقتصادات المفتوحة أثر تجديد أسواق المال في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة المؤلف: د. ضحي عبد الحميد