تواجه السلطات النقدية المسئولة في مصر تحديات خلال الفترة المقبلة تتعلق بكيفية تعاملها مع الآثار الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم محليا وعالميا والتي تدفع بالبنوك المركزية العالمية نحو إجراء مزيد من رفع سعر الفائدة علي العملات الرئيسية. وفي الوقت الذي يؤكد فيه العديد من المحللين قدرة البنك المركزي المصري علي التعامل مع التحديات الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم محليا حتي لو بلغ 4.8% إلا أن هؤلاء المحللين يقللون من فاعلية هذه القدرة في حالة الحديث عن الضغوط التضخمية التي تعاني منها اقتصاديات الدول الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان. وكانت العديد من البنوك المركزية العالمية قد رفعت أسعار الفائدة لديها عدة مرات خلال عامي 2005 و2006 لاستيعاب الضغوط التضخمية لديها إلا أن هذا الاتجاه مرشح للتصاعد في الفترة المقبلة وهو ما يضع تحديات أمام البنك المركزي المصري والبنوك العاملة في السوق. ويبرز أهم تحدي في ارتفاع أسعار الفائدة علي الدولار الأمريكي والذي يزيد في بعض البنوك المصرية حاليا عن أسعار الفائدة الممنوحة علي الجنيه المصري وهو ما قد يشجع بعض المودعين نحو "قلب" ودائعهم من الجنيه إلي الدولار وهو ما يعرف باسم "الدولرة" وطبقا لأحدث البيانات فإن هناك بنوكاً تمنح عائدا علي الودائع بالدولار تزيد عن 5% في الوقت الذي تمنح فيه بنوكا عائدا علي الودائع بالجنيه نقل عن هذا الرقم: والخطير في الأمر هنا كما يري بعض المحللين هو استمرار بعض البنوك العاملة في مصر تطبيق سياسة خفض أسعار الفائدة علي الودائع بالعملة المحلية لديها بسبب توافر سيولة ضخمةلديها غير موظفة وفي المقابل قيام هذه البنوك برفع أسعار الفائدة علي الدولار تماشيا مع الاسعار العالمية وهو ما يمكن أن ينعكس سلبيا في النهاية علي الاستقرار الحالي في سوق الصرف. والخطير أيضا هو ظهور تصريحات قوية من قبل كبار مسئولي البنوك المركزية العالمية بإجراء زيادات مستقبلية لأسعار الفائدة علي العملات الرئيسية لديها في حالة استمرار معدل التضخم في التصاعد. وعلي الرغم من وجود توقعات بقيام البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة لاستيعاب الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم في مصر إلي 8.4% نهاية شهر يوليو الماضي إلا أن كثيرا من المحللين يطالبون السلطة النقدية باعداد خطة يمكن من خلالها استيعاب أي مشكلات محتملة في سوق الصرف في حالة عدم تجاوب البنوك مع اتجاه رفع أسعار الفائدة كمايتم من خلالها استيعاب أي مشكلات قد ترتب عن زيادة معدل "الدولرة" داخل السوق. وفي رأي هؤلاء المحللين فإن السوق في حاجة لأدوات استثمارية جاذبة للبنوك وعملائها معا. ورغم أن كثيرين لا يستطيعون التكهن بالتطورات المرتقبة داخل سوق الصرف المصري خلال الفترة المقبلة إلا أن البنك الأهلي المصري كشف في تقرير حديث له عن أن هذا الغموض لا يقتصر فقط علي السوق المصري وإنما يطول أيضا الاسواق العالمية الكبري ففي ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية يصعب التكهن بما ستسفر عنه الشهور المقبلة بشأن اسعار الفائدة العالمية، ويضيف البنك في تقريره بأنه علي الرغم من وجود توقعات باستقرار معدلات التضخم في الدول الصناعية خلال عام ،2006 إلا أن هذا التوقع يشوبه مزيدا من الحذر، بل ان مستوي التضخم الحالي في أغلب الدول الصناعية مازال فوق المستوي المقبول، ومن ثم يبدو الطريق ممهدا أمام اسعار الفائدة العالمية لتحقيق مزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة. وعلي الرغم من ان الدول الصناعية المتقدمة شهدت خلال عام 2005 تراجعا في معدل النمو الاقتصادي وارتفاعا في معدلات التضخم. وعلي الرغم كذلك من التوقعات التي تشير إلي تحسن النمو الاقتصادي نسبيا واستقرار معدلات التضخم خلال عام ،2006 إلا أن تحقق هذه التوقعات يتوقف بدرجة كبيرة علي تحسن المناخ الاقتصادي والسياسي العالمي، واستقرار اسعار البترول وهي أمور يصعب التكهن بها في الوقت الحالي. وكان مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي "المركز الأمريكي" قد أبدي تجاوبا مع ارتفاع معدل التضخم في الاتجاه نحو تبني سياسة نقدية أكثر تشددا، حيث قام برفع سعر الفائدة للمرة السابعة عشر بربع نقطة في يونيو 2006 ليبلغ 5.25%، وكان البنك الفيدرالي قد بدأ الرفع المتتالي لاسعار الفائدة منذ يونيو ،2004 وذلك لمحاربة الضغوط التضخمية ولمساندة العملة الأمريكية التي انخفضت قيمتها كثيرا خلال الفترة السابقة. وعلي الرغم من توجهات البنك الفيدرالي الأمريكي نحو رفع سعر الفائدة منذ عام ،2004 إلا انه من المتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة تباطؤاً في هذا الاتجاه، وذلك خشية دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة تباطؤ مما يعمق من مشاكله المتعلقة بارتفاع معدلات البطالة والعجز الجاري المتزايد في ميزان المدفوعات. ومن أهم المخاطر التي تواجه السلطات النقدية في شأن استمرار سياسة رفع اسعار الفائدة هو ارتفاع اسعار العقارات، وارتفاع اعباء الديون علي المستهلكين وتراجع القوة الشرائية، وهو الأمر الذي دعا الكثير من المحللين إلي الجزم بأن سياسة رفع اسعار الفائدة قد أوشكت علي الانتهاء. أما فيما يتعلق بسياسة البنك المركزي الأوروبي في هذا المجال فقد بدأ في تبني سياسة نقدية تهدف إلي رفع تدريجي لسعر الفائدة والتي سجلت ارتفاعا ثلاث مرات في ديسمبر ،2005 وفي مارس ،2006 وفي يونيو 2006 بواقع ربع نقطة في كل مرة ليبلغ 2.75%، وقد جاء هذا الرفع بعد نحو 30 شهرا من الاستقرار في اسعار الفائدة. وتعكس قرارات البنك المركزي الأوروبي الآلية التي تقوم عليها سياسته النقدية، حيث تركز بدرجة كبيرة علي استقرار معدل التضخم في الأجلين القصير والمتوسط خاصة بعدما ارتفع إلي نحو 2.2%. ومن المتوقع ان يواصل البنك المركزي الأوربي سياسة رفع اسعار الفائدة لتصل إلي نحو 3.25% في نهاية عام 2006 متأثرا في ذلك بارتفاع اسعار البترول وهو ما يزيد من مخاطر الضغوط التضخمية علي الاقتصاد الأوروبي. وبالنسبة للبنك المركزي الياباني فقد قام برفع اسعار الفائدة للمرة الأولي منذ 6 سنوات لتسجل 0.25%، وهذا التوجه كان متوقعا من قبل الكثير من المحللين خاصة في ظل البيانات الإيجابية بشأن النمو الاقتصادي وكل من اسعار المستهلكين واسعار الجملة، وهو ما يشير إلي ان الاقتصاد الياباني قد بدأ الخروج من حالة الركود التي لازمته لفترة طويلة. أما فيما يتعلق ببنك انجلترا فقد قام بتثبيت سعر الفائدة الاساسي عند مستوي 4.5%، وذلك بعد آخر خفض أجراه في أغسطس 2005 بمقدار ربع نقطة، وعلي الرغم من ارتفاع معدل التضخم خلال عام 2005 مسجلا 2.1% مقابل 1.3% في عام ،2004 إلا انه من المتوقع ان يرفع بنك انجلترا سعر الفائدة الاساسي بمقدار ربع نقطة خلال الربع الثالث من عام 2006 ليصل إلي نحو 4.75% وذلك بعد ارتفاع معدل التضخم لاسعار المواد الاستهلاكية في يونيه 2006 إلي نحو 2.5% وهو أعلي مستوي له منذ عام ،1997 بل ويعد أعلي كثيرا من المستوي الذي يستهدفه بنك انجلترا عند 2%. وعلي مستوي الدول المتقدمة الأخري، فقد رفعت اغلب البنوك المركزية علي المستوي العالمي اسعار الفائدة علي عملاتها نظرا للعديد من المخاطر التي من اهمها ارتفاع اسعار البترول وارتفاع اسعار العقارات والخوف من المخاطر التضخمية المستقبلية. فعلي سبيل المثال رفع البنك المركزي الكندي سعر الفائدة 6 مرات متتالية ليرتفع من 2.5% في سبتمبر 2005 إلي 4% في أبريل 2006 وذلك تجاوبا مع ارتفاع معدل التضخم، وكذلك رفع البنك المركزي النرويجي سعر الفائدة ليصل إلي 2.5% في مارس 2006 مقابل 2.25% في نهاية عام 2005.