منذ نحو 6 سنوات أو أكثر قليلا قال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون إن الصين لن تنجح في تقييد ما يتيحه الانترنت من حرية.. وقال كثيرون غيره إن الانترنت ستكون وسيلة كبري لإشاعة الحرية والديمقراطية في العالم وأنها يمكن أن تستخدم كسلاح ضد النظم القمعية، ولكن يبدو أن هذه النبوءات جميعا قد ذهبت أدراج الرياح خصوصا مع نمو وتطور تقنيات مراقبة الانترنت التي جعلت منها درعا واقية للنظم القمعية لا سيفا مصلتا عليها. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن مؤسسة كارينجي إندومنت فور إنترناشيونال بيس كشفت في تقرير لها عام 2003 أن النظام الصيني نجح في توظيف الانترنت لحسابه واستخدامها في كشف ومطاردة نشطاء المعارضة الصينية.. وأثناء جلسات استماع عقدها الكونجرس في فبراير من العام الحالي تبين أن شركات الانترنت الأمريكية وعلي رأسها جوجل وياهوو ضالعة في مساعدة السلطات الصينية من أجل ضبط نشاط المعارضة بل وتقديم أدلة الاتهام ضدهم في كثير من الأحيان.. ويقول النائب الجمهوري كريستوفر سميث إن الانترنت تحولت إلي أداة خبيثة وماكرة بل وإلي مطرقة للقمع. وقد اشتركت شركات الانترنت سيسكو وجوجل ومايكروسوفت وياهوو في جلسات الاستماع المذكورة.. واعترفت مايكروسوفت علي سبيل المثال بأنها ألغت بناء علي طلب السلطات الصينية موقعا مهما كان معلقا علي بوابتها.. واعترفت ياهوو بأنها قدمت إلي السلطات الصينية معلومات ساعدتها في القبض علي أحد نشطاء المعارضة ومحاكمته.. وفي حالة أخري قدمت ياهوو مسودة رسالة بريد الكتروني كان أحد النشطاء يحاول إرسالها للناس واستخدمت هذه المسودة كدليل إدانة أثناء محاكمة الرجل.. وبطبيعة الحال فإن شركات الانترنت الأمريكية تدين سياسة القمع ولكنها تدعي أنها فعلت ما فعلته انصياعا للقانون الصيني. والحقيقة أن استخدام الانترنت صار منتشرا في الصين علي نطاق واسع جدا خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة وبلغ عدد أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بالانترنت 6.45 مليون جهاز، أما عدد مستخدمي الانترنت فقد زاد بنسبة 75% عما كان عليه عام 2002 ليصبح 111 مليون مستخدم وبذلك تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية من حيث عدد مستخدمي الانترنت علي مستوي العالم كله.. وأكثر من ذلك فإن نصف هؤلاء لديهم وصلات عريضة النطاق بعد أن كانت نسبة من لديهم هذه الوصلات عام 2002 لا يتجاوز 6.6% من المستخدمين. ويستمر حديث الأرقام فنجد أن عدد مستخدمي الكمبيوتر الذين يلجأون إلي تبادل الرسائل فيما بينهم مباشرة قد زاد إلي أكثر من الضعف منذ عام 2002 ليصبح 87 مليون شخص.. كما أن اَلات الانترنت البحيثة تتلقي من الصينيين يوميا 360 مليون طلب بحث.. ولا يقتصر الأمر علي الانترنت بل تخطاه إلي التليفون المحمول حيث صارت الرسائل القصيرة أداة أخري من أدوات نشطاء المعارضة.. وقد بلغ عدد المشتركين في شبكات التليفون المحمول في الصين مع نهاية العام الماضي 393 مليون مشترك بزيادة 200 مليون مشترك عن نهاية عام 2002 وبذلك صارت الصين أكبر سوق في العالم للتليفون المحمول حتي من الولاياتالمتحدة ذاتها. وعندما يتم ترسية عطاء أول شبكة من الجيل الثالث للتليفون المحمول في العام القادم سيمكن للناس في مختلف أنحاء الصين الاتصال بالانترنت عن طريق التليفون المحمول خصوصا مع نمو الطبقة المتوسطة الصينية وانتشارها في مختلف المقاطعات. وتجدر الإشارة إلي أن الصين تستخدم 30 ألف مراقب علي الانترنت للتنصت علي مواقع الشبكة وذلك حسب تقديرات جماعات حقوق الإنسان الأجنبية، وقد نجحت السلطات الصينية حتي الاَن في تعقب وسجن 50 شخصا علي الأقل من نشطاء المعارضة بتهمة التعبير عن اَراء علي الانترنت أو عبر رسائل الموبايل تناهض النظام الحاكم في الصين. وتقول الإيكونوميست إن السلطات الصينية في تعقبها للقوي الجديدة التي يطلقها النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع هناك قد أحكمت رقابتها ليس علي الانترنت ورسائل الموبايل فحسب وإنما علي مجمل أجهزة الميديا الأخري من إذاعة وتليفزيون وصحافة. بقي أن نقول إن ممالأة شركات الانترنت الأمريكية للسلطات الصينية بحثا عن الانتشار والربح لم تفدها كثيرا.. وعلي سبيل المثال فقد قامت شركة جوجل بإنشاء نسخة مراقبة من اَلتها البحثية الشهيرة للعمل بها في المواقع الصينية ومع ذلك فإن اَلة البحث الصينية المعروفة باسم بايدو Baidu تستحوذ وحدها علي 56% من سوق البحث علي الانترنت في الصين أما جوجل فنصيبها لا يتجاوز ال 30% من هذا السوق.