جوجل تهدد بالانسحاب من الصين خبر قد يبدو للوهلة الاولي خبرا عاديا ذا طابع تكنولوجي واقتصادي. ولكن حقيقة الامر ان الخبر فجر الكثير من القضايا السياسية بل والفلسفية من أهمها. هل ستؤدي الأزمة بين جوجل والصين إلي تفاقم التوتر بين واشنطنوبكين؟ وهل سيتم اسناد دور جديد لتكنولوجيا المعلومات علي صعيد السياسة الخارجية؟ ومامدي صحة الاعتقاد النظري بأن الانترنت يستطيع ان يكون قوي داعمة للتحرير داخل البلدان التي ترزح تحت الحكم الديكتاتوري؟ بدأت الأزمة بين جوجل والصين عندما أعلن محرك البحث الاشهر والاكثر شعبية في العالم مؤخرا انه يفكر في الانسحاب من الصين احتجاجا علي تعرض خدماته للعديد من محاولات الاختراق من قبل الصينيين بشكل دوري, مشيرا إلي ان الهجمات الالكترونية فيما يعرف بعمليات القرصنة كانت تستهدف بالاساس البريد الالكتروني لناشطين صينيين في مجال حقوق الانسان. وأوضحت الشركة في بيان لها أنها لم تعد قادرة علي العمل تحت قيود الرقابة التي تفرضها بكين علي محرك البحث في الصين. وكما هو متوقع لم تبد الصين أي استعداد لتقديم تنازلات فيما يتعلق بالرقابة, ولم تخرج تعليقاتها الرسمية عن التأكيد علي تشجيع بكين للانترنت وان القانون الصيني يمنع أي شكل من أشكال القرصنة, مشيرة إلي ان الصين نفسها كانت ضحية لهجمات القرصنة. أما رد الفعل الامريكي فقد جاء أكثر حسما ووضوحا مما جعل بعض الخبراء يصفون الازمة بين جوجل والصين بأنها الحلقة الجديدة في مسلسل التوتر بين واشنطن والصين, والذي يضم خلافات حول الميزان التجاري والمناخ ومبيعات الاسلحة لتايوان وملف حقوق الانسان. فقد سارعت ادارة الرئيس أوباما للدفاع عن شركة جوجل, حيث أكد المتحدث باسم الرئاسة دعم أوباما الكامل لحرية الانترنت, كما طالبت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية الصين بتقديم تفسير فيما يتعلق بالاختراقات المذكورة, مؤكدة ان القدرة علي العمل بثقة في مجال الانترنت يعد من الامور بالغة الاهمية في العصر الحديث. رد الفعل الامريكي الداعم لجوجل دفع بعض المراقبين للتساؤل حول ما اذا كانت الحكومة الامريكية تسعي حاليا لاستخدام كبري شركات التكنولوجيا كعامل منفذ لسياستها الخارجية؟ وهو ما يقود إلي سؤال آخر خاص بمدي الصلة بين الانترنت والحرية؟ وهنا لابد لنا من العودة إلي الوراء قليلا عندما أسست الشركة فرع جوجل في الصين في عام2006, حيث وافقت حينذاك علي الالتزام بمطالب الحكومة الصينية بفرض قيود علي نتائج البحث التي يستطيع مستخدمو الانترنت في الصين رؤيتها خاصة فيما يتعلق ببعض الموضوعات الحساسة مثل مظاهرات تيان ان مين والدالاي لاما.. وحاولت الشركة حينذاك الدفاع عن قرارها بالعمل في الصين والرد علي منتقديها بقولها انها تخوض هذه التجربة ب أعين مفتوحة وانها لن تتخلي ابدا عن المبدأ الذي تتخذه شعارا لها وهو لاتكن شريرا كما حاولت تبرير رغبتها في اقتحام السوق الصينية( أكثر من384 مليون مستخدم مما يمثل اكبر سوق للانترنت في العالم) بترديد الاعتقاد النظري الذي يتبناه الكثيرون, والذي يفيد بأن شبكة الانترنت قادرة علي تحدي محاولات الدول المستبدة لخنق المعلومات, وان تذوق لو جزءا بسيطا من الانفتاح الغربي كفيل بفتح شهية المواطنين في تلك الدول للحصول علي مزيد من الحريات وبالتالي ممارسة المزيد من الضغوط علي الانظمة الحاكمة, ويلخص أحد المحللين السياسيين بصحيفة الأوبزرفر البريطانية هذه النظرية بقوله: كان من المفترض أن تصبح تكنولوجيا المعلومات بمثابة حصان طروادة داخل الدول ذات الانظمة الديكتاتورية. ومما لاشك فيه ان تكنولوجيا المعلومات قد نجحت في بعض الاحيان في تخطي اسوار التعتيم والظلم التي تفرضها الانظمة المستبدة وفضح الانتهاكات التي ترتكبها امام العالم كما حدث في عام2007, عندما استخدمت كاميرات المحمول لتصوير قمع النظام العسكري الحاكم في ميامار( بورما سابقا) للمظاهرات المطالبة بالديمقراطية, وتم بثها علي الانترنت, وهو ما تكرر العام في الماضي ايران عقب الانتخابات. نعم ربما تستطيع تكنولوجيا المعلومات في بعض الاحيان القفز فوق الاسوار, ولكنها لاتزال عاجزة عن تدميرها, فهي في الاول والآخر مجرد أداة تخدم اهداف من يمسك بها, بمعني انه يمكن استخدام الانترنت لتحدي الانظمة القمعية وفضحها واحراجها, او يمكن استخدامه لتعزيز سلطتها, فعلي سبيل المثال هناك مقابل كل مدون أو ناشط يحاول ممارسة حرية التعبير أو التمرد علي النظام الظالم العشرات من قراصنة الكمبيوتر, الموالين للدولة الذين يقتحمون أجهزة الكمبيوتر ويتلصصون علي البريد الالكتروني!