الأرقام الحديثة الصادرة عن البنك المركزي تقول إن هناك مشكلة باتت تواجه القطاع المصرفي وهو زيادة معدلات نمو الودائع مع حدوث نمو بطيء في نشاط الاقراض وأحياناً نمواً سلبياً، وهذا الأمر يمثل قلقاً لصانع السياسة النقدية. وفي رأي المحللين فإن هذا الوضع الشاذ يرجع لعدة أسباب أبرزها: * ضعف الفرص الاستثمارية المتاحة أمام القطاع المصرفي، وهو ما يدفعها إلي توجيه أموالها للأدوات الصادرة عن الحكومة والبنك المركزي وعلي رأسها السندات وأذون الخزانة والصكوك. * نجاح بعض البنوك في استرداد جانب من المديونيات المتعثرة المستحقة علي عملائها، وهو ما رفع الودائع علي حساب التوظيف. * عدم وجود فرص استثمارية مناسبة في السوق وهو ما يدفع تجاه الإقبال المتزايد من الأفراد إلي إيداع أموالهم في البنوك وعدم تحمل المخاطر. إزاء هذا الوضع وجدنا أن حجم الودائع بالبنوك يقفز إلي 542.5 مليار جنيه نهاية ديسمبر الماضي بزيادة نحو 21 مليار جنيه خلال 6 شهور. وفي المقابل أرتفعت القروض الممنوحة من البنوك لعملائها إلي 315.2 مليار جنيه بزيادة تقل عن 9 مليارات جنيه. بل ان أحدث تقرير للبنك المركزي يرصد تراجع في معدل الائتمان الممنوح من البنوك خلال شهر يناير الماضي. * الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تزداد حصة بنوك القطاع الخاص داخل السوق، نجد أن بنوك القطاع العام تسجل زيادة في حجم الودائع لديها، وربما يبرر ذلك عدة أمور منها عدم إقدام بنوك الدولة علي إجراء خفض كبير في أسعار الفائدة يعادل الخفض الذي أجرته البنوك الخاصة، وربما يرجع أيضاً إلي إصدار البنوك العامة لأوعية ذات أسعار فائدة عالية سواء لصالحها أو لصالح البنك المركزي مثل شهادتي البلاتينية والتميز اللذين يصدرهما بنكا الأهلي ومصر. * بالأرقام يشير أحمد آدم المحلل المالي والمدير بأحد البنوك إلي أن حصة البنوك العامة من إجمالي حجم الودائع لدي القطاع المصرفي ارتفعت من 55% عام 2004 إلي 57% عام ،2005 بل ان البنك الأهلي حقق معدل نمو فاق 27.5% في ودائع العملاء، في حين حقق بنك مصر 16.16% والقاهرة 1% فقط، أما بنك الإسكندرية فكان الاستثناء حيث حقق معدل نمو سلبي في ودائع العملاء قدره 1.5%، وبالأرقام أيضاً فإن إجمالي ودائع العملاء بالبنوك العامة الأربعة بلغ عام 2004 ما قدره 255.3 مليار جنيه زاد عام 2005 ليصل إلي 297.2 مليار جنيه، وتعود تلك الزيادة التي أثرت إيجاباً علي الحصة السوقية لتلك البنوك إلي البنك الأهلي وللزيادة غير المسبوقة والتي حققها بودائعه التي بلغت 29 مليار جنيه كما بلغت الزيادة بودائع بنك مصر خلال عام 2005 ما قدره 13.13 مليار جنيه. وتعود الزيادة الضخمة بودائع البنك الأهلي إلي تميز الإدارة المسئولة عن الأوعية الإدخارية لديه والتي قفزت بالرصيد القاذم لشهادات الإدخار من 13.1 مليار جنيه عام 2004 إلي 38.3 مليار جنيه عام 2005 وبزيادة قدرها 25.2 مليار جنيه خلال عام واحد، مع ضرورة الإشارة إلي ان أرقام شهادات الإدخار بالبنك الأهلي قفزت بصورة مدهشة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بعد أن كان بنك مصر يتفوق حتي عام 2001 في حجم هذا النوع من الودائع عن البنك الأهلي. وكان البنك المركزي المصري قد أعطي هذا النوع من الودائع ميزة بعدم خصم نسبة الاحتياطي "14%" من أرصدتها لتحفيز البنوك علي الاهتمام بإصدارها نظراً لأنها مصدر مهم للتمويل متوسط وطويل الأمد وذلك لإحداث نوع من التوازن فيما بين الأصول والخصوم بالجهاز المصرفي المصري لمقابلة التأثيرات السلبية لظاهرة التعثر والتي حولت جزءاً كبيراً من القروض طويلة الأمد وهي سياسة نجح فيها البنك المركزي لحد كبير. الظاهرة الثانية التي يرصدها آدم تمثلت في ارتفاع معدل العائد المدفوع علي ودائع العملاء والبنوك، فعلي الرغم من الانخفاض المستمر في أسعار الفائدة علي الودائع إلا أن معدل العائد المدفوع ارتفع في جميع بنوك القطاع التجارية الأربعة وذلك لأسباب أهمها: * انخفاض نسبة الودائع غير المكلفة والمقصود بهذه الودائع هي الحسابات الجارية وكذلك الودائع الأخري "غطاء الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان" وقد انخفضت نسبة تلك الودائع بالبنك الأهلي من 10% إلي 8% وبنك مصر من 8% إلي 7.7% وبنك القاهرة من 12% إلي 11.8% بينما حافظ بنك الإسكندرية علي نسبة تلك الودائع عند 7%. وانخفاض نسبة تلك الودائع يعود لانخفاض حجم الحسابات النظامية فقد انخفضت ببنك مصر من 8.5 مليار جنيه إلي 6.7 مليار جنيه وبنك القاهرة من 6.8 مليار جنيه إلي 5.9 مليار جنيه وببنك الإسكندرية من 4.00 مليار جنيه إلي 3.6 مليار جنيه. بينما حقق البنك الأهلي ارتفاعاً في حجم الحسابات النظامية من 87.3 مليار جنيه إلي 97.9 مليار جنيه وذلك بسبب ان البنك الأهلي يقوم بفتح الاعتمادات واصدار خطابات الضمان للجهات الحكومية وللوزارات المختصة بتوفير السلع الاستراتيجية.