في ممارسة هي الأولي من نوعها منذ تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية في 11 فبراير 2011 ، طرح المجلس في مايو الماضي مشروع القانون الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب للنقاش العام، ورحبت الأحزاب والقوي السياسية وائتلافات الشباب ورجال القانون بهذه الممارسة وعدوله عن الانفراد بإصدار قرارات ومراسيم بقوانين أساسية تحدد مستقبل الحياة السياسية في مصر، وعكفت الأحزاب والقوي السياسية علي دراسة قوانين الانتخابات والمشروع المطروح من المجلس الأعلي للقوات المسلحة وانتهت إلي إعداد مشروع قانون جديد في شأن مجلس الشعب تقدمت به إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس الوزراء فاجأ المجلس الأعلي للقوات المسلحة الرأي العام والأحزاب والقوي السياسية وائتلافات الشباب والحركات السياسية يوم الأربعاء الماضي (20يوليو2011) بإصدار ثلاثة مراسيم بتعديل قوانين مجلسي الشعب والشوري ومباشرة الحقوق السياسية ، متجاهلاً تماماً ما أجمعت عليه الأحزاب والقوي والجماعات السياسية . أصدر المجلس مرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 28 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب . ومرسوم بقانون رقم 109 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشوري . ومرسوم بقانون رقم 110 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية . ورغم وجود عدد من الملاحظات الايجابية في التعديلات مثل استبدال وزارة الداخلية ومديرية الأمن ووزير العدل ووزير الداخلية في عدد من مواد القانون رقم 28 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب ، باللجنة العليا للانتخابات ولجنة الانتخابات بالمحافظة ومجلس القضاء الأعلي ، أي تولي العملية الانتخابية هيئات قضائية ولجان مشكلة من قضاة وتتمتع بالاستقلال والحيدة بدلاً من السلطة التنفيذية . ومنحت التعديلات في المادة 20 المعدلة محكمة النقض سلطة الفصل النهائي في صحة عضوية مجلس الشعب بعد أن كان القانون يقصر دورها علي تقديم تقرير بالرأي للمجلس.. وتخفيض سن المرشح من 30 عاماً ميلادياً إلي 25 عاماً علي الأقل يوم الانتخاب ( المادة الخامسة).. وتقصر المادة التاسعة مكرراً (ب) المضافة الطعن علي قرار اللجنة الخاصة بالفصل في طلبات المرشحين علي محكمة القضاء الإداري، وتنص علي عدم جواز وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - ولو تم الاستشكال في تنفيذه أمام إي جهة - إلا إذا قررت المحكمة الإدارية العليا وقف التنفيذ عند الطعن علي الحكم .. إلا أن التعديلات التي أصدرها المجلس الأعلي للقوات المسلحة تتضمن سلبيات خطيرة ، تجعل عدم قبولها والمطالبة بإلغائها وإصدار تعديلات جديدة أمراً واجباً . فالتعديلات أبقت علي تعريف العامل والفلاح الوارد من المادة 2 من القانون ، والذي أدي إلي احتلال لواءات شرطة وقوات مسلحة سابقين وأساتذة جامعات مهنيين ، وسفراء وقضاة سابقين ، لمقاعد العمال والفلاحين (50%) . وجاء تعديل المادة الثالثة والجمع بين نظامي الانتخاب بالمقاعد الفردية والقوائم النسبية المغلقة مناصفة ، أي 50% لكل منهما (252 فردي و 252 قوائم ) لينشأ نظام إنتخابي مختلط لا يستند إلي أي منطق أو ضرورة . فنظام المقاعد الفردية وإن كان يتميز بمعرفة الناخبين لشخص المرشح وقربه لهم وقدرته علي الاتصال المباشر وعرض مشاكلهم عليه وقدرته علي الإلمام بها ، إلا أنه يعطي السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح والعوامل التقليدية من انتماء لعائلة أو قبيلة أو عشيرة ، أو كونه ابن قرية أو مدينة معينة ، ولقدرات المرشح المالية ، ومدي نجاحه في تقديم الخدمات المحلية والشخصية علي حساب البرامج والأحزاب والمشاكل العامة والقومية والمصالح العامة التي تغيب عن المعركة الانتخابية ، خاصة إذا كان المرشح ( أو النائب ) مستقل ولا ينتمي لحزب له برنامجه المعروف ومواقفه من قضايا الوطن والقضايا العامة . ولا يغير من هذه الحقائق كون نظام الانتخاب الفردي هو أقدم النظم المعروفة وأخذت به انجلترا منذ تأسيس البرلمان الانجليزي عام 1265 ، وهو النظام الذي عرفته مصر منذ دستور عام 1923 عدا فترات محدودة في تاريخها . أما نظام القائمة النسبية فقد عرف منذ نهاية القرن التاسع عشر وتبنته تدريجياً أغلب دول أوربا . وهدف هذا النظام ضمان حصول كل قائمة علي عدد من المقاعد في البرلمان يتناسب مع نسبة الأصوات التي حصلت عليها في انتخابات ، وبالتالي عدم أهدار أي صوت علي عكس النظام الفردي الذي يهدر 49% من الأصوات . وقد حقق هذا نجاحاً في سويسرا والدول الاسكندنافية ، رغم نتائجه السلبية في ألمانيا (1919 - 1933) وايطاليا وفرنسا (1945 - 1956) . ويحقق نظام القائمة النسبية العدالة ويتيح تمثيلاً لجميع الأحزاب والقوي المتنافسة ، سواء كانت القائمة علي مستوي الوطن ككل أو علي مستوي الدوائر الكبيرة ، ويكاد يختفي في ظله تكبير نجاح الأغلبية وتكبير فشل الأقلية ، ويعطي الثقل في المعركة الانتخابية للبرامج والأحزاب والقوي السياسية بدلاً من المميزات الشخصية للمرشح والعوامل التقليدية والمال . ويركز نقاد نظام القوائم النسبية علي تأثيره علي عدد وهياكل الأحزاب السياسية ، بمقولة أنه يؤدي بالضرورة إلي تعدد الأحزاب السياسية ، ويعطي كل منها تركيباً داخلياً يأخذ شكل الكتلة الموحدة المتدرجة هرمياً والمنظمة للغاية والخاضعة لسلطة القادة القوميين للحزب حتي لو كان هؤلاء منتخبين بطريقة ديمقراطية .. ويتم انتخاب النواب علي ضوء ترتيبهم في القائمة المقدمة للناخبين ولا ينجح إلا المرشحون الذين ترد أسماؤهم علي رأس القائمة طبقاً لقرار قادة الحزب الذين يتولون ترتيب الأسماء في القائمة . وقد يحول نظام القوائم النسبية دون حصول أي حزب أو تحالف حزبي علي أغلبية برلمانية ، مما يؤدي إلي عدم الاستقرار وجمود في سياسة الحكومة . أما النظام المختلط فهو نظام يجمع بين نظام القوائم النسبية ونظام الانتخاب الفردي ، والنموذج المعروف له هو النموذج المطبق في جمهورية ألمانيا الفيدرالية منذ عام 1949 ، ويتم انتخاب نصف أعضاء "البوندستاج" بنظام الدوائر الفردية بالأغلبية علي دور واحد (الحاصل علي أعلي الأصوات) . ولا يحق للأحزاب الاشتراك في توزيع المقاعد علي أساس التمثيل النسبي إلا إذا توافر لديها شرطان الأول الحصول علي 5%من الأصوات الصحيحة علي مستوي الدولة الفيدرالية كلها ، والثاني الحصول علي ثلاثة مقاعد علي الأقل في انتخاب الدوائر الفردية . وفي حالة عدم تحقيق الحزب لأحد الشرطين فإنه لا يحصل علي أي مقعد عند توزيع المقاعد الخاصة بالقوائم النسبية . وقد حقق هذا النظام نجاحاً ملحوظاً في ألمانيا وحقق الاستقرار وتمثيلا حقيقيا للقوي السياسية . ويتجاهل هؤلاء مجموعة من الحقائق التي تجعل نجاح مثل هذا النظام أمرا مشكوكاً فيه إذا طبق في مصر . فألمانيا أخذت بهذا النظام المختلط بهدف ضمان تمثيل كل الولايات ، حيث ألمانيا دولة فيدرالية . ومصر علي العكس دولة بسيطة موحدة ومركزية ولا توجد فيها ولايات أو جمهوريات . وحرية تكوين الأحزاب مطلقة في ألمانيا ولا توجد أي عقبات او قيود علي قيامها كذلك حريتها في الحركة والنشاط والتواصل مع الرأي العام والمواطنين ، بينما تعاني مصر قيودا مانعة لقيام أحزاب حقيقية رغم التعديلات الأخيرة علي قانون الأحزاب. والطعن بعدم دستورية هذا النظام أمر وارد رغم النص في التعديل الدستوري الأخير علي جواز أخذ القانون بنظام يجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم الحزبية ، فالمحكمة الدستورية في حكمها في 19 مايو 1990 بعدم دستورية بعض مواد القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 88 لسنة 1986 والتي تنص علي أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي ، أسست حكمها علي أن هذه التعديلات تعتبر قاطعة الدلالة علي ما قصد إليه المشروع من تحديده مقعداً واحداً لنظام الانتخاب الفردي في كل دائرة انتخابية يجري التنافس عليه بين المرشحين من أعضاء الاحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين لهذه الاحزاب ، ومن ثم فإن هذه المادة تكون بذاتها قد تضمن في صريح نصها إخلال حق المواطنين غير المنتمين لاحزاب سياسية في الترشيح علي قدم المساواة وعلي أساس من تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين في المعاملة القانونية وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية تمييزاً قائماً علي أساس اختلاف الآراء السياسية مما يشكل مخالفة للمواد "8 و 40 و 12" . ولا تزال المادتان 8 و 40 اللتان تنصان علي أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنون لدي القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة علي حاملها دون تغيير ، لا يزالان معمول بهما طبقاً للمادة السابعة من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس. والتمييز ضد غير المنتمين للأحزاب السياسية ( المستقلين ) واضح في نص المادة الثالثة من المرسوم الخاص بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشعب فأعضاء الأحزاب يستطيعون الترشيح علي القوائم الحزبية ( 58 دائرة تقدم 252 نائباً ) وفي الدوائر الفردية ( 126 دائرة تقدم 252 نائباً ) ، بينما «المستقلين» لا يستطيعون الترشيح إلا في الدوائر الفردية . وبالتالي فالطعن بعدم دستورية هذه المادة وارد تماماً . وتنطبق الملاحظة السابقة نفسها علي المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 109 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشوري . وتتطرق التعديلات إلي إلغاء تخصيص عدد من المقاعد للمرأة والذي أضيف في 15 يونيه 2009 إلي المادة الثالثة من القانون ونص علي " .. كما تقسم الي دوائر أخري لانتخاب 64 عضواً يقتصر الترشيح فيها علي المرأة ، ويكون ذلك لفصلين تشريعيين " ، فيما عرف ب " كوتة المرأة " . وتخصيص نسبة من مقاعد مجلس الشعب ( المجلس التشريعي ) للمرأة يتفق مع قاعدة دستورية معروفة ومطبقة في عدد من شمال أوربا وعدد من دول إفريقيا "التمييز الايجابي للطبقات الضعيفة" ، وأخذ به الدستور المصري منذ الستينيات بالنص علي تخصيص 50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين . وقد عارض حزب التجمع والقوي الديمقراطية " كوتة المرأة " كما تقررت في 2009 ، ليس اعتراضاً علي تخصيص نسبة من مقاعد مجلس الشعب للنساء ، ولكن لأن الطريقة التي تقررت أدت إلي اتساع دوائر المرأة لتصبح المحافظة غالباً دائرة واحدة وهو ما يجعل هذه الدوائر مخصصة عملياً لسيدات الأعمال ولعضوات الحزب الحاكم أو "هوانم الوطني" كما قيل في ذلك الحين . والحل ليس إلغاء تخصيص نسبة للمرأة في مقاعد مجلس الشعب كما يقترح مشروع القانون فهناك 81 دولة تنص علي تخصيص نسبة من المقاعد للمرأة ، ولكن تبني الاقتراح الذي سبق أن طرحه الحزب بان تتم انتخابات مجلس الشعب بنظام القائمة النسبية غير المشروطة والمنقوصة وأن تكون "نسبة كلا الجنسين لا تقل عن 30% لكل منهما" . النص في المادة 24 من المرسوم بقانون رقم 110 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، علي جواز "أن يرأس عضو الهيئة القضائية أكثر من لجنة فرعية وبما لا يجاوز ثلاث لجان علي أن يضمها جميعاً دون فواصل مقر واحد يتيح لرئيسها الإشراف عليها جميعاً " سيؤدي إلي فوضي عارمة . فسيكون هناك 12 صندوقاً ( 4 صناديق في كل لجنة ) وعلي كل صندوق 2 من أعضاء لجنة الانتخابات ، أي 24 من أعضاء اللجنة داخل المقر يضاف إليهم 24 من مندوبي المرشحين ( 8 كحد أقصي في كل لجنة ) في انتخابات مجلس الشعب ومثلهم في انتخابات مجلس الشوري.