زين العابدين فؤاد ليس شاعرا فحسب، بل أزعم أنه مؤسسة ثقافية سياسية اجتماعية متحركة في كل مكان، ورغم أنه يستعد للاحتفال بعيد ميلاده التاسع والستين في 22 أبريل القادم فإنه شاب بمعني الكلمة، بل يخجل الكثير من الشباب بحركته الدءوبة التي لا تنقطع ولا يتوقف إلا عندما يحل به التعب الشديد فيخلد للنوم بضع ساعات ولكنه لا يغلق أبدا هواتفه فهو مستعد دائما لتلبية طلب أي من أصدقائه أو زملائه أو من صحفيين وكتاب وشبان عاديين جدا سواء للإدلاء بحديث أو المشاركة في ندوة في أي مكان فهو علي استعداد دائم لا يتوقف لتلبية أي نوع من المشاركات السياسية والاجتماعية وعلي نفقته الخاصة، سواء كان ذلك في القاهرة أو في طنطا أو المنصورة أو دمنهور كما حدث معه خلال الأيام الأخيرة، فيما يستعد للسفر إلي أسوان بعد أيام قليلة للمشاركة في ندوة شعرية وسياسية. و«زين» يستحق أن يتوج ملكا «للحكي» فهو حكاء بامتياز يستولي علي عقول وقلوب ومشاعر سامعيه، حيث يتسلل إلي كل الأعمار والثقافات بسحر خاص، فتجد الجميع وقد أنصتوا وزين ينتقل من حكاية إلي أخري بسهولة منقطعة النظير، وبتشويق ساحر، فهو لا يكتفي كما حدث في اللقاء التليفزيوني الذي سافر من أجله إلي بيروت - وعلي نفقته أيضا - للحديث في برنامج «خليك بالبيت» مع الشاعر والمقدم التليفزيوني المعروف «زاهي وهبي» الذي حبس دموعه بالعافية حين لم يستطع زين أن يحبس دموعه علي الهواء مباشرة وهو يحكي عن شهيد الجامعة عام 1935 عبدالحكم الجراحي وقصة استشهاده وهو يتلقي الرصاص من جيش الاحتلال البريطاني ويحمل العلم إلي أن سقط، وفي المستشفي كتب رسالته الخالدة بدمه «أنا عبدالحكم الجراحي قتلت أحد جنود الاحتلال البريطاني الأغبياء.. عاشت مصر»، في هذه الحلقة تحدث زين باسم ثورة مصر وقدم من تصويره عشرات الصور لثورة 25 يناير، وفيديو لفرقة «اسكندريللا» الراقصة وهي تقدم أغاني الشيخ إمام وسيد درويش وأشعار «زين» وأحمد فؤاد نجم وفؤاد حداد وكانت إطلالة ما بعدها إطلالة علي ثورة 25 يناير. وفي دار الأوبرا أمس الأول تم عرض فيلم وثائقي من إنتاج قناة الجزيرة تحت اسم «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» تصوير المبدع عمرو بيومي، وهو الفيلم الذي اتخذ اسمه من واحدة من أشهر قصائد زين «اتجمعوا العشاق في سجن القلعة.. اتجمعوا العشاق في باب الخلق» وتنتهي بالمقطع الأشهر الذي أصبح عنوانا وشعارا للثورة «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر». والفيلم استعراض لجزء من حياة «زين» ويضم شهادات عدد من زملائه ورفاقه بينهم الشاعر الصديق حلمي سالم زميلنا أيام الجامعة والحركة الطلابية في السبعينيات، حيث حكي عن تجربة زين في بيروت أيام العدوان الإسرائيلي عام 1982 وكيف ساهما مع عدد من الفلسطينيين والمصريين واللبنانيين المقاومين من إصدار جريدة «المعركة»، وكيف كون مع المفتي الراحل عدلي فخري فرقة غنائية مقاومة تغني للثوار والمقاومين كل يوم عند كل المواقع وأشهر تلك الأغاني «علي بوابات بيروت». من جامعة القاهرة حب زين العابدين الأول والتي عاد إليها منذ أيام وهو في قمة سعادته يحكي لطلبة اليوم ثوار 25 يناير عن ثوار 1919 و1935 و1946 و1956 حيث استشهد أحد أشقاء زين وصولا إلي نكسة 1967 وانتصار 1973 حيث كتب زين وكان مجندا في القوات المسلحة المصرية قصيدة «الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكي.. ويغيروا الكاكي بتوب الدم».. وقد تم استدعاؤه من وحدته لإنقاذ القصيدة في احتفال أقيم بالاتحاد الاشتراكي وغضبت جيهان السادات حين قال زين «اتفجري يا مصر ضد الظلم.. ضد القهر.. ضد التتار» وصرخت جيهان مفيش ظلم، وتم حظر نشر أي قصيدة لزين وتم منعه من السفر. في بيت زين العابدين فقراء من المقطم قهوة برائحة مميزة كتب عنها قصيدة جميلة تحت عنوان «قهوة الصبح» حيث يمر عليه مع كوب القهوة الأصحاب والرفاق الذين رحلوا والذين يقاومون الرحيل بالحب والثورة من أجل البقاء بكرامة.. في هذا البيت وإنما أصدقاء جدد.. كل يوم يكتسب زين صديقا جديدا. في اليمن ذهب زين مرافقا لزوجته الصديقة الرائعة الجميلة «جوسين» فخاض تجربة رائعة في العمل مع الأطفال وأنشأ هناك أول مدرسة للرسم للأطفال، الذين أصدروا عديدا من الكتب وأقاموا معارض تحت اسم «الأطفال يرسمون حقوقهم» وسافر إليه الفنان الراحل الرائع بهجت عثمان وزوجته الفنانة الراحلة بدر حمادة للمساهمة في تعليم أطفال اليمن فن «العرائس» ولابد أن كثيرا من أطفال اليمن الذين تعلموا من زين كيفية التعبير عن حقوقهم هم الآن جزء من الثورة اليمنية. في لبنان وفي قرية «عرسال» كرر زين التجربة نفسها مع أطفال ضحايا الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، وأصبح له أهل وأصدقاء وأحباء ورفاق في «عرسال» وقري في جنوب لبنان والبغاغ. في معتقل القلعة الرهيب سنة 1979 وقد تم اعتقاله فجر 28 مارس يوم توقيع المعاهدة مع إسرائيل، ومع أول ضوء للصباح سمعت صوت الكاتب الراحل محمود حنفي ينادي باسم زين، وانتابتني فرحة هائلة واطمئنان كبير لوجود زين، فسارعت بالنداء عليه فرحب بي في القلعة، وبعد دقائق ومع ضوء الفجر غنينا من خلال قضبان زنازين القلعة «اتجمعوا العشاق في سجن القلعة.. اتجمعوا العشاق في باب الخلق.. والشمس غنوة من الزنازن طالعة.. ومصر غنوة مفرعة في الحلق.. اتجمعوا العشاق في الزنزانة.. مهما يزيد الفجر بالسجائر مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر».