الطغاة لايفهم بالتأكيد لم يخطر ببال زين العابدين بن علي يوما أنه سيخرج مطرودا من تونس، هاربا هائما علي وجهه يلف ويدور بطائرته في سماوات بلاد كانت حليفة، وأصبحت تتأفف منه وترفض استقباله. لم يخطر بباله يوما ولم يصل لعقله المريض بجنون العظمة كأي ديكتاتور أن سياساته وعصابته الحاكمة التي نهبت ثروات تونس وجوعت شعبه وأهدرت كرامته ستفجر الثورة ضده وضد الفساد الذي نما وترعرع في ظل حكمه وسكن جدران بيته. لم يصدق عمق الكراهية التي تسكن قلوب التوانسة له ولأسرته ولبطانته وقد اعتقد أنه قادر علي النجاة مرة باتهام قوي خارجية بالوقوف خلف الثورة، ومرة بالوعيد والتهديد، وقد استخدم في خطابه الأول بعد الثورة بأيام هذه اللغة المنتفخة والمتعالية، أما خطابه الأخير الذي سبق هروبه بساعات فقد كان ذليلا كسيرا مستجديا، وكررها أكثر من مرة «أنا فهمت» ووعد بأنه لن يبقي في الحكم مدي الحياة، ووعد بمحاكمة الفاسدين والمحتكرين من بطانته الذين ضللوه، كما ادعي إنها حيلته التي لم تنطل علي الثوار وأدرك ذلك، فأطلق عصابات مسلحة من الحزب الحاكم ومن أجهزة الأمن لتروع المواطنين ولتوصم الثورة والثوار بالهمجية ولكن الثوار أدركوا الدرس ونظموا مجموعات لحماية الأحياء وللتصدي لعصابات نظام لم يكفه ما مصه من دماء الشعب. نظام وحزب استولي علي مقدرات الدولة، حتي أصبحت الدولة والحزب كيانا واحدا يعمل لخدمة مصالح الديكتاتور وبطانته المحتكرة الفاسدة. نظام وبرلمان وصف أساتذة القانون أعضاءه بأنهم «منتحلو صفة» لأنهم جاءوا بالتزوير وليس بالانتخاب الحر. فرحنا مع الشعب التونسي، وعشنا أيام «ثورة الياسمين»، وتابعنا مطاردة الطاغية وأسرته وزبانيته، وتابعنا وتعلمنا دروس ثورة الياسمين وقلنا عملوها التوانسة وهتفنا معهم أنشودة الوهج والثورة لأبي القاسم الشابي.. إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر. لكن لايسمع ولايفهم الطغاة والفاسدون أنين ولا هدير الشعوب.