جرائم حرب.. وجرائم ضد الانسانية وعمليات إبادة جماعية.. تلك هي التي اطلقوا عليها «حرب تحرير العراق» أو «عملية حرية العراق» في مجال اللعب بالألفاظ في وصف العدوان الهمجي علي العراق وغزوه واحتلاله وتدميره. بدأ غزو العراق في 20 مارس 2003 بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وشاركت فيه دول عديدة (49 دولة) منها بريطانيا..وحتي كوريا الجنوبية واستراليا (!) واطلق علي المعتدين اسم «ائتلاف الراغبين» الذي تشكل القوات الأمريكية والبريطانية نسبة 98% من جحافله. كانت الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم المشئوم عندما بدأ الهجوم البري والجوي في وقت و احد تحت اسم «الصدمة والترويع» Shock and A we. بعد ثلاثة اسابيع سقطت الحكومة العراقية. وصرح القائد العسكري الأمريكي «تومي فرانكس- أول قائد للقوات الأمريكية في العراق- بأنه تم شراء عدد من قيادات الجيش العراقي لتسهيل مهمة قوات الغزو. وسقطت بغداد في 9 ابريل 2003 علي ايدي التتار الجدد.. وكانت الولاياتالمتحدة قد فشلت في الحصول علي تفويض دولي من الأممالمتحدة بشن الحرب. ولم تضع واشنطن في اعتبارها أكبر مظاهرات تجري في وقت واحد في عدد كبير من دول العالم لتعلن رفض مشروع العدوان علي العراق. وقامت تلك المظاهرات في المانيا وسويسرا وفرنسا وروسيا والصين وكندا وبلجيكا والهند واندونيسيا وماليزيا والبرازيل والمكسيك والفاتيكان. هكذا احتل 300 ألف و884 جنديا اجنبيا – بينهم ربع مليون جندي أمريكي- بلاد ما بين النهرين. أهداف العدوان كان الهدف الأول للغزو الأمريكي هو تدمير الدولة العراقية والجيش العراقي ، حيث إن واشنطن لم تكن راضية عن وجود دولة عربية قوية وتتخوف من وجود عدد غير قليل من العلماء العراقيين، وخاصة المتخصصين في المجال النووي. أما الهدف الثاني، فهو تنفيذ ما ورد في «مشروع قرن أمريكي جديد» الذي وضعه المحافظون الأمريكيون الجدد في 1998 وطالبوا فيه بتغيير نظام الحكم في العراق وارسال الجنود الأمريكيين إلي هناك لإعادة نشاط الشركات البترولية الأمريكية بعد غياب التوازن بين الطلب علي البترول- الذي يتزايد باستمرار وبوتيرة سريعة- وبين ما هو معروض في السوق ، وضمان عدم حدوث أزمة وقود في الولاياتالمتحدة. والهدف الثالث هو دعم الدولار الأمريكي بعد أن كان نظام الحكم العراقي قد اتخذ قرارا في عام 2000 باستخدام العملة الأوروبية – اليورو- لشراء البترول العراقي بدلا من الدولار. والهدف الرابع هو تطبيق ما ورد في مذكرة ديك تشيني- رامسفيلد، التي كتبت في عام 2000، وللتمهيد لدور استراتيجي أكثر فاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. والهدف الخامس هو القضاء علي أي تهديد محتمل لإسرائيل وضمان استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، وخاصة بعد أن ذكرت تقارير غربية أن العراق كاد يصبح القوة السادسة عسكريا علي مستوي العالم. وكانت الإدارة الأمريكية تريد استكمال المهمة التي لم يكملها الرئيس جورج بوش الأب في حرب الخليج الثانية، وخاصة إذا كانت واشنطن تريد استثمار ظروف ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي.. كما تريد دعم نظام القطب الواحد، وقطع الطريق أمام قيام عالم متعدد الأقطاب. حزمة من الأكاذيب أما المبررات والذرائع التي استخدمتها ادارة جورج بوش الابن لغزو العراق فإنها تشكل – في حد ذاتها- جريمة كبري وفضيحة مدوية. فلم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن استخدمت مجموعة من الأكاذيب والقصص المختلفة لتبرير شن عدوان علي أمة من الأمم كما حدث في حالة العراق. زعمت الإدارة الأمريكية أن النظام العراقي يواصل رفض تطبيق قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق. والمعروف أن الولاياتالمتحدة حددت موعدا نهائيا لبدء الغزو بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها في العراق! كما زعمت الإدارة الأمريكية أن العراق يواصل تصنيع وامتلاك «أسلحة دمار شامل»، وأنه لا يتعاون في تطبيق 19 قرارا للأمم المتحدة بشأن تقديم بيانات كاملة عن «ترسانته من أسلحة الدمار الشامل». وهنا نتوقف لكي نقرر أنه لم يتم – حتي اليوم- العثور علي اية اسلحة دمار شامل في العراق، بل إن تقارير مفتشي الاسلحة التابعين للأمم المتحدة، أكدت عدم امتلاك العراق لأي اسلحة دمار شامل علي الاطلاق. وقبل وقوع الغزو، صرح كبير مفتشي الاسلحة في العراق- هانز بليكس- بأن فريقه لم يعثر علي أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية في العراق. وكل ما تم العثور عليه هو صواريخ يفوق مداها ذلك الذي قررته الأممالمتحدة في عام 1991 – في القرار رقم 687 – وهو 150 كيلو مترا (!!) كذلك أكد الدكتور محمد البرادعي ، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن أمريكا استخدمت حجة زائفة لغزو العراق، وقال – في آخر خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل مغادرته لمنصبه- إنه سيشعر دائما بالحسرة لشن حرب مأساوية ضد العراق، وبدون تفويض دولي من مجلس الأمن. وأكد أن مفتشي الأسلحة التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعثروا علي دليل بأن هناك برامج إنتاج أسلحة دمار شامل في العراق. وبعد سقوط بغداد، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بارسال فريق تفتيش برئاسة «ديفيد كي » إلي العراق. وكتب ذلك الفريق تقريرا تم تسليمه إلي بوش يوم 3 أكتوبر عام 2003 يؤكد فيه أنه «لم يتم العثور علي أي أثر لأسلحة دمار شامل عراقية». وفي 12 يناير 2005 تم إنهاء عمل فرق التفتيش التي شكلها الرئيس بوش بعد فشلها نهائيا في العثور علي أسلحة محظورة في العراق. ولكن.. لماذا نشغل أنفسنا بهذه الأكذوبة المفضوحة والمتعمدة؟ لقد صرح جورج بوش نفسه في 2 اغسطس عام 2004 قائلا: «.. حتي لو كنت أعرف قبل الحرب.. ما اعرفه الآن حول عدم وجود اسلحة محظورة في العراق.. فأنني كنت سأقوم بدخول العراق»!! أكاذيب أخري! معمل إنتاج الأكاذيب والحكايات الملفقة في إدارة بوش لا يهدأ. وها هي اكذوبة أخري تم اختراعها لتبرير غزو العراق: أن النظام الحاكم في العراق ضالع في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في نيويوركوواشنطن، وأن ستة من منفذي تلك الاعتداءات – بينهم محمد عطا- التقوا عدة مرات مع افراد من المخابرات العراقية في إحدي الدول الأوروبية. واضافت مجموعة الاكاذيب أن محمد عطا التقي مع أحد ضباط المخابرات العراقية في بلغاريا عام 2001(!) ولم يكن من المعقول أو المنطقي أن توجد علاقات بين نظام الحكم العراقي وتنظيم «القاعدة» ومنظمات ارهابية أخري، لأنه لا توجد قواسم فكرية مشتركة تجمع القاعدة بنظام الحكم في بغداد. وفي 29 يوليو 2004 ، صدر تقرير من هيئة شكلها مجلس الشيوخ الأمريكي لتقصي الحقائق.. يعلن أنه بعد جهود حثيثة من الهيئة.. لم يتم التوصل إلي أي دليل ملموس علي ارتباط نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة». وفي سبتمبر 2005، نفي وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وجود أي علاقة بين الطرفين. ومعلوم أن تنظيم «القاعدة» لم يصبح له وجود في العراق.. إلا بعد الاحتلال الأمريكي لذلك البلد!! ويقول مركز المسئولية المدنية الأمريكية إن جورج بوش الابن اطلق 260 تصريحا كاذبا عن العراق -لتبرير الغزو- كما اطلق وزير خارجيته كولن باول 254 كذبة! ويصبح المجموع 514 اكذوبة! ومن أشهر تلك الأكاذيب.. حكاية استيراد العراق لليورانيوم- لصنع قنبلة ذرية- من النيجر التي اتضح أنها اكذوبة ملفقة علي أيدي المسئولين الأمريكيين! قانون الغابة ماذا عن العواقب الكارثية للغزو الأمريكي للعراق؟ وما النتائج العملية لكل تلك الأكاذيب؟ أعادت الإدارة الأمريكية السياسة الدولية قرونا إلي الوراء.. فارتكبت اكبر جريمة في حق الحضارة والتطور القانوني والدستوري واستباحت الشرعية الدولية ليصبح قانون الوحشية والبغي والغابة هو القاموس السائد في العلاقات الدولية. حرب إبادة لقد تسببت تلك الحرب العدوانية في أكبر خسائر بشرية للمدنيين في تاريخ العراق.. وتاريخ الجيش الأمريكي في عدة عقود. ويؤكد مركز استطلاعات بريطاني أن عدد القتلي العراقيين من ابريل 2003 حتي اغسطس 2007 بلغ مليونا وثالثة وثلاثين قتيلا. أما عن عدد المشردين العراقيين، فإنه يبلغ 8ر4 مليون عراقي بينهم 2 مليون خارج العراق، أي أن خمس الشعب العراقي، المتبقي بعد المجازر، اصبح مشردا. وهناك ما بين اربعة وخمسة ملايين من الاطفال والأشخاص فقدوا عائلهم. وهناك ايضا 5ر1 مليون أرملة. وتم تسريح الجيش العراقي بأكمله تقريبا. كما تم تدمير البنية التحتية والعلمية تماما في العراق، واغلقت جامعات كبري، ودمرت الآلاف من المدارس. وحول مصير العلماء العراقيين: تم قتل عدد منهم واعتقال عدد آخر، ومن استطاع الإفلات.. هاجر إلي خارج العراق.. إلي جانب العقول المتميزة من المهندسين والخبراء والأدباء والفنانين ، وخاصة بعد التضييق عليهم من جانب احزاب دينية مدعومة بميليشيات مسلحة. وبعد أن كان العراق من أغني الدول، كما كان يستقبل العمال والمزارعين والمهنيين والراغبين في تحسين ظروف حياتهم- وخاصة من مصر- .. تبدل الحال ليصبح من أفقر دول العالم بعد الغزو، وأصبحت نسبة الفقر في العراق تتجاوز 60% ونسبة البطالة 38% والبطالة المقنعة 22%.. أي أن 60% من العراقيين لا يجدون عملا! المجزرة مستمرة وتستمر دوامة العنف التي تحصد ارواح الابرياء في العراق. ومازالت الانفجارات تهز المدن. وتكشف الاحصاءات أن نحو خمسمائة عراقي يلقون حتفهم كل شهر من جراء أعمال العنف في البلاد. وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية في تقريرها عن العراق عام 2008 رن عدد المعتقلين في السجون العراقية- بسبب مقاومة الاحتلال- بلغ 24 الف معتقل. ولا حاجة للإشارة إلي أن هؤلاء الذين زعموا أنهم يقومون بغزو واحتلال العراق أنما يستهدفون إقامة الديمقراطية.. قاموا برعاية جرائم القتل والتعذيب والاهانات وإهدار كرامة الإنسان في سجن ابي غريب ومعسكرات الاعتقال الأخري. الفتنة الطائفية والمذهبية وقامت الولاياتالمتحدة بإحياء ودعم الفتنة الطائفية في العراق، وصاغت دستورا يجعل رئيس الوزراء منتميا إلي الطائفة الشيعية بشكل إلزامي. وهذه الفتنة حصدت أرواح الالاف من ابناء الشعب العراقي ودخل الجميع في نفق مظلم. ومن اسوأ نتائج الغزو الأمريكي للعراق ذلك الفرز الطائفي المذهبي في الأحياء، بحيث تخلو أحياء الشيعة من أي مواطن عراقي ينتمي إلي الطائفة السنية، كما تخلو أحياء السنة من أي مواطن شيعي بعد عمليات التهجير القسري علي ايدي ميليشيات وجماعات مسلحة. وتقلص وجود أقليات أخري كالمسيحيين الذين هاجروا من العراق بعد استهدافهم بشكل متكرر ووقوع ضحايا في صفوفهم. الاحتلال الأمريكي عمل علي طمس الهوية الوطنية لصالح التقسيم الطائفي المذهبي. وهناك من يؤكد أن رئيس الوزراء نوري المالكي يصدر أوامر بمداهمات واعتقالات ضد رموز سياسية من طائفة السنة. انهيار الخدمات ومن ناحية أخري، فقد انهارت الخدمات الأساسية .. فهناك انقطاع مستمر للكهرباء وعدم توافر المياه النقية إلي جانب العشوائية والضياع، واصبح المواطن العراقي تحت رحمة المجرمين والافاقين وقطاع الطرق.. علاوة علي الميليشيات الطائفية المسلحة، والمرتزقة وسط حالة من الفوضي. وثمة ارتداد إلي عهد الصراعات الدينية الطائفية والقومية وتوظيف الدين كسلاح في المصادمات الدموية. وقام الأمريكيون ايضا بتوظيف التعدد العرقي والديني والمذهبي لتحقيق مصالح وأهداف تتناقض مع مصالح الشعب العراقي. خسائر أمريكية في عام 2008، قدمت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي تقريرا يوجه اللوم بشكل مباشر إلي جورج بوش وإدارته بتهمة اساءة استخدام المعلومات الاستخبارية لتبرير الحرب ضد العراق. وجاء في التقرير أن إدارة بوش خدعت الشعب الأمريكي حين تحدثت عن اتصالات بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة. والنتيجة .. هي أن الجيش الأمريكي خسر 4500 جندي قتيل في الحرب ضد الشعب العراقي، إلي جانب 25 ألف جريح. وتكلفت الحرب العدوانية علي العراق اربعة تريليونات دولار بالإضافة إلي490 مليار دولار في شكل مستحقات للمحاربين القدماء . وقد تزيد المصروفات إلي أكثر من ستة تريليونات دولار علي مدي العقود الأربعة القادمة. وترك الغزاة الأمريكيون المتحف الوطني العراقي لكي تسرق منه 170 الف قطعة أثرية، كما تركوا المروحيات تهبط علي مدينة بابل الأثرية وتهدم سقف معبد «نابو ونيما» اللذان يرجعان إلي ستة آلاف سنة قبل الميلاد. ردة إلي الوراء إذن.. فإن نتائج الغزو الأمريكي تتلخلص في تفتيت الشعب العراقي وتحويله إلي طوائف متناحرة وقوميات متعادية، وفرض العنف والفوضي والميليشيات المسلحة، وانهيار مستوي المعيشة وتفكيك الدولة، والقضاء علي الجيش ، وتكوين طبقة سياسية فاسدة.. وتسليم العراق علي طبق من ذهب.. إلي إيران.. ذلك أن من يدير الأوضاع الآن في العراق هم الاتباع المخلصون لكل من الولاياتالمتحدةوإيران.. إلي جانب عمليات سرقة منظمة للبترول العراقي. لقد فقدت المنطقة توازنها التاريخي.. في ضوء التدخل الإيراني المباشر في شئون العراق. وخسر العراق كل شيء. وبعد أن كانت منظمة اليونسكو «تعلن في عام 1977 أن التعليم في العراق أصبح يضاهي التعليم في الدول الاسكندينافية.. اصبح كل شيء في ذلك البلد يرتد إلي الوراء وسط صراع مرير بين 35 مجموعة دينية وقومية.. حتي قال من قال إن العراق يحتاج إلي عشرات السنين قبل أن يستعيد قوته وحيويته ودوره في المنطقة.