العلاقات بين الاخوان والشيوعيين بين الماضي والحاضر عاش الاخوان المسلمون مع الشيوعيين داخل السجون والمعتقلات في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، اي في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. ربما لم يكتب بعد تاريخ العلاقة بين الاخوان المسلمين والشيوعيين في تلك الفترة، باستثناء بعض الذكريات التي كتبها المثقفون الشيوعيون الذين خاضوا هذه التجربة ضمن ما كتبوه من مذكرات. ولكن التاريخ الكامل لهذه الفترة وطبيعة العلاقات بين الفريقين يحتاج الي قدر أكبر من الاهتمام بالتفاصيل. ولكن من المؤسف ان الجيل الذي خاض هذه التجربة الفريدة لم يبق منه سوي مجموعة من الافراد بحكم مرور الزمن. وبطبيعة الحال فان تعليق الامل بان يتولي هذه المهمة التاريخية الاخوان المسلمون لايبدو واعدا بشيء ذي قيمة كبيرة، ذلك ان الاخوان الذين شاركوا الشيوعيين السجن والمعتقلات اصبحوا في اعمارهم المتقدمة اكثر اهتماما بالتجارة والاعمال وتكوين الثروات الضخمة منهم بالتاريخ وتجاربه وخاصة بتاريخ العلاقات مع الشيوعيين في تلك الفترة البالغة الاهمية. والامر المؤكد من كتابات الشيوعيين التي توالت بعد خروجهم من السجون والمعتقلات ان تلك الفترة في تلك الظروف تميزت بعلاقات انسانية نستطيع ان نؤكد انها لم تشهد صراعات ونزاعات بين اليمين واليسار، انما شهدت تبادلا في الاراء حول ظروف الفترة وحول تجربة عبد الناصر في سياساته الداخلية بشكل خاص. ويمكن التأكيد بان ايا من الفريقين لم يحاول ان يخوض تجربة جذب الاخر الي عقيدته او ايديولوجيته وكانت ظروف الاعتقال لا تسمح باكثر من التعاون علي امور الحياة اليومية. لقد ظل الاخوان المسلمون علي عدائهم الشديد لعبد الناصر بينما تحول الشيوعيون نحو موقف مؤيد له وهم لا يزالون في السجون والمعتقلات. واستمر هذا الموقف من سياسات عبد الناصر واتجاهاته حتي الان. فلا يزال الشيوعيون يشيدون بزعامة عبد الناصر وتوجهه نحو العدالة الاجتماعية في الداخل ومقاومة الامبريالية واسرائيل في الخارج. اما الاخوان فانهم حتي الان وبعد ان اصبحوا في السلطة فانهم يسبون عبد الناصر وينتقدون فترة حكمه من كل جوانبها. جمع الثروات خرج الشيوعيون من السجون والمعتقلات في عام 4196 وظل الاخوان المسلمون فيه حتي عام 1971 بعد ان بدأ عهد انور السادات. واختار كثيرون منهم الذهاب الي بلدان الخليج العربية التي اتسعت لهم ومنحتهم فرص الاهتمام بالثروة. في هذه الظروف تبين ان كراهية الاخوان المسلمين للشيوعيين علي الرغم من معاناة الفريقين المشتركة لم تنحسر ابدا. كان الشيوعيون في مقدمة من دافع عن الاخوان حتي في فترة الاعتقال. اما الاخوان فانهم ظلوا علي درجة قصوي من الكراهية للشيوعيين. دلت علي ذلك مواقفهم وكتاباتهم بعد الخروج من المعتقلات، ونسوا تماما ما ابداه الشيوعيون تجاههم من حرص علي حرياتهم وكرامتهم كرفاق اعتقال. وكانت التجربة الاولي لاهتمام عميق وجاد بالحياة السياسية من الجانبين هي تجربة السلام مع اسرائيل وبعدها توقيع اتفاقات “كامب ديفيد”. من بداياتها اتخذ الشيوعيون موقفا مناهضا تماما لهذا التحول المزلزل. انعكس ذلك في كتاباتهم العلنية والسرية. اما الاخوان فانهم تأخروا كثيرا حتي تبلورت معارضتهم لزيارة السادات لاسرائيل ومبادرته لعقد سلام معها. بل ان “عددا لا بأس به من رجال الدين (والاخوان المسلمين) اعلنوا تأييدهم للسادات كالشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ عبد المنعم النمر وغيرهما كثير، واستندوا في تأييدهم له علي نصوص دينية. اذ قالوا ان السلام من الاسلام. والاسلام يأمرنا بالجنوح الي السلم اذا جنح اليه العدو”. (حسنين كروم : الاخوان المسلمون والصلح مع اسرائيل – ص14) والحقيقة ان ماجاء في القرآن الكريم “وان جنحوا للسلم فاجنح لها” لم يكن ينطبق علي اسرائيل التي لم تبد هذا الاستعداد انما بدأ به السادات وواجهته من ناحية اسرائيل عراقيل كثيرة كادت تطيح بمبادرته. لم يرغب الاخوان في ذلك الوقت ان يتخذوا موقف التحدي للنظام الذي اعترف بهم وتصور دورا لهم واخرجهم من المعتقلات وسمح لهم بحرية الحركة. وكان هذا في وقت اظهر فيه السادات كراهية عميقة للشيوعيين واليسار بوجه عام، وبدا من مواقفه منهم كأن المعارضة لمبادرته تجاه اسرائيل انما تنحصر في اليسار وتحديدا في الشيوعيين. وقد ساعدته كتابات وآراء الاخوان في تأكيد ذلك الاتهام الذي لم يتبرأ منه الشيوعيون ابدا. وبطبيعة الحال فان نفور الاخوان من موقف معارض للسادات كان كرها منهم لمجرد احتمال ان يبدو موقفهم متفقا مع موقف “أعدائهم التقليديين” بقدر ما كان خشية الظهور بمظهر من لا يعطي السادات حقه من التأييد وهو الذي اتخذ ازاءهم مواقف ايجابية غيرت مسار حياتهم الفعلية والسياسية. أمريكا الراعية نعم وصل موقف الاخوان في عدائهم للشيوعيين الذين دأبوا علي الدفاع عنهم وعن حقهم في اتخاذ مواقف سياسية تتفق مع عقائدهم السياسية الي حدود قصوي طوال فترة رئاسة السادات، وبعد ذلك طوال فترة رئاسة مبارك الذي انتهج سياسة ساداتيه سواء تجاه الشيوعيين المصريين أو تجاه اسرائيل، وبطبيعة الحال تجاه الولاياتالمتحدة التي تحولت الي راع للنظام المصري وسياساته. وقد حافظت الولاياتالمتحدة علي علاقاتها القديمة بالاخوان المسلمين. ولا يقوم ادني شك هنا في ان اهتمام الادارات الامريكية المتعاقبة باستمرار العلاقات مع الاخوان المسلمين طوال العهود من نشاتهم الاولي (1928) الي عهد عبد الناصر ثم نقيضه السادات ونقيضه التالي مبارك، انما يرجع الي كونهم فريقا سياسيا معاديا للشيوعية في مصر والوطن العربي والعالم الاسلامي. ولا تزال الولاياتالمتحدة تحرص علي استمرار العلاقات مع الاخوان المسلمين حتي بعد ان زالت الدولة السوفييتية والدول المحيطة بها. ويبدو بوضوح ان الولاياتالمتحدة اصابت في الاهتمام بالاخوان المسلمين الي حد ان ايدت صعودهم الي السلطة في مصر في الوقت الذي امدتهم بالتاييد في تحركهم في كل من تونس وليبيا ولا تزال تؤيدهم في تمزيق سوريا. ومثلما اهتمت الولاياتالمتحدة بدعم علاقاتها مع الاخوان المسلمين الي حد الاعتماد عليهم فيما سمي بثورات “الربيع العربي” فان الاخوان اهتموا بالقدر نفسه بالابقاء علي علاقات حية ونشطة مع الولاياتالمتحدة. وهو نفس ما حرصوا عليه منذ تاسيس تنظيمهم السياسي حتي صعودهم الي السلطة في مصر. ومثلما قدمت الولاياتالمتحدة تنازلات سياسية للاخوان، تمثلت في تجاهلها لحقائق ميلهم السياسي الي النازية والفاشية، فان الاخوان المسلمين اثبتوا انهم يقدمون تنازلات للولايات المتحدة تتمثل في تجاهلهم لحقائق الهيمنة الامريكية علي مصر سياسيا واقتصاديا وايديولوجيا. لقد بقي عداء الاخوان المسلمين للشيوعية والشيوعيين حتي في مصر وحتي في وقت انطلاق ثورة 25 يناير التي وجدت الشيوعيين يقفون فيها صفا واحدا مع القوي الاخري اليسارية والليبرالية التي بدأت الانخراط في صفوف هذه الثورة من بداياتها الاولي، بل قبل ان تبدأ في ذلك اليوم التاريخي العظيم. شراسة التسلط والآن، والاخوان المسلمون قد انقضوا علي السلطة في مصر، فانهم يظهرون شراسة لا نظير لها في التعامل مع شباب الثورة التي زعموا انهم جزء منها ثم زعموا انهم هم الذين كونوها واطلقوها. ولا يمكن – عند محاولة تفسير هذه الشراسة الاخوانية مع شباب الثورة والتي تصل الي حدود القتل والتمزيق – ان نستبعد ان السلطة الاخوانية انما تتعامل مع هؤلاء الشباب معتبرة اياهم يساريين او ربما شيوعيين. ففي عقيدة الاخوان انه ليست هناك سوي عقيدة اخوانية وعقيدة تواجهها هي اليسارية او تحديدا الشيوعية. ولهذا ليس من المستبعد – بعد ان لجأ الاخوان المسلمون الي القتل والتشويه والسحل وسط مظاهرات الثورة – ان يلجأوا الي الحبس والاعتقال ضد شباب الثورة وضد كل من تعتبره يساريا او ضد من يعلن عن نفسه انه يساري ويحمل رايات اليسار، ومنها رايات المطرقة والمنجل التي يعرف بها الشيوعيون في مصر وفي غيرها من بلدان العالم بما فيها الولاياتالمتحدة حليف الاخوان المسلمين الاول. هكذا نتبين كيف كان الاخوان المسلمون وهم خارج السلطة وكيف اصبحوا وهم داخل السلطة. ليس بمستغرب ان يكونوا قد نسوا كيف كان الشيوعيون يدافعون عنهم في اوقات المحنة، فهذا ما تدل عليه طريقة تعاملهم مع اليسار، وحتي مع من يظن الاخوان المسلمون مجرد ظن انهم يساريون. سيتمسك الاخوان المسلمون لاقصي قدراتهم بالسلطة وسيظهرون عداءهم لكل اتجاه يساري وسيصل جبروتهم الي اقصي درجاته في التنكيل بالشيوعيين وبكل ما يذكّرهم باليسار ارضاء لحلفائهم ومسانديهم الامريكيين والاسرائيليين. هذه طريقتهم الوحيدة الممكنة لاثبات جدواهم لهؤلاء الحلفاء، وهي ايضا طريقتهم الاجدي التي يتصورونها وينفذونها للاحتفاظ بالسلطة. … خاصة وهم يعرفون ان اعداءهم هؤلاء في صفوف الشعب المصري ليسوا مسلحين ولا يلجأون للسلاح كوسيلة للبقاء