تكشف "صوت البلد" بالقاهرة أبعاد هذه القضية من خلال أقوال من عايشوا هذه الأحداث وسطرت جملهم علي جدران التاريخ. فما استطاعت ثورة يوليو من إحداثه علي مستوي المجتمع، قسم الخلاف حوله إلي قسمين ما بين مؤيد لهذه الثورة بأهدافها ونتائجها وما بين معارضين علي طول الخط حيث عمل المثقفون جزءاً مهماً من هذا الانقسام حيث شاركوا في تعميقه وتأصيله في كل الأنحاء بل اختلفت أيضا اتجاهاتهم نحوها باختلاف كل مرحلة للثورة . فقصة المثقفين مع ثورة 1952 كبيرة ومعقدة. والكثير من أسئلتها لا يزال مفتوحاً ولعل خير طريقة لإعادة طرح هذا الموضوع وتقديمه هي تقديم شهادات من أبرز وأهم المثقفين الذين تفاعلوا مع ثورة 1952 من مواقع فكرية وسياسية مختلفة، ومن منطلقات وأهداف متباينة• وهم يغطون ألوان الطيف المصري كلها اليسارية والليبرالية والقومية والإسلامية. وكان لكل منهم إسهاماته واجتهاداته وأدواره المقدرة الأمر الذي يحقق الموضوعية حول هذا الموضوع الذي يعد حلقة في تاريخ نضال شعبنا الحر. وفي مقدمة آراء المثفقين حول هذا الموضوع الحيوي يقول أبو سيف يوسف: إن تفاصيل العلاقة الملتبسة بين نظام يوليو واليسار المصري، والأسباب التي دفعت لحل التنظيمات اليسارية هي أن عبد الناصر أراد من الاشتراكيين دورا ًمحدداً يقتصر علي التبشير بالاشتراكية. فقط وليس تبني أي نهج لها وتطبيقها دون إذن فمن اكتظت بهم السجون كان عبد الناصر علي علم بما يحدث لهم من تعذيب ولكن ليس بالتفصيل. أما الشيخ محمد الغزالي: فقال: أنا شاهد عيان علي قصة ارتباط عبد الناصر بالإخوان المسلمين وخاصة الإمام حسن البنا، وأسرار البيعة التي قدمها ضباط يوليو للإخوان، وما فعله عبد الناصر بعد ذلك من احتكار للسلطة ولكنني لا أعرف حتي اليوم السر وراء القبض علي عام 1965 رغم أنني لم أكن في هذه الفترة من الإخوان ولا معارضا لمؤسسات الثورة. بينما قال أحمد بهاء الدين: سعي اليمينيون للالتصاق بالثورة ورجالها.. ووصف كل من يطالب بحرية الشعب بالشيوعية لذا كنت من أشد المعارضين لفكرة ال50% للعمال والفلاحين ولم أقتنع بأسبابها وقد حاولت الثورة الاتصال بالمثقفين ولكن كان هناك العديد من الأسباب التي حالت دون ذلك . وعلي صعيد آخر يروي فتحي رضوان قائلاً: جمعت بين أحمد حسين (زعيم مصر الفتاة) وعبد الناصر علاقة أثرت كثيرا في تكوين شخصية الزعيم الشاب• فكانت الثورة علي علاقة قوية بالمثقفين، ولكن من خارج اليسار والوفد، بدليل مشاركة بعضهم في تأسيس النظام الجمهوري وقد كانت الضغوط الأجنبية وراء استبعادي من وزارة الشئون الاجتماعية لكن، عبد الناصر كان مهذبا طول الوقت في علاقته بالمثقفين رغم أن البعض منهم كان يتجاوز. ويقول أحمد أبو الفتوح: أسهمت مع بعض الصحفيين في تكوين جبهة (مصر الحرة) التي أزعجت النظام في القاهرة حتي بعد سجن أقارب المؤسسين وكنت شاهدا علي كواليس ثورة يوليو، والأسباب الحقيقية وراء خلاف عبد الناصر ونجيب هي: علاقة الوفديين والشيوعيين والإخوان برجال الثورة بعد تحولها من حركة جيش إلي نظام حكم. ويسدد محمود أمين العالم: محاولته الثورة احتواء المثقفين خاصة اليساريين سواء بالسجن أو التعذيب أو الوعود إلا أنهم تحولوا إلي المناضلون اليساريون من معتقلين في سجون مغلقة إلي صناع قرار. وعن علاقته بعبد الناصر قال إنها كانت واضحة وصريحة وحادة في أحيان كثيرة. كان عبد الناصر يتطور بشكل أو بآخر نحو الاشتراكية. كانت هناك نوايا خفية وراء الإفراج عن الشيوعيين وحل تنظيمهم. الإخوان لم تكن لديهم أي رؤية سياسية أو اجتماعية. والمثقف الحقيقي لا يستطيع أن يجسد دائما العلاقة بين السلطة. أما الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس فقد قال: اعتبرني الأمريكيون شيوعيا ومنعوني من دخول أمريكا، وصنفتني الثورة وفديا، أما الإخوان فقالوا إنني أحد أعضاء الجماعة، وهذا كله غير صحيح. سجنت بقرار من عبد الناصر بناء علي كلام نقل إليه خطأ. فتحولت علاقتي بعبد الناصر من الصداقة إلي الرسمية بعد خروجي من السجن. رفضت الانضمام للإخوان رغم علاقتي الشخصية بالشيخ حسن البنا كما رفضت الانضمام لأي تنظيم أو جماعة أخري والسبب: ضباط الصف الثاني هم من قاموا بالاعتداء علي السنهوري بعد أن أطلق لهم عبد الناصر العنان ليفعلوا ما يشاءون . حتي توقفت عن الكتابة السياسية منذ أن سجنت واتجهت إلي الرواية ولكن حسي السياسي لم يتوقف أبداً. فيما قال الكاتب الراحل خالد محمد خالد: عبد الناصر أراد أن يقود البلد منفردا بنفس طريقة قيادة الكتيبة العسكرية، حيث الانضباط يعكس معني العدل . أخبرني الشيخ الباقوري في لقاء معه أن بعض ضباط الثورة قاموا بمصادرة كتابي "الديمقراطية أبدا"، لكن عبد الناصر رفض.. ومن هنا توالت المؤلفات: سياسية وإسلامية. إلا أنني رفضت أن أكون ترسا في أي عجلة تديرها الحزبية في مصر. كان عبد الناصر مثلا حيا للديكتاتورية، ولو أنه أتبع الديمقراطية لحقق الشعبية التي رأها. حاولت الثورة فرض سيطرتها علي الأزهر وشيخه ليكون أداة تطوعها تبعا لأغراضها. بينما يقول أحمد حمروش: كان عبد الناصر من المؤمنين بأهمية دور الثقافة في بناء المجتمع ولكن لم يستطع أن يتعامل مع المثقفين بالقدر الذي يرضيهم . فلم يكن عضوا في أي تنظيم حزبي من قبل. وقال إسماعيل صبري عبد الله: كنت محل ثقة الثورة وزعيمها باستمرار مهما اختلفنا سجنت مرتين في عهد عبد الناصر، الأولي عام 1956 حيث تعرضت لكم هائل من التعذيب، والثانية من 1959 وحتي 1964 لم تكن لدينا مشكلة مع عبد الناصر، مع من كانوا من حوله. وأضاف أن جمال عبد الناصر كان يتعامل مع المثقفين كماركسيين، وكان يود استيعابهم في التنظيم الطليعي. وقال الإعلامي الكبير أحمد سعيد إن عبد الناصر كان منكفئا علي مصريته كجزء من عالم رئيسي يتحرك فيه بالضرورة.. غضب عبد الناصر مني لعدم التزامي بتعليماته بمنع أي خبر أو التعليق علي حركة فتح الفلسطينية.