ضد التيار مستقبل نقابة الصحفيين(1-2) أمينة النقاش كان الدكتور«رفعت السعيد» قبل سنوات رئيسا لمجلس إدارة صحيفة الأهالى، وفوجئ آنذاك، بأن شكوى قدمها أحد المحررين بالجريدة ضده لنقابة الصحفيين، يتهمه فيها أنه أهان الصحفيين، حين قال فى اجتماع عام بالأهالى، أن الصحافة باتت مهنة لمن لامهنة له. ومع أن مقدم الشكوى لم يكن له علاقة بمهنة الصحافة ولا الكتابة، ونجح فقط فى استخدام المهنة والجريدة لجلب الإعلانات، فقد تِطورت الأمور بصدور قرار من مجلس النقابة بفصل رفعت السعيد من عضويتها، حين رفض الامتثال لطلب بالتحقيق معه داخل النقابة، بعد أن أصدر قرارا بفصل هذا المحرر لأسباب ومخالفات رصدها المستشار القانونى لصحيفة الأهالى. لم أوافق دكتور رفعت على رفضه الذهاب للنقابة لحضور التحقيق، وتسرعه فى كتابة خطاب للنقابة ردا على خطابها باستدعائه للمثول أمام لجنة تحقيق نقابية، وهو الخطاب الذى اعتبره مجلس النقابة مهينا له. واستندتُ فى ذلك إلى أنه يستطيع بسهولة أن يحول التحقيق إلى صالحه، وصالح صحيفة الأهالى ويرد شفاهة على ما ورد فى خطاب الاستدعاء بالأدلة التى جمعها محامى الأهالى، لكن عدم موافقتى لم تمنع ما حدث. مرت نحو خمس عشرة سنة على تلك الواقعة، ومع ذلك أستطيع وبعد مرور ذلك الزمن، أن أكرر ما قاله دكتور رفعت، وأقول بضمير مستريح، أن الصحافة صارت مهنة من لا مهنة له. ولأن البينة على من أدعى، فمراجعة بسيطة لجدول نقابة الصحفيين فى السنوات الأخيرة، تكشف بمنتهى الوضوح أن عدد المنتسبين إلى عضويتها ويقترب الآن من عشرة آلاف عضو، قد تم قبول عضويته لأسباب انتخابية لا مهنية.وقد لايكون مجلس النقابة مسئولا وحده عن ذلك الخلل الذى سمح بقبول أعضاء بصحف لا تصدر بانتظام، أو أخرى قد أغلقت، أو تلك التى تصدر عددا كلما فتحت النقابة جداول القيد بها، أو قبول آخرين لاعلاقة لهم بالقراءة والكتابة، ولا بالمهنة، لمجرد أنهم قد استوفوا شروط العضوية بالمستندات القانونية المقدمة، والتى غدت كما يعرف الجميع وسيلة للبيع والشراء. ومن المعروف أن لجنة القيد بالنقابة باتت تجرى اختبارات لقياس مدى مصداقية الأوراق المقدمة إليها، لكنها فى الغالب تكون اختبارات شكلية، وتخضع فى كثير من الأحيان لاعتبارت شخصية وانتخابية، وتفتقد للدقة وللموضوعية، التى يفترض أن التمسك بشرطيهما يعلى من المصلحة العامة للنقابة وللمهنة. لكن مجالس النقابة المتعاقبة هى طرف واحد فقط مسئول عن تلك المشكلة، التى جعلت النقابة مقصدا وغنيمة لأسباب لا علاقة لها بالمهنة. أما المؤكد فإن المسئولية الأساسية للوصول بالنقابة إلى تلك الدروب المسدودة، فهى السياسات الحكومية التى سادت طوال العقود الثلاثة الماضية، واحتكرت الفضاء العام لصالح الحزب الحاكم الواحد والصوت الواحد والرأى الواحد، برغم أننا فى دولة نظامها السياسى تعددى. وتعزز هذا الاتجاه عندما ابتليت البلاد فى تلك العقود بظاهرة الإرهاب والتطرف، التى ساهمت بدور فعال فى تعثر التطور السلمى الديمقراطى فى مصر. فقد ساد وضع استثنائى يفرض حالات الطوارئ، ويحفل بالقيود على الحريات العامة، وبينها بطبيعة الحال حريات الرأى والتعبير وحريات الصحافة والإعلام، والعمل النقابى المستقل، وبذلك انتقل الصراع على الهيمنة والنفوذ بين الحزب الحاكم وتيارات الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان، والقوى المدنية المعارضة للحكومة، إلى ساحة النقابات، لاسيما بعد القيود التى تم فرضها على العمل الحزبى. تفتق ذهن ترزية القوانين فى الحزب الوطنى عن وسيلة لتأميم النقابات المهنية والسيطرة عليها، كما هو الحال فى النقابات العمالية، فكان استخدام أداة التشريع أحد الاسلحة، حيث يتقدمون فى سرية تامة بمشاريع قوانين للبرلمان ويجزيونها بسرعة البرق بأغلبيتهم المصنوعة، ويسعون لفرضها على النقابات ومجالس إدارتها المنتخبة. وفى عام 1987 فوجئ الفنانون أعضاء نقابة المهن السينمائية بصدور القانون 103 من مجلس الشعب، الذى يلغى شروط الترشح لرئاسة النقابة لدورتين فقط، ويمنح النقيب حق الترشح مدى الحياة. أقام الفنانون الدنيا ولم يقعدوها. وبدأوا فور صدور القانون حركة احتجاجية، شملت الاعتصام فى مقر النقابة، وإضراب عدد منهم عن الطعام وإصدار بيانات توضح أسباب رفضهم للقانون، ولمبدأ شخصنة القوانين الذى يحولها إلى مجرد أداة لمواجهة الخصوم، وليس لتنظيم الحقوق والواجبات. وحظى تحرك الفنانين بدعم واسع من المثقفين والنقابات المهنية، وصحف المعارضة وأحزابها، وقطاع عريض من الرأى العام سواء فى الداخل أو فى الخارج.واستمرت الحركة الاحتجاجية لأكثر من شهر، ولم تتوقف إلا عندما وعد الرئيس مبارك بتأجيل القانون والاتفاق مع الفنانين على تعديله. فهل استوعب ترزية القوانين فى الحزب الحاكم درس أن القوانين تصدر لتحقيق مصالح عامة وليست أدة للبطش؟. بالطبع لا. عادت ريمة لنفس طبائعها القديمة، وشملت الهجمة هذه المرة نقابة الصحفيين، التى كانت قد تمكنت من الإفلات من المصير الذى آل إليه الصراع بين الحزب الحاكم والإخوان داخل النقابات، وأدى لوقف انتخاباتها وتجميدها وفرض الحراسة عليها. وفى سرية تامة نشرت الجريدة الرسمية نص القانون 93 لسنة 1995 الذى يحول نقابة الصحفيين إلى مجرد نادى اجتماعى، ويغرق جدول عضويتها بالإعلاميين والموظفين العاملين فى وزارة الإعلام، فيسهل على صناع الاستبداد، التحكم فى إدارتها. فضلا عن القيود المشددة التى وضعها على حريات الصحافة والرأى والتعبير، وعلى الحق فى إصدار الصحف. أسقط الصحفيون القانون، ولم تتوقف محاولات السيطرة على النقابة.