المرضى يفترشون الممرات ومحاصرون بأكياس القمامة والقطط طوابير وزحام وسوء معاملة على أعتاب العيادات الخارجية دوخة وبهدلة مرضى السرطان .. تأخر جلسات الكيماوي والمسح الذرى يهدد حياتهم وحدة غسيل كلوي واحدة تستقبل 180 حالة يوميا والأخرى معطلة حين تطأ قدمك نحو بوابة مستشفى الدمرداش، يملأ ضجيج الباعة الجائلين أذنك، حيث يصطف الباعة من محطة مترو الدمرداش وصولا إلى بوابة المستشفى الرئيسية، بجانب نباح الكلاب، والتي اتخذت من بوابة وممر المستشفى مسكنا لها ، وإذا قررت الدخول من البوابة الثانية، تجد من يردد كلمات " مين يزود " في مزاد علني تدور أحداثه بميكروفونات عالية الصوت داخل جمعية اجتماعية ملاصقة للمستشفى . وبعدما تتخطى بوابة المستشفى متجهًا إلى غرفة الاستقبال، والتي تشبه مخزن للأشياء المتهالكة، يتكدس بها المرضى والزائرون، يواصلون النهار مع الليل في انتظار أن يحين دورهم سواء في الكشف أو الزيارة، مفترشين الأرض بعدما امتلأت المقاعد بالجالسين . وبالدخول إلى مستشفى الأطفال، تجد القطط تداعب الأطفال في ممرات المستشفى، ومنها إلى مستشفى الباطنة فتأخذك عيناك إلى لوحة مكتوب عليها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، تم افتتاح مستشفى طب المسنين، تحيط بهذه اللوحة بقايا مبنى وقوالب من الطوب والأخشاب المكسورة تطل على مبنى مستشفى الباطنة. خطوات معدودة لتصل إلى سلالم مستشفى الباطنة والتي تكتظ بالمرضى والزائرين، والذي قرر الكثير منهم النوم مفترشين البلاط، وفي ممرات المستشفى من الداخل تجد أبواب العنابر مفتوحة على مصراعيها، وكأنها أكشاك لبيع الحلوى، وفي آخر الممر صندوق للقمامة امتلأ عن آخره وأحاطت به القمامة دون أن تجد من يسأل عنها متروكة ليتغذى عليها القطط المارة بالمستشفى. ويتجه معظم المرضى إلى مستشفى الدمرداش وقصر العيني بالأخص والمستشفيات الجامعية عامة، لثقتهم في كفاءة الأطباء بهذه المستشفيات ومهارتهم، ما يزيد الضغط على المستشفيات الجامعية بالمقارنة بمستشفيات وزارة الصحة. مأساة حقيقية يعيشها المرضي في مستشفي الدمرداش التخصصي، بداية من رحلة قطع التذكرة مرورا بطوابير انتظار الدور، وانتهاء بمشوار صرف الأدوية من الصيدليات الخارجية، والاحتجاز في غرف خاصة للحالات الحرجة . داخل أروقة العيادات الخارجية، تستطيع وأنت جالس هناك أن تعرف معنى المعاناة والألم في وجوه الناس البسيطة، كل ما حاولوا تصويره ونقله عن الفقر والألم في الكتب والسينما وعلى شاشات التليفزيون تستطيع أن تشاهده بين المرضى البسطاء بهذا المستشفى . طوابير شباك التذاكر يصطف المئات من المرضى منذ الصباح الباكر في الاستقبال، وأمام " شباك العيادات الخارجية"، لقطع تذكرة الدخول إلى القسم المختص، ومن ثم انتظار الطبيب بعد أخذ رقم الدور، وسط التزاحم ، بدون أي إجراءات وقائية من كورونا، فالجميع لا يرتدى كمامة . الحاج " إ. م " ، أحد المرضى المنتظرين على الأرض أمام الشباك، أخذ يراقب المشهد في صمت، منتظرا دوره في قطع التذكرة، وقال من أمام شباك التذاكر، إن سعر التذكرة 5 جنيهات، بعد طول انتظار وتزاحم وتعرض للعدوى ، مؤكدا أنه ينتظر من 7 صباحا، للعرض على عيادة العيون ، حيث أنه ينتظر دوره منذ أكثر من ساعة ولا يتحمل عبء الانتظار . وأضاف أنه ينتظر في الطابور بالساعات ويعرض نفسه للعدوى، لعدم قدرته على دفع ثمن الكشف باهظ الثمن في العيادات الخاصة، قائلا : " باكشف كتير هنا، والعيادة بتعطيني شريط برشام بس، وبشتري باقي العلاج من بره، المستشفى مش بتدينا كل العلاج، وإحنا مش قادرين على أسعار العلاج من الخارج، بجيب العلاج على كذا مرة ومش بقدر ادفع ثمن الروشتة كلها مرة واحدة، بس ارحم من الكشف فى العيادات الخاصة فهدفع ثمن كشف ومش هقدر اجيب العلاج " . معاناة المرضى أما قسم " الأورام والعلاج النووي " الذي يقصده الكثيرون من أهالي الصعيد بمستشفى الدمرداش الجامعي بالقاهرة، بسبب عدم توافر مستشفيات ومراكز مخصصة لعلاج السرطان في بلدانهم، إلا أنه أثناء رحلة بحثهم عن علاج لمرضهم الخبيث، سواء بجرعات الكيماوي أو بعمليات الاستئصال، تواجههم الكثير من المشكلات، مما يزيد من معاناة وآلام الإصابة بالمرض . العشرات ممن ينتظرون خارج أبواب عيادة الأورام، أتوا من محافظات بعيدة، أملا في الحصول على قرار تلقى جرعات أنواع معينة من " الكيماوي "، الذي يقدر سعر الجرعة الواحدة منه ب 20 ألف جنيه، كما تروى " أ . ص "، التي تأتى من محافظة سوهاج، لتلقى العلاج بعد إصابتها بسرطان الثدي قبل 3 أشهر، ما اضطرها إلى استئجار شقة لصعوبة عودتها إلى سوهاج، في نفس يوم تلقى الجرعة، إلا أن نوع الكيماوي، الذي يفترض أن تحصل عليه، لا يتم تحديد جلسته إلا بعد الحصول على قرار العلاج، الذي تستغرق الموافقة عليه وقتا طويلا . وأضافت ان الممرضات أخبروها بأن عليها الانتظار من شهر إلى شهر ونصف، حتى تتم الموافقة على القرار الخاص بها، مضيفة أنه يتعين عليها تقديم عدد من الأوراق، تشمل نتيجة تحليل العينة، التي تم سحبها من الورم، بالإضافة إلى التحاليل والأشعة السابقة. وأشارت إلى أنها قدمت أوراقها كاملة قبل أسبوعين معتقدة أن تلك المدة كافية للحصول على الموافقة، قائلة : " معرفش إيه سبب كل التأخير ده عشان آخد ختم الموافقة، وكده هضطر أستنى ومش هعرف آخد جرعة الكيماوى اللى الدكتور قالى عليها " . معاناة أخرى تتعرض لها " أ. ص " في الحصول على ميعاد لإجراء التحاليل والأشعة قبل جلسة علاج الكيماوي، حيث تتضمن تحاليل ل " الأنيميا، وصورة دم ووظائف كلى وكبد، وأشعة بالجيل، ورنين مغناطيسي على الثدي " ، قائلة " بضطر أعمل التحاليل والأشعة على حسابي وبتكلفنى أكتر من 1000 جنيه، ربنا يعلم بجيبهم إزاى، مع إني ممكن أعملهم ببلاش هنا، بس المدة الكبيرة دى بتعملى مشكلة، وممكن تأخرنى في جلسة الكيماوي وده خطر عليا " . تأخر مواعيد المسح الذرى على مقربة من الباب الرئيسي لقسم الأورام، كانت " م . س " ، تستعد بالمغادرة لتعود إلى بيتها بمحافظة الشرقية، برفقة طفلها، الذي لا يتجاوز عمره ال5 سنوات، بعد أن حصلت على ميعاد بعد شهر للخضوع للمسح الذرى، حيث تم تشخيصها قبل شهرين بورم خلف الغدة الدرقية، الأمر الذي دفعها إلى التوجه لمستشفى الدمرداش، حيث أخبرها الطبيب أنها ليست بحاجة إلى العلاج الكيماوي، وتكتفي فقط بعلاج دوائي، بعدما تم استئصال الغدة والورم السرطاني . وأضافت أنه من الصعب عليها انتظار شهر كامل لإجراء المسح الذرى، قائلة: " ممكن أضطر أعمله في أي مكان بره على حسابي رغم سعره الغالى جدا، بس عشان معملتش مسح بقالى شهرين ودلوقتى هستنى شهر كمان عشان أعمله ودى هتبقى مدة كبيرة جداً، ومحتاجة أطمن على نفسى لأن دى حاجة بتحدد مصيرى " . في وحدة الغسيل الكلوي، لم يختلف الأمر كثيرا، فوجدنا أشخاص جالسين على الأرض لعدم وجود أماكن لهم، فهم في انتظار الفرج لدخول الحالة المصابة، وأمام الباب الصغير للوحدة، يجلس حوالي 25 من المرضى المسنين، العديد منهم على كراسي متحركة في انتظار الدور، بدأت الحديث مع مراسلة " الأهالي، " سيدة " عجوز " تتجاوز الستين عاما ، أثناء انتظار الدور للدخول لوحدة الغسيل الكلوي وتبادلوا أطراف الحديث، ليأتي فجأة عامل الوحدة ينقل " صاحب الدور" لماكينة الغسيل، كما تتواجد جراكن محلول الغسيل أمام الباب، الأمر الذي يغضب المرضى. فقالت " ث. ع. ا "، أحد المصطفين بالقسم، أنها تأتى لوحدة الغسيل الكلوي 3 أيام أسبوعيا منذ 4 سنوات، والجلسة الواحدة تستغرق أكثر من 4 ساعات للمريض الواحد، ودائما ما يقدم لها الأطباء الدعم المعنوي، موضحا أن التكاليف بالمستشفى " على قد الأيد " ، بعكس باقي المستشفيات الأخرى. بنبرة حزن وعيون ممتلئة بالدموع، أكدت "ه. س"، 43 عاما، على مدى تخوفها من فقدان طفلتها الصغيرة " بسنت " صاحبة الخمس سنوات، التي أقبلت على الحياة بهذا الداء اللعين، لتذهب إلى المستشفى مرتين أسبوعيا لعمل جلسات الغسيل الكلوي. وأوضحت أن ابنتها عندها فشل كلوي منذ 3 سنوات، حيث أنها تقوم بعمل الجلسات على نفقة الدولة بمستشفى الدمرداش، ولكن المشكلة تكمن فى تكلفة العلاج، حيث إن حقن الغسيل ب386 جنيها، فإنها تحتاج لأكثر من 940 جنيها أسبوعيا، وذلك غير 250 جنيها علاج أنيميا ،لأن تعانى من أنيميا حادة. وتابعت أنه بعد وفاة زوجها منذ 10 أشهر، وهى لم تقدر على تحمل نفقة العلاج ، قائلة: " "جوزى كان أرزقي، وكنت بعرف أجبلها العلاج وبنحاول نمشي حياتنا، لكن بعد وفاته مش عارفه أجيب العلاج.. في ناس ساعدوني كتير، وأنا بشتغل في البيوت، ووصل الحالي أني بقيت أبيع مناديل في الشارع أو أقعد في الشارع، وأطلب من الناس فلوس، علشان أعالج بنتي.. الخدمة الاجتماعية بالمستشفى جابت العلاج مرة واحدة مجانا لبنتي بعد كده قالولي مينفعش علشان في حالات كتير محتاجة بردو، وقدمت على معاش الأرامل، ولسه ما صرفتش " . أما " ع. م " ، فأثناء خروجه مسرعا من المستشفى ، أكد أنه طاف بوالده على عدد كبير من المستشفيات الخاصة والحكومية في محافظتي القاهرة والجيزة، وأيضا لم يكن هناك مكان متوفر في مستشفى الدمرداش لحجز والده لعمل جلسات غسيل الكلى بالتماشي مع علاجه من فيروس كورونا. وتوجه " ع . م " إلى عدد من المستشفيات الحكومية التي أرجعت سبب رفضها استقبال الحالة إلى عدم توفر بروتوكول علاجي للتعامل مع حالات فيروس كورونا، بالإضافة إلى تلقيهم أوامر بعدم التعامل مع حالات اشتباه أو إصابات كورونا، وذلك لعدم وجود مكان مخصص لعزل تلك الحالات حتى لا يصاب بقية المرضى في المستشفى ومنعا لانتشار الوباء أكثر، وعليه يتم توجيه حالة كورونا التي تحتاج إلى غسيل كلى إلى مستشفى عزل صحي. كان مرور أسبوعين على رحلة بحثه عن مستشفى يستقبل حالة والده الذي يحتاج إلى رعاية غسيل كلى وعلاج فيروس كورونا، كفيلا بالمساهمة في ازدياد سوء الحالة الصحية للمريض، خاصة بعد رفض المراكز الخاصة استقبال الحالة لعدم توفر إمكانيات بها والبعض الآخر بالغ في أسعار جلسة الغسيل وطلب مبلغا تأمينيا ضخما. ومع سيطرة اليأس على الأسرة كلها، وجد مكانا في مستشفى صيدناوي، وهي أحد المستشفيات التي تحولت إلى عزل صحي مؤخرا، وقد خصص المستشفى ثلاث جلسات غسيل كلى على مدار أسبوع بشكل استثنائي. الوحدة كاملة العدد وعند السؤال عن إجراءات الغسيل على نفقة الدولة، قال أحد العاملين بوحدة الغسيل ، إن الوحدة كاملة العدد، ولن تقبل حالات جديدة بسبب طابور الانتظار اليومي، مشيرا إلى أنهم يبدأون العمل من التاسعة صباحا وحتى الثامنة مساء . وأوضح أنهم يريدون توزيع الحالات إلى مستشفيات أخرى، لأن مستشفى الدمرداش بها وحدتين للغسيل فقط، إحداهما مغلقة، والأخرى تستقبل أكثر من 60 حالة في الشيفت الواحد، ونحو 180 مريضا يوميا، مقسمين على 3 شيفتات.