طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22 مايو 2024 وأخبار السوق العالمي    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس مياه القناة: استخراج جذور الأشجار من مواسير قرية الأبطال وتطهير الشبكات    عاجل| حماس: إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين خطوة مهمة    لقاءات على هامش القمة    الصحة العالمية: ثلثا مستشفيات غزة خارج الخدمة بسبب العمليات العسكرية    الشهادة الإعدادية 2024.. فرحة بين الطلاب بختام ماراثون الامتحانات في القاهرة    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حريق داخل وحدة سكنية في بورفؤاد    «نقل النواب» تناقش موازنة سكك حديد مصر.. و«الإقتصادية» تفتح ملف «قناة السويس»    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    "يريد اقتسامها مع منافسيه".. جوارديولا يحصد جائزة مدرب الموسم في الدوري الإنجليزي    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اتفاق على عقد منتدى السياحة الأفريقية بشرم الشيخ «سنويًا»    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    جامعة عين شمس تحصد 3 جوائز لأفضل رسائل ماجستير ودكتوراه    إسبانيا تلحق بالنرويج وأيرلندا وتعترف بالدولة الفلسطينية    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    مواعيد مباريات الأربعاء 22 مايو - نهائي الدوري الأوروبي.. ودورة الترقي    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    حملة لإزالة مزرعة العاشر للإنتاج الحيوانى والداجنى وتربية الخيول والنعام فى الشرقية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    النقض تنظر طعن "سفاح الإسماعيلية" على حكم إعدامه.. اليوم    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    «نادٍ صعب».. جوميز يكشف ماذا قال له فيريرا بعد توليه تدريب الزمالك    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    67.7 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مرضى المحافظات" يعانون نقص "وحدات الغسيل".. والأسر تشكو مصاعب الحصول على "جلسة"
نشر في الوطن يوم 09 - 01 - 2020

بعد ولادته ب7 أشهر، لاحظت الأم على رضيعها اصفرار جسده وتكرار فقدانه للوعى وتعرضه لتشنجات من وقت لآخر، فتوجهت به إلى أحد المستشفيات القريبة من قريتها بمحافظة الشرقية لفحصه، فجاءت نتيجة التشخيص فى البداية أنه مصاب بضمور فى المخ، وبدأ الطفل «أحمد» تلقى العلاج، حيث ظل يعانى خلال رحلة علاجه من إسهال وقىء وارتفاع درجة الحرارة بسبب -حسب تشخيص الطبيب- «نزلة برد»، حتى اشتد التعب عليه وبدا ظاهراً على جسده الضعيف، فحملته الأم مرة أخرى لمستشفى الزقازيق الجامعى التى حولته لمستشفى سيد جلال الجامعى بالقاهرة، لأن حالته متأخرة لتكتشف الأم الثلاثينية فى المستشفى الأخير كارثة، حين أخبرها الأطباء بأن رضيعها يحتاج إلى غسيل كلى لإصابته بالفشل الكلوى.
والدة "أحمد": نفسى يوفروا لعيالنا فلاتر غسيل فى الشرقية ويرحمونا من بهدلة السفر 3 مرات أسبوعياً
«لما الدكاترة قالت لى إن أحمد عنده فشل كلوى فضلت أصرخ وأعيط من وجعى عليه».. بهذه الكلمات بدأت والدة الطفل «أحمد» الذى يبلغ من العمر 3 سنوات، حديثها، متذكرة ذلك اليوم الذى قضته فى المستشفى متنقلة بين عيادة وأخرى لفحص ابنها وإجراء التحاليل والأشعة اللازمة: «ماحدش قال لى فى الزقازيق عنده إيه، نقلونا فى عربية إسعاف لمستشفى سيد جلال، كنت فاكرة إنه دور برد أو نزلة معوية، لكن لما كشفوا عليه هناك قالوا لنا اجروا به على أبوالريش ده محتاج يغسل كلى ولازم تلحقوه قبل ما يموت».

توجهت الأم حينها سريعاً إلى مستشفى أبوالريش للأطفال الذى استقبل رضيعها، حيث تم حجزه داخل الرعاية فيه لمدة أسبوعين، حيث أجرى العديد من التحاليل على أمل إيجاد علاج لحالته بدلاً من غسيل الكلى، لكن كانت جميع نتائجها تؤكد لهم إصابته بالفشل الكلوى وضرورة إخضاعه لجلسات غسيل: «هنا اهتموا بيه، كان داخل شبه ميت، قالوا لى هنحاول معاه بالأدوية، لكن ماكانش فيه تحسن، وبطنه اتنفخت والكلى عنده توقفت عن عملها، وماكانش فيه حل غير إنه يدخل وحدة الغسيل الكلوى».
رغم صدمة الشابة الثلاثينية بما حدث لرضيعها، لكنها رضيت بقضاء الله، لتجد أزمة أخرى كانت فى انتظارها زادت من آلامها ووجعها، تتمثل فى عدم توافر وحدات غسيل كلوى للأطفال فى محافظة الشرقية حيث تسكن، فبعد خروج نجلها من مستشفى أبوالريش الذى بدأ فيه أولى جلساته حينها، عادت إلى بيتها بقرية «النوافعة» التابعة لمركز فاقوس، للبحث عن أقرب وحدة غسيل كلوى للمتابعة فيها واستكمال جلسات الغسيل بها، فلم تترك مستشفى إلا وطرقت بابه على أمل إيجاد وحدة خاصة للأطفال، لكنها لم تجد فى كل مرة سوى رد واحد: «ماعندناش مكان للأطفال ارجعى أبوالريش»، وفقاً لكلامها.
بُعد المسافة بين بيت الأم ومستشفى أبوالريش الذى عادت إليه مجدداً لاستكمال جلسات الغسيل الكلوى، كان يمثل أزمة بالنسبة لها، حيث كانت تضطر للخروج من بيتها قبل أذان الفجر حتى تصل فى ميعاد الجلسة التى تستغرق من 3 ل4 ساعات، تاركة طفلها الأكبر مع عمته، ثم تعود إليه بعد أذان المغرب، بجانب مصاريف المواصلات التى كانت تنفقها ذهاباً وإياباً والتى كانت تتعدى ال1500 جنيه شهرياً: «حياتى بقت صعبة جداً من يوم ما اكتشفنا تعب أحمد، سِبت ابنى الكبير فى البلد وعِشت هنا رغم إنه صعب عليّا أتغرب بس هاعمل إيه، جوزى شغال باليومية ومابقتش أقدر على المصاريف»، تصمت الأم قليلاً لتجفف دموعها، ثم عاودت حديثها، قائلة: «ليه مايوفروش ماكينة فى بلدنا لعيالنا ويرحمونا من البهدلة دى، ليه بيزودوا وجعنا على عيالنا، أهو على الأقل فى بيتى هاخد راحتى، وابنى يكبر وسط أهله بدل ما هو بقى محبوس هنا كأنه فى سجن ونفسيته بتسوء كل يوم عن اللى قبله».

وفى العريش كان هناك حكاية أخرى لطفلة ولدت مصابة بعيب خلقى اكتشفته والدتها فى بداية الشهر السابع من حملها، حيث أخبرها الطبيب بعد الكشف عليها بجهاز «السونار»، أن طفلتها مصابة بتضخم بالكلى وربما تحتاج بمجرد ولادتها إلى جلسات غسيل كلوى، بحسب كلام الأم التى راودتها حينها أفكار عديدة ما بين إجهاضها خوفاً من أن تعيش حياتها فى تعب وألم، أو استكمال شهور حملها على أمل إيجاد علاج لحالتها الصحية فيما بعد بدلاً من الغسيل الكلوى، وبعد حيرة دامت لنحو أسبوعين، قررت أن ترضى بما كتبه الله لها، وخصوصاً بعدما أكد لها بعض رجال الدين حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح، على حد قولها: «كنت مستنية لحظة ما بنتى هتيجى الدنيا بفارغ الصبر لأنها أول فرحتى ولما عرفت إنها عندها عيب خلقى ماكنتش عارفة أعمل إيه بس اعتبرتها هدية من ربنا وقررت أعالجها حتى لو هتبرع لها بكليتى».
ووالدة "فاطمة": اليوم اللى بتغسل فيه بيضيع فى السفر
بدأت طفلتها «فاطمة» رحلة علاجها منذ اليوم الأول لولادتها، إذ اضطر الأطباء بعد انتفاخ بطنها إلى حجزها بقسم الحضانة لمدة 5 أيام لمتابعة حالتها، وبعدما سمح لها الأطباء بالخروج من المستشفى توجهت الأم لأكثر من طبيب لإيجاد علاج لها، لكن جميعهم أكدوا لها أن حالتها تحتاج إلى غسيل: «كنت كل شهر باعمل لها تحاليل وساعات كانت بتحتاج نقل دم كل شهرين لأنها كانت على طول عندها أنيميا لحد ما كملت سنة، فجأة جالها جفاف ووظائف الكلى عليت وبقت تتشنج، وحجزوها فى العناية عندنا فى العريش، وبعدها قالوا لى لازم تغسل حالاً وإلا هتموت»، لكن نظراً لعدم وجود وحدة غسيل كلوى للأطفال بالعريش، قامت إدارة المستشفى بتحويلها لمستشفى الإسماعيلية العام الذى رفض استقبالها لصغر سنها، وعدم وجود فلاتر تتناسب مع جسمها، فتوجهت لمستشفى الأطفال الجامعى بالمنصورة الذى رفض أيضاً استقبالها لعدم وجود أسرة خاوية بها، فلم تجد أمامها سوى الذهاب لمستشفى أبوالريش للأطفال، بحسب كلامها: «رحت الإسماعيلية قالوا لى دى أول حالة تجيلنا عمرها أقل من سنتين مش هنقدر نتعامل معاها، والمنصورة ماكانش فيها مكان، جيت بيها على أبوالريش أخدوا منى البنت عملوا لها كل الفحوصات وقالوا لى هتغسل معانا»، فلم تجد الأسرة التى يعمل عائلها فى الفلاحة سوى ترك محافظتهم والبحث عن شقة إيجار قريبة من المستشفى لعدم قدرتهم على السفر للعريش يوماً بعد الآخر، لتواجه بعد حوالى 3 شهور من إقامتهم بالقاهرة أزمة أخرى تتمثل فى ارتفاع تكاليف المعيشة بما يفوق قدرتهم المادية، مما دفعها إلى العودة لمحافظة الإسماعيلية والسكن فيها لكونها الأقرب من محافظتهم، وتقول: «اليوم اللى بتغسل فيه ما باعملش أى حاجة، بيضيع فى السفر وجلستها، مابدخلش البيت غير بالليل خالص لأنى بركب حوالى 3 مواصلات بادفع فيهم 60 جنيه، لكن لو فضلت فى العريش مش هوصل غير تانى يوم».
وتلقى الأم باللوم على الحكومة المسئولة عن توفير وحدات مجانية لمعالجة مرضى الفشل الكلوى فى المحافظات البعيدة عن القاهرة شرط أن تكون بنفس كفاءة وتجهيزات الوحدات التى يتم تحويلهم إليها بدلاً من المعاناة التى تعيشها يومياً مع طفلتها.
والدة "ندى": اضطريت أسيب شغلى عشان أقدر أسافر مع بنتى من مدينة أطفيح إلى مستشفى الدمرداش.. والعلاج يكلفنا ألف جنيه شهرياً
داخل غرفة صغيرة بمستشفى الدمرداش للأطفال، جلست «أم ندى»، 52 عاماً، مرتدية عباءة سوداء وخماراً يغطى رأسها، تتابع بعينيها الضيقتين شاشة التليفزيون التى وفرتها إدارة المستشفى كنوع من التسلية للأهالى الذين ينتظرون خروج أبنائهم من جلسة الغسيل الكلوى لأكثر من 3 ساعات، تحكى بصوت منخفض رحلة علاج ابنتها «ندى» التى بدأت قبل عامين، وقتما جاءت نتيجة التحاليل التى أجرتها بعد شعورها بالغثيان والضعف بأنها مصابة بالفشل الكلوى، قائلة: «ندى من يوم ما اتولدت وجسمها ضعيف بس ماكانتش بتشتكى من حاجة، حتى لما كنت بكشف عليها عندنا كانت الدكاترة بتقول لى إن عندها أنيميا وبتكتب لها فيتامينات، لحد ما تعبت فجأة منى ومابقتش قادرة تقف على رجليها، جريت بيها على الدكتور قال لى على تحاليل أعملها وكانت نتيجتها إن الكلى توقفت عن العمل ومحتاجة غسيل».
بمجرد ظهور نتيجة التحاليل، توجهت السيدة الخمسينية لمستشفى أطفيح العام التابع لمحافظة الجيزة باعتباره أقرب مستشفى لبيتها لبدء جلسات الغسيل، لتفاجأ بعدم وجود ماكينة للغسيل الكلوى للأطفال، حيث أخبرها الطبيب الموجود بالمستشفى حينها أن عليها الذهاب لمستشفى أبوالريش للأطفال أو الدمرداش لتوفر ماكينات للأطفال فيها، بجانب وجود أطباء وفريق تمريض متخصصين فى علاج الأطفال، لكن بُعد المسافة بين مسكنها والمستشفيين، دفعها للبحث عن وحدة غسيل كلوى مخصصة للأطفال فى نطاق منطقتها، حيث توجهت فى بداية الأمر إلى مستشفى العياط ومنها للبدرشين العام والحوامدية وأخيراً مستشفى أم المصريين العام الذى كان لا يختلف كثيراً عما قبله، فجميعها -بحسب كلامها- رفضت استقبال طفلتها صاحبة ال15 عاماً لعدم وجود ماكينات غسيل للأطفال، فلم تجد أمامها سوى الذهاب لمستشفى الدمرداش المخصص بداخله وحدة غسيل كاملة للأطفال الذين تقل أوزانهم عن 30 كيلو، مضيفة: «أنا اتبهدلت فى آخر سنين عمرى عشان بنتى، كل يوم كنت باصحى من الفجر ألف على الدكاترة والمستشفيات عشان أشوف لها علاج، ماحدش كان بيفيدنى بحاجة لحد ما جيت هنا حجزوها عندهم وعملوا لها التحاليل وأخدت جدول بمواعيد الجلسات».
معاناة كبيرة تعيشها «أم ندى» منذ مرض ابنتها، إذ تضطر رغم كبر سنها إلى قطع مسافات طويلة من بيتها للمستشفى، فضلاً عن تكلفة المواصلات التى تدفعها لكل جلسة، الأمر الذى يمثل عبئاً عليها، فهى لا تملك أى مصدر دخل سوى معاش زوجها الذى لا يتعدى ال600 جنيه، وفرشة خضار كانت تستعين بها على تدبير احتياجات المنزل، فى حين أن مصاريف ابنتها شهرياً تتخطى ال1000 جنيه، ما بين أدوية تقوم بشرائها على نفقتها الخاصة ومصاريف المواصلات التى تستقلها كل مرة ذهاباً وإياباً.
لم تعد حياة «ندى» منذ لحظة مرضها كما كانت من قبل، إذ اعتادت قبل تعبها الذهاب يومياً للمدرسة مع زملائها وحضور دروسها أولاً بأول، فهى -بحسب كلام والدتها- كانت من الأوائل على مدرستها طوال المرحلة الابتدائية حتى الصف الثانى الإعدادى الذى اكتشفت فى بدايته مرضها ليتبدل حالها تماماً، حيث اكتفت من وقتها بمذاكرة دروسها فى بيتها والذهاب للمدرسة أثناء الامتحانات فقط نظراً لالتزامها بمواعيد جلسات الغسيل، فهى تحتاج إلى 3 جلسات أسبوعياً: «كانت بتحب مذاكرتها بس من يوم ما عرفت بمرضها وهى عندها اكتئاب، بتخرج من الجلسة محتاجة اللى يسندها، ومابتقدرش تعمل أى حاجة، فبقيت أخليها تروح المدرسة على الامتحان عشان يبقى معاها أى شهادة، فأنا نفسى بنتى ترجع زى ما كانت»، الأمر الذى دفعها إلى التفكير فى التبرع بكليتها لابنتها على أمل أن تعود لحياتها الطبيعية كأى بنت فى سنها، والاستفسار عن شروطه التى كان أهمها، بحسب كلامها، تطابق بعض التحاليل بينهما بجانب أن حالتها الصحية تسمح بالتبرع لها وكذلك وزنها، مضيفة بعدما غلبتها دموعها: «عملت من 3 أيام التحاليل وقالوا لى انتظرى 10 أيام لحد ما النتيجة تظهر ولو فيه تطابق هنكمل الإجراءات، بادعى ربنا ليل ونهار إنى ينفع أتبرع لها، أنا عِشت خلاص حياتى مابقتش عايزة حاجة من الدنيا غير إن ندى تترحم من جلسات الغسيل، كل حاجة فى إيدى عملتها ليها وبادعى ربنا إن تعبى معاها مايروحش على الفاضى».
لم يختلف حال «أم ندى» عن غيرها من الأمهات اللاتى جئن من مختلف محافظات مصر للقاهرة بحثاً عن ماكينة غسيل كلوى لأطفالهن، بعدما باءت محاولاتهن فى محافظاتهن بالفشل، ففى مستشفى الدمرداش للأطفال، كانت هناك العشرات من السيدات يجلسن داخل غرفة تبتعد قليلاً عن وحدة الغسيل الكلوى، فى انتظار انتهاء مدة الجلسة التى تستغرق 4 ساعات، يتسامرن معاً فى الأمور الحياتية لتسلية وقتهن الذى يمر عليهن وكأنه دهر، من بينهن «روحية. أ»، أم لأطفل مصاب بالفشل الكلوى، جاءت به من محافظة القليوبية ليأخذ جلسة الغسيل التى اعتادها منذ 4 سنوات بعد رفض مستشفى الجامعة بمحافظته استقباله لعدم وجود أسرَّة به، تقول إن طفلها «محمد. ه»، الذى يبلغ من العمر 13 عاماً، ولد بعيب خلقى فى الكليتين سبب له مشكلات بالمسالك البولية والحالب، الأمر الذى اضطره للخضوع للعلاج، لكن حالته الصحية لم تستجب له، ففى عمر ال9 سنوات أصيب بصديد فى البول وارتفعت درجة حرارته فجأة، فحملته الأم إلى طبيب مسالك بولية بمنطقتها فى قرية بلقس التابعة لمركز قليوب للكشف عليه، فأخبرها بأن حالته متأخرة وقام بتحويله لمستشفى أبوالريش للأطفال لإجراء منظار وبعض التحاليل، لكن الأطباء فى المستشفى الأخير كان لهم رأى آخر فى علاجه بعد فحصه، حيث قاموا بتركيب قسطرة له تسببت فى احتباس البول لمدة 3 أيام وفقدانه للوعى، وفقاً لكلام «روحية»: «محمد عنده الكليتين مش منفصلين عن بعضهم والحالب مسدود، فالبول بيرجع على الكلى وده سبب صديد وتضخم للكليتين، وأجرى الأطباء له بعض التحاليل والأشعة التى أكدت جميعها ضرورة إخضاعه لجلسات غسيل كلوى نظراً لتوقف عمل الكليتين تماماً».
"روحية": ابنى ترك مدرسته عشان ييجى القاهرة يتعالج.. وباتمنى من المسئولين يشوفوا حل
وبعد انتهاء أول جلسة غسيل ل«محمد» قامت إدارة المستشفى بتحويله لوحدة الغسيل الكلوى بمستشفى سيد جلال لعدم وجود أسرة خاوية به، لتبدأ الأم فى المستشفى الأخير حكاية جديدة ومعاناة أخرى، إذ اكتشفت أثناء إجرائها التحاليل المعتادة بعد دخولها المستشفى ب3 شهور بأنه أصيب ب«فيروس سى»، على حد قولها.
استمرت «روحية» لمدة عامين تتابع لابنها داخل مستشفى سيد جلال حتى سمعت من إحدى الممرضات عن وحدة غسيل كلوى مخصصة للأطفال بمستشفى الدمرداش، فتوجهت على الفور إليها للاستفسار عن إمكانية إلحاقه بها، وبعد إجراء بعض التحاليل والفحوصات له وافق المستشفى على استقباله وقام بمنحها جدولاً خاصاً بمواعيد الجلسات التى يحتاجها طفلها: «باجى هنا كل يوم سبت واثنين وأربعاء، الجلسة بتبدأ من 12 لكن باوصل قبلها بنص ساعة عشان محمد يرتاح من السفر قبل ما يغسل وكمان لأنه لازم يقيس الضغط ويتوزن قبل كل جلسة، وبخلص على 4 تقريباً».
وعن سفرها 3 مرات أسبوعياً من قريتها للمستشفى، تقول «روحية» إن الأمر شاق ومرهق للغاية وخصوصاً فى الأيام التى يخرج فيها «محمد» من الجلسة ضغطه منخفض، إذ تضطر إلى الجلوس به من وقت لآخر فى الشارع ليريح جسده النحيل، أو تحمله على كتفها، فهى تستقل حوالى 4 مواصلات حتى تصل إلى بيتها: «محمد وزنه 27 كيلو وجسمه ضعيف مابيستحملش ساعات جلسة الغسيل، بيطلع منها دايخ وتعبان، باضطر أقعد بيه هنا لحد ما يفوق، وساعات فى الطريق بيتعب منى لأننا بنقعد حوالى 3 ساعات فى المواصلات، ومابعرفش أتصرف لأنى باكون لوحدى فباضطر أقعد فى الشارع لحد ما يرتاح»، مشيرة إلى أنها تواجه أزمة أخرى بسبب سفر نجلها للقاهرة، تتمثل فى عدم قدرته على الذهاب للمدرسة كباقى زملائه، وإنما يكتفى بدخول الامتحانات: «إحنا اتبهدلنا من يوم ما جينا القاهرة، أنا بقيت على طول سايبة بيتى وعيالى، ومحمد ساب مدرسته عشان يتعالج، حتى أيام الامتحانات باضطر أستناه قدام المدرسة عشان لما يخرج أجرى بيه على المستشفى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.