أصدر المكتب السياسي لحزب التجمع تقريراً جماهيرياً بشأن الإنتخابات البرلمانية 2020 ،وطرح رؤيته حول التحديات والمخاطر ،ودعا إلى مشروع سياسي وثقافي وإعلامي يتماشى مع المرحلة الراهنة ..هذا نصه:"شهدت مصر، في الشهور الأخيرة (أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر) من عام 2020، معركة انتخابية جديدة لاختيار أعضاء البرلمان الجديد بغرفتيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وتعددت مواقف الأحزاب السياسية من هذه الانتخابات، وتراوحت بين موقفين، المقاطعة أو المشاركة، وبينما قاطعت بعض الأحزاب انتخابات مجلس الشيوخ، شاركت في أغلبها في انتخابات مجلس النواب، وشارك بعضها في الترشح على المقاعد الفردية فقط، وشارك بعضها في الترشح على المقاعد الفردية والقوائم. وكانت قوانين الانتخابات الجديدة قد أقرت الجمع بين القوائم المطلقة والفردي في انتخابات المجلسين، وعلى الرغم من أي ملاحظات حول قانون الانتخابات والنظام الانتخابي المشترك والقائمة المطلقة والدوائر، فقد قررت الهيئات القيادية لحزب التجمع، وعلى رأسها الأمانة العامة، المشاركة في انتخابات الغرفتين، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، والمشاركة بالنظامين: القوائم والفردي، وكلفت لجان المحافظات فتح الباب لتلقي ترشيحات الأعضاء الراغبين في الترشح على المقاعد الفردية، وكلفت المجلس الرئاسي للحزب القيام بإدارة العملية الانتخابية. الترشح والحصاد: فتحت لجان المحافظات بالحزب باب التقدم للترشيح على المقاعد الفردية، تنفيذاً لقرار الأمانة العامة بالمشاركة في العملية الانتخابية، ووصلت طلبات عدد الذين يرغبون في الترشح من المحافظات 57 طلباً للترشح على المقاعد الفردية. وقامت مجموعة من الأحزاب، بدعوة من المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس حزب مستقبل وطن، بالتشاور ثم إعلان قيام (تحالف انتخابي) لتكوين قائمة انتخابية، تم تسميتها بالقائمة الوطنية من أجل مصر، وحصل التجمع على عدد ثلاثة مرشحين لمجلس الشيوخ على القائمة الوطنية من أجل مصر، هم الزملاء: الكاتبة الصحفية والناقدة فريدة النقاش نائب رئيس الحزب على قائمة القاهرةومحافظاتجنوب ووسط الدلتا، والمهندس أحمد شعبان أمين محافظة الإسكندرية على قائمة غرب الدلتا، والزميل عمرو عزت حجاج عضو تنسيقية شباب الأحزاب وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشباب التقدمي على قائمة الجيزةومحافظات الصعيد، كما تقدم الكاتب الصحفي منصور عبد الغني رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة الأهالي للترشح على المقاعد الفردية في دائرة الشرقية، وتمكن من إدارة حملة انتخابية جسورة في ربوع محافظة الشرقية مترامية الأطراف. وعبر القائمة الوطنية من أجل مصر التي تقدمت وحدها في انتخابات الشيوخ، حصد حزب التجمع ثلاثة مقاعد بالمجلس، وصلوا إلى أربعة مقاعد بانضمام النائب سيد عبد العال رئيس الحزب لهم عبر قائمة المعينين المائة التي قدمها السيد رئيس الجمهورية تطبيقاً لقانون مجلس الشيوخ. وفي انتخابات مجلس النواب، على القائمة الوطنية من أجل مصر حصل التجمع على خمسة مرشحين، هم الزملاء: النائب عاطف مغاوري نائب رئيس الحزب على قائمة شرق الدلتا ومدن القناة وسيناء، وكل من الزميلات ضحى عاصي الكاتبة الروائية وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد النساء التقدمي، مارسيل سمير أمينة الشئون البرلمانية وعضو المكتب السياسي وعضو تنسيقية شباب الأحزاب، وسلمى مراد أمينة تنظيم اتحاد النساء التقدمي، على قائمة القاهرةومحافظاتجنوب ووسط الدلتا، والزميل علاء عصام الصحفي وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشباب التقدمي وعضو تنسيقية شباب الأحزاب على قائمة الجيزةومحافظات الصعيد. كما تقدم للترشح على المقاعد الفردية عدد 11 مرشحاً من التجمع، في محافظاتأسوان وسوهاج والقاهرةوالغربيةوالشرقيةوالإسكندرية والإسماعيلية وشمال سيناء، هم الزملاء: هلال الدندراوي، حسن عبد الكريم، الدكتور عبد الغفار الضيفي، في دوائر محافظة أسوان، حمادة فرغلي طهطا بسوهاج، خالد عبد العزيز شعبان، عمرو الجوهري، بالقاهرة، أحمد بلال بدائرة المحلة محافظة الغربية، دينا الطواب بالشرقية، أيمن جلال بالاسماعيلية، إبراهيم الكاشف بالعريش شمال سيناء، والدكتورة ملكة مسعود بالإسكندرية. وتقدم حزب التجمع ببرنامج انتخابي عام يطرح فيه رؤيته السياسية والتشريعية لبرلمان 2021 تحت شعار: ضد الفقر والفساد والإرهاب، وربما كان التجمع هو الحزب السياسي الوحيد الذي تقدم ببرنامج انتخابي في الانتخابات النيابية 2020. الحصاد: وعبر مرشحينا على القائمة الوطنية من أجل مصر وعلى المقاعد الفردية، تمكن التجمع وعدد من لجان المحافظات الفاعلة والمتفاعلة مع القيادة المركزية والمرشحين، من إدارة عشرات اللقاءات الشعبية والندوات والمؤتمرات الانتخابية، ومناقشة قضايا ومشاكل المجتمع السياسية والجماهيرية، وطرح العديد من الحلول والبدائل في المجالات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وربما كان التجمع عبر مرشحيه على القوائم والفردي هو الصوت السياسي المتميز في معركة انتخابية غلب عليها الطابع الانتخابي التقليدي. فقد كانت الهيمنة في انتخابات 2020، لسيادة العلاقات الانتخابية التقليدية، وأساليب الاختيار التقليدية، القبلية والعائلية، وأساليب إدارة الانتخابات عبر الرشاوى الانتخابية والمال الانتخابي وشراء الأصوات، وهي أوضاع موروثة ومستمرة وراسخة مجتمعياً وثقافياً، وتحتاج لجهود ونضالات سياسية وثقافية ضخمة بهدف تغييرها والقضاء عليها. وفي ظل هذا المشهد الانتخابي كان التجمع، في عدد هام من المحافظات الفاعلة والدوائر الانتخابية، بمشاركته ورفضه لدعوات المقاطعة والانسحاب، وبمشاركة مرشحيه على القائمة الوطنية ومرشحيه على المقاعد الفردية، وإدارته لعشرات من اللقاءات الشعبية والندوات والمؤتمرات الانتخابية وتقديم برنامجه الانتخابي، صوتاً سياسياً وثقافياً مختلفاً في العملية الانتخابية، التي غلب عليها سيادة الطابع التقليدي اللا سياسي، والعلاقات والأساليب التقليدية والمالية. وحصد التجمع عدد خمسة مقاعد عبر القائمة الوطنية من أجل مصر، التي كانت تتنافس معها ثلاثة قوائم انتخابية حزبية أخرى، هي قائمة نداء مصر، وقائمة تحالف المستقلين، وقائمة أبناء مصر، هم النواب: عاطف مغاوري، سلمى مراد، ضحى عاصي، مارسيل سمير، وعلاء عصام. تمكن مرشحو التجمع على المقاعد الفردية من قيادة حملات انتخابية مهمة، أنتجت صلات جديدة بالجماهير وقضاياهم في مواقعهم بالعديد من المحافظات، وحصدت أصوات انتخابية وجماهيرية على أسس غير تقليدية، وتمكن العديد من مرشحينا وحملاتهم الانتخابية على الرغم من تلك العلاقات التقليدية والرشاوى المالية من حصد أصوات مهمة في الصناديق، ومن تحقيق حصاد تنظيمي هام، بضم عضوية جديدة للحزب عبر المعارك الانتخابية الجماهيرية، وتمكن زميلان مجتهدان من دخول جولات الإعادة هما، الدكتور عبد الغفار الضيفي بدائرة إدفو بأسوان، وفي دائرة المحلة بالغربية الصحفي الشاب والنائب الواعد أحمد بلال، الذي تمكن من الفوز في معركة الإعادة، عبر إدارة حملة انتخابية شعبية قوية، ومشاركة جماهيرية وسياسية، ومؤتمرات شعبية حضر بعضها وتحدث فيها نواب وقادة حزب التجمع. وبانتهاء المعارك الانتخابية، يكون الحصاد البرلماني لحزب التجمع معقولاً في ظل الظروف السياسية والثقافية والمجتمعية، وفي ظل القوانين الانتخابية، والثقافة الشعبية التقليدية السائدة التي دارت الانتخابات في ظلها. فقد أصبح للحزب عدد عشرة نواب في كل من مجلسي الشيوخ والنواب، 6 في مجلس النواب وأربعة في الشيوخ، فضلاً عن الحصاد التنظيمي المتمثل في انضمام عضوية جديدة للحزب، وخبرات العمل والنشاط الجماهيري المتراكم في عدد معقول من المحافظات، وهو وضع جديد ينبغي للحزب وقيادته المركزية وفي المحافظات استثماره وتطويره والبناء عليه. الفرص والتحديات: يمثل الحصاد البرلماني والجماهيري والتنظيمي للمشاركة في انتخابات برلمان 2020 بغرفتيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، فرصة سياسية جماهيرية وتنظيمية لحزب التجمع، ينبغي رصدها والتوقف عندها وإعداد العدة لاستثمارها أفضل استثمار. فهذه المشاركة وهذا الحصاد، يحملان معاً فرصاً جديدة ينبغي أن يتم استثمارها بكفاءة، وإعداد العدة لانتخابات المجالس الشعبية المحلية القادمة، والاستعداد للانتخابات النقابية العمالية والمهنية، وغيرها من الانتخابات، بما فيها الاستعداد من الآن للانتخابات البرلمانية القادمة. أمام التجمع فرصة جيدة، يمكن بها أن ينتقل الحزب نقلة جماهيرية نوعية، وأن يطور من أساليب عمله وتوجهاته العملية تطوراً نوعياً، في عمله التنظيمي والجماهيري والإعلامي بما ينعكس على عمل الحزب في كل المجالات النوعية الأخرى. إن حزب التجمع الذي صمد وتواجد بكوادره وانتشر بمؤسساته التنظيمية في كل المحافظات، وطور من رؤاه الفكرية وبرامجه التنظيمية والسياسية والثقافية، عبر إصداره لائحة تنظيمية جديدة في المؤتمر العام الطارئ 2018، وإصداره برنامجاً جديداً يطرح رؤيته للمرحلة الانتقالية وتحدياتها ومهامها عبر مؤتمره العام الثامن 2019، أمامه فرصة عملية جيدة للتحول إلى حزب جماهيري كبير وفاعل، وتطوير مناهج وأساليب عمله التنظيمي والإعلامي والجماهيري المركزي وفي المحافظات والأقسام والمراكز، فلديه كتلة نوعية جديدة وهامة من النواب في البرلمان بمجلسيه، يمكنها القيام (كهيئة برلمانية باسم الحزب) بدور برلماني تشريعي ورقابي متميز وفاعل، وهذه الهيئة البرلمانية بهذا الدور يمكنها أن تصبح رئة جديدة للتنفس وتطوير العمل الحزبي، بنسجها للصلات النوعية والجماهيرية والعلاقات البرلمانية بالنخبة البرلمانية في المجلسين، كما يمكن لنوابنا مع أمانات المحافظات والمراكز والأقسام تطوير العمل السياسي والجماهيري والإعلامي للحزب في المحافظات، عبر تنظيم النشاط الجماهيري ونسج العلاقات وتدعيم الصلات بجماهير الطبقات والفئات الشعبية والوسطى من خلال مقرات الحزب ومقرات النواب في دوائرهم الانتخابية. كذلك فإن الحصاد السياسي الجماهيري للانتخابات، الذي زرعته اللقاءات والجولات الانتخابية والندوات والمؤتمرات الشعبية للنواب، بما أنتجته من حصاد تنظيمي وعضوية جديدة انضمت للحزب عبر النشاط الانتخابي الجماهيري في عدد مهم من المحافظات الحية والفاعلة، ينبغي التعامل معه كفرصة جديدة لتنمية وتجديد وتطوير البناء الحزبي والعمل الحزبي في لجان المراكز والأقسام، ببناء لجان أقسام ومراكز جديدة جغرافية ونوعية، وتطوير ودعم اللجان القائمة، وذلك بوضع الخطط الضرورية، التثقيفية والتدريبية والتنظيمية لتثقيف وتدريب وإعداد الكوادر والقيادات الجديدة. إن الفرصة الناتجة عن الحصاد السياسي التنظيمي والجماهيري للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، هي فرصة جيدة تبني على ما سبقها من فرص، وتبني على ما سبقها من تراكم وخبرات وإمكانيات، بما يجعل منها فرصة لانطلاقة جديدة لحزب التجمع، تفتح الباب واسعاً أمام نقلة نوعية وتطور جديد، يؤكد من وجود التجمع وانطلاقه نحو المستقبل، حزباً جماهيرياً ورقماً صحيحاً صعباً، وطرفاً رئيسياً في الساحة السياسية المصرية. تحديات ومخاطر: على المستوى العام، أسفرت الانتخابات البرلمانية 2020 عن تكوين البرلمان الجديد بمجلسيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وتضافرت مقدمات عديدة وأسباب عدة لتنتج مجلسين يحظيان بأكثرية عددية كبيرة للنواب المنتمين لحزب واحد، هو حزب مستقبل وطن، وهذا الواقع الجديد يمثل تحدياً، يراه البعض تهديداً بعودة البرلمان إلى صوره السابقة، في ظل سيطرة الأغلبية عن طريق ائتلاف دعم مصر 2016، أو سيطرة الأغلبية السلفية الإخوانية 2012، أو سيطرة أغلبية الحزب الوطني في مجالس ما قبل 2011، فهل سيكون برلمان 2021 تكراراً لهذه البرلمانات السابقة؟ وهل ستعيد هذه الأغلبية إنتاج ظاهرة هيمنة نظام الحزب الواحد على الحياة السياسية؟ وهل يمكن لهذه النتيجة أن تمثل خطراً أو تحدياً يهدد من إمكانية وجود نظام سياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية؟ هذا سؤال لا يمكن تجاهله، فهو تعبير عن مخاوف حقيقية تعززها عناصر كثيرة ظهرت في تفاصيل المشهد الانتخابي لانتخابات 2020. ودون تجاهل لهذا السؤال وهذا التحدي، وقبل الانتقال إلى طرح التحديات التي تواجه الحياة السياسية بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2020، نريد أن نؤكد على عدة حقائق حول البرلمان الجديد 2021 بغرفتيه. فهذا البرلمان لا يمكن اختصاره في حقيقة وجود أغلبية كاسحة من أعضاء حزب مستقبل وطن وحدها، دون تجاهل أن هذه الأغلبية الكبيرة هي حقيقة لا شك فيها، وهي إذا تحولت إلى أغلبية مانعة للحوار والممارسة البرلمانية التنافسية كبرلمانات الحزب الوطني أو برلمان الإخوان، تصبح كارثة. لكن برلمان 2021 ليس كذلك فقط، فهو نتاج تحالف انتخابي حزبي، أي قام على إقرار أطراف التحالف الانتخابي باحترام التعددية الحزبية، وأنتج غرفتين تتكون بأوزان مختلفة من أكثر من 12 حزباً، فهل يمكن لهذه التركيبة وهذا التكوين الحزبي التعددي أن تنعكس على الممارسة البرلمانية؟ وهل يمكنها أن تنتج درجة أفضل من الحوار والاحترام والتعددية؟ أم سيتم ابتلاع هذه التعددية والطغيان عليها بقوة الأكثرية العددية؟ هذا تحدٕ كبير لا شك فيه. كما أن البرلمان الجديد تم بناؤه من غرفتين، هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب، فهل يمكن أن تنعكس هذه البنية على تراجع ظاهرة سلق القوانين؟ وتنامي ظاهرة الدراسة المتأنية للقوانين؟ أم يكون المجلس بغرفتيه تكراراً للمجالس النيابية السابقة؟ كذلك يتسم البرلمان الجديد بغرفتيه بوجود عدد كبير غير مسبوق من النساء، فضلاً عن التعددية الفئوية التي أدت إلى تمثيل ملائم للأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة والعمال والفلاحين والمصريين العاملين في الخارج، فهل تكون هذه التعددية دافعاً للحوار البرلماني أم لاً؟ وتطرح الفقرات السابقة إمكانية أن يكون برلمان 2021 مختلفاً، فهل يمكن أن يكون مختلفا؟ هذا سؤال مطروح سوف تجيب عليه الممارسة البرلمانية القادمة. ضعف الحياة السياسية: وعلى الرغم من ذلك، فقد كشف المشهد الانتخابي عن ضعف بالغ للعلاقات السياسية لصالح العلاقات التقليدية، القبلية والعائلية وأخواتها، وأظهر أن الحياة السياسية مازالت تواجه معضلة حقيقية وتحدياً حقيقياً، وهي معضلة سابقة على انتخابات 2020، ويمكن في هذا السياق اعتبار انتخابات 2020 ونتائجها بمثابة كشاف جديد وبرهان جديد على استمرار معضلة ضعف الحياة السياسية والحزبية في مصر منذ عدة عقود، حيث استمرار سيطرة وهيمنة العلاقات التقليدية والثقافات التقليدية على الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتظهر هذه الثقافات والعلاقات في مواسم الانتخابات، حيث لا ينطلق اختيار الجماهير والفئات الاجتماعية للنواب على أسس سياسية، ولا على أساس المنافسة الحزبية، ولا تأتي البرامج السياسية للأحزاب باعتبارها العنصر الحاسم في اختيار أعضاء البرلمان، بل تأتي العلاقات التقليدية القبلية والعائلية والجهوية في المقدمة، وتمثل هذه البيئة الاجتماعية والثقافية التقليدية بيئة ملائمة لظهور أدوار مهمة وخطيرة للعلاقات الشخصية والخدمات الشخصية والمنافع الشخصية، والرشاوي الانتخابية والمال الانتخابي بالتالي، حيث في غياب السياسة والعلاقات السياسية تتحول الانتخابات إلى مواسم لتبادل المنافع. ولا يمكن إنكار أن انتخابات 2020 قد دارت في معظمها في إطار تلك البيئة من استمرار سيطرة العلاقات التقليدية وهيمنة الثقافات التقليدية، التي أدت إلى تنامي عمليات تبادل المنافع الانتخابية وسيطرة المال الانتخابي إلا قليلا، وأدت في نفس الوقت إلى استمرار ضعف عملية اختيار النواب على أسس سياسية، وغياب الحوار السياسي والمنافسة الحزبية إلا قليلا. والتحدي هنا هو ما كشفت عنه انتخابات 2020 من خطر استمرار ضعف التعددية السياسية والحزبية، وعدم التمكن من بناء نظام سياسي مصري جديد يقوم على التعددية السياسية والحزبية تطبيقاً للمادة الخامسة من الدستور. وهذا الضعف السياسي والحزبي ليس جديداً، فقد جرت عمليات كثيرة بهدف قطع الطريق على إمكانية تنمية وتقوية النظام السياسي التعددي، وعمليات كثيرة بهدف إضعاف الأحزاب، لصالح سيطرة الحزب الوطني الحاكم على مؤسسات الدولة وأجهزتها التشريعية والتنفيذية المركزية والمحلية الإدارية والشعبية، وشهد نظام حكم السادات ثم مبارك عمليات اقتسام الحياة السياسية في تحالف غير معلن بين حزب السلطة وأجهزتها وجماعة الإخوان، عن طريق بناء تحالفات معلنة وصفقات غير معلنة بين الحزب الوطني الحاكم وجماعة الإخوان قبل 2011، وهو وضع أفسد الحياة السياسية وكرس العلاقات التقليدية وملأها بالفساد المالي والسياسي والطفيلية الاقتصادية والسياسية والخلط بين الدين والسياسة والطائفية، وبدلاً من سعي المجتمع المدني ومنظماته الحقوقية نحو تقوية المجال العام السياسي والنقابي والمدني، راحت تقدم نفسها كبديل للأحزاب والقوى السياسية والنقابية، وتبشر بموت السياسة عبر التعددية الحزبية والأحزاب السياسية وبرامجها الشاملة، وراحت تبشر بانتهاء دور الأحزاب السياسية، وقدمت منظمات المجتمع المدني ومراكزه الحقوقية والفئوية نفسها كمنافس للأحزاب وبديل لها، وكذلك فعل الإعلام الحكومي والخاص، وقد قضت ثورة 25 يناير الشعبية على اقتسام المجال السياسي بين الحزب الوطني والإخوان، فكشفت عن مجال عام يشهد ضعفاً فادحاً للقوى السياسية المدنية المنظمة، وضعفاً فادحاً لقوى المجتمع المدني لصالح القوى التقليدية، والجمعيات الأهلية التقليدية والدينية، الإخوانية والسلفية، وقامت جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي بعد ثورة 25 يناير 2011 بمحاولة استثمار هذا الوضع، وجرت محاولتها لاختطاف الدولة، بسيطرة تحالف تنظيم الإخوان والجماعات السلفية تحت قيادة مكتب الإرشاد وتنظيمهم الدولي، وتحت حماية الميليشيات المسلحة، وقضت ثورة 30 يونيو الشعبية 2013 على سيطرة الإخوان وتنظيمها الدولي على سلطة الدولة في مصر. لكن ضعف الحياة السياسية استمر، وغياب العلاقات السياسية استمر، ولم تكن القوى المدنية، اليسارية والليبرالية بقادرة على ملء هذا الغياب، أو بقادرة على القضاء على هذا الضعف لأسباب عديدة، لا بعد ثورة 25 يناير الشعبية ولا بعد ثورة 30 يونيو الشعبية، واستمرت كذلك العلاقات التقليدية والثقافات التقليدية غير السياسية، والثقافات السلفية، هي المسيطرة على المجتمع والدولة، على العلاقات الاجتماعية والعلاقات السياسية. نحو مشروع سياسي جديد: إن استمرار وجود هذا الضعف وغياب العلاقات السياسية وغياب الحوار السياسي خطر على كل من المجتمع والدولة، واستمرار وجود سيطرة وهيمنة العلاقات التقليدية خطر على كل من المجتمع والدولة، و خطر مؤكد على وحدة وسلامة الدولة الوطنية، فكل من الضعف السياسي والعلاقات التقليدية وثقافتها السائدة، هي الأساس المتين لإنتاج وإعادة إنتاج جماعات العنف والتطرف والطائفية والإرهاب، وإنتاج وإعادة إنتاج جماعات الفساد والطفيلية والنفعية والرشوة والإفساد، وهذه الجماعات وتلك تمارس عنفها وطائفيتها وفسادها وطفيليتها باسم الدين، وتنمو كالحشائش السامة في بيئة الضعف السياسي وغياب الحداثة،وهذا هو التحدي الذي لابد من تضافر الجهود لمواجهته ومواجهة خطر استمراره. تحتاج الحياة السياسية في مصر إلى جهود جبارة لإحيائها، ولا سبيل إلى ذلك سوى بإعادة الاعتبار للتنمية الاقتصادية وثقافتها، والعدالة الاجتماعية وقيمها، وإعادة الاعتبار للتعددية الحزبية والعلاقات السياسية، ببذل جهود قصدية لدعمها وتنميتها، وخلق أدوات لتقوية التعددية الحزبية والسياسية، وبناء أدوات ومنابر إعلامية جديدة وجادة للحوار السياسي والثقافي، واستثمار أدوات وإمكانيات وزارات الثقافة والشباب والتعليم والتعليم العالي، وبصفة خاصة قصور وبيوت الثقافة ومراكز الشباب والنوادي الاجتماعية والساحات، وغيرها، فضلاً عن المسارح والجمعيات والمنتديات الثقافية والأحزاب السياسية، للمشاركة في تنفيذ مشروع سياسي ثقافي وطني ديمقراطي جديد، يؤسس لثقافة الحوار والتعددية السياسية، ويدعم نظام التعددية الحزبية، ويواجه تحدي ضعف الحياة السياسية وغياب القوى والأحزاب السياسية، على طريق وفي إطار بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة القانون والمواطنة. فبدون هذه العملية التنموية الحداثية، عبر التصنيع والتنمية الاقتصادية وعدالة توزيع الأعباء، وبدون هذه العملية السياسية والثقافية يظل ضعف الحياة السياسية والثقافية قائماً، ويظل الباب مفتوحاً أمام نشأة الفراغ السياسي في المجتمع والدولة، ويظل هذا الفراغ خطراً على وحدة وسلامة المجتمع، وخطراً على وحدة وسلامة الدولة الوطنية، ويظل إمكانية مستمرة لإعادة إنتاج وعودة جماعات التطرف والعنف والطائفية، ونشأة جماعات الفساد والطفيلية. نحو مشروع سياسي جديد: نحتاج لمشروع سياسي جديد، وحوار سياسي جديد، يواجه خطر ضعف الحياة السياسية والإعلامية القائم، ويستهدف تطبيق المادة الخامسة من الدستور وبناء نظام سياسي يقوم على التعددية الحزبية والسياسية الحقيقية. ومشروع إعلامي جديد: ونحتاج لمشروع إعلامي جديد، يواجه الفوضى الإعلامية القائمة، ويؤسس لإعلام وطني ومهني فاعل، يقوم على الحوار والتعددية والشفافية وحق الاختلاف. ومشروع ثقافي جديد: ونحتاج لمشروع ثقافي جديد، وحوار ثقافي وطني يواجه ثقافة العنف والتطرف والطائفية والطفيلية والفساد السائدة، ويؤسس لثقافة بديلة تقوم على قواعد العقلانية وقيم العمل والإنتاج والحوار والتفكير العلمي وحق الاختلاف والمواطنة.