لم تكن المذبحة الدموية التى شهدتها نيوزيلندا مؤخرا، والتي قتل خلالها إرهابي يميني متطرف، خمسين شخصا فى مسجدين بمدينة «رايست تشيرش» اثناء صلاة الجمعة.. لم تكن هذه المذبحة الاولى ولن تكون الاخيرة فى ظل تنامي حركات اليمين المتطرف فى الغرب، والقائمة على فكرة تفوق الجنس الأبيض، والعداء للمسلمين والمهاجرين…سلطت هذه المجزرة الاضواء على مصطلح اليمين المتطرف ومفرادته مثل تفوق الجنس الأبيض، والنازيون الجدد. وأبرزت الخطر الذي بات يشكله صعود اليمين المتطرف فى الغرب، وما قد يسفر عنه من أن تنحو ظاهرة "الاسلاموفوبيا"، منحى دمويا خطيرا، قد يغذي على الجانب الآخر نشاط الحركات الإسلامية المتشددة.. أزمة الأنظمة الغربية فى الواقع أن الأمر أكثر بشاعة مما يبدو وما ظهر حتى الآن فى وسائل الإعلام حول العالم، فرغم التنديد العالمى بالمجزرة الا أن هذا لن يسهم فى تراجع ما يسمى بالارهاب الابيض أو اليمين المتشدد..هذا ما اكده د"ابراهيبم البيومى"استاذ علم الاجتماع السياسى أن حركات اليمين المتطرف ليست وليدة هذه الحادثة التى شهدتها نيوزيلندا مؤخرا، كما ان الحادثة ليست سببا فى ظهوره. وأوضح أن وجود اليمين المتطرف فى الأنظمة السياسية الأوروبية ليس ظاهرة جديدة، حيث إن الفاشية والنازية والقومية المتطرفة هيمنت على أوروبا فى حقبة ما بين الحربين العالميتين، ودفعتها نحو الحرب، وبدأ اليمين المتطرف يظهر مرة اخرى بقوة فى اوروبا والولايات المتحدةالامريكية نظرا لوجود عدة أزمات تعانى منها الانظمة الغربية، كما أن عدم قدرة الأحزاب والتيارات السياسة التقليدية على تقديم الحلول أو البدائل للمشكلات التى يعانى منها الشباب ساهم فى الرجوع الى السياسات المتشددة العنصرية والفاشية، وبالتالى فإن صعود تيار اليمين المتطرف فى أوروبا يعبر بالاساس عن أزمة مستحكمة لليمين المعتدل واليسار المعتدل فى أوروبا. وأوضح أن الهجرة تعد أحد الأسس المهمة فى خطاب اليمين المتطرف فى أوروبا، وكان لها دور كبير فى نهضة أحزاب اليمين المتطرف فضلا عن ذلك فإن البطالة، والتدهور الاقتصادي، والمستوى السيئ للنظام التعليمي..كل هذه الامور يتم طرحها فى خطاب اليمين المتطرف لسحب البساط عن الاحزاب اليمينية التقليدية. واشار الى أن المهاجر فى نظر اليمين المتطرف هو السبب الرئيس لكل ما هو سيء ويحاول انصار اليمين المتطرف تغذية فكرة أن المهاجرين والمسلمين هم وراء ارتفاع معدلات الجرائم، واحيانا يتم وصفهم بالغزاة، وانهم يمثلون خطورة على الجنس الابيض، لافتا الى أن فكرة الاستعلاء على باقى الاجناس الاخرى لها خلفيات ثقافية سادت فى اوروبا فى ازمنة سابقة، ولذلك نجد ان معظم حركات اليمين المتطرف عنصرية تؤمن بتفوق العنصر الأوروبي الأشقر مثل:حركة جان ماري لوبن فى فرنسا أو حركة اليمين المتطرف فى هولندا، والنازيين الجدد فى ألمانيا. وأضاف "ابراهيم البيومى" إن حركات اليمين المتطرف تشترك كلها فى بعض الخصائص على الرغم من اختلاف القوميات، ومن هذه الصفات انها ضد الديمقراطية وتقبل بها رغماً عنها وبخاصة إذا كانت تعطيها الأصوات الكافية لانتخاب نواب فى البرلمان، ويضاف إلى ذلك أن اليمين المتطرف متعصب قوميا أو دينيا ولذلك فهو يكره الأجانب الذين ينتمون إلى قوميات أخرى غير قوميته وأديان غير دينه، وبالتالى فأن اهدافهم هى إيقاف هجرة الأجانب إلى أوروبا وطردهم أن امكن لانهم من وجهة نظرهم غزاة، بالاضافة الى الحرب على المسلمين لانهم يشكلون خطرا عليهم من وجهة نظرهم، ولذلك يتجهون الى قتلهم بدم بارد..وهم بذلك لا يختلفون عن التنظيمات الارهابية الاخرى كداعش والقاعدة فلا فرق فى التوجه والسلوك. الصعود للحكم وحول نشأة حركات اليمين المتطرف أكد د"علاء عبد الحفيظ" استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اسيوط ان هذه الحركات نشأت بعد زيادة اعداد المهاجرين من المسلمين الى دول الغرب وخاصة فى اوروبا،لافتا الى أن قوى اليمين المتطرف نجحت فى كسب التأييد الشعبى فى ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها القارة الأوروبية والتي يتواجد عدد كبير من العاطلين عن العمل، كما أن الخطاب الاعلامى الغربى وتركيزه على فكرة أن المسلمين يمثلون تهديدا، وان المهاجرين غيروا النسيج الاوروبى..وايضا الحوادث الارهابية التى تحدث من الجماعات المتطرفة التى تنسب نفسها للاسلام كل ذلك ساهم فى صعود حركات اليمين المتطرف التى ترى أن جنسهم هو الافضل ويجب أن يسود العالم، ويجب تصفية غيرهم من الاجناس. وأكد أن الخطورة تكمن فى أن اغلب هذه الحركات اصبحت تمتلك احزابا سياسية وحصلت على اصوات الناخبين فى عدد من الدول الغربية، واصبح السياسيون يحاولون التقرب من هذه الاحزاب اليمينية المتطرفة وهذا هو الامر الذى يستدعى القلق خاصة ان هذه الحركات اصبحت اكثر خطورة لانهم استطاعوا الصعود الى الحكم مما يشكل تهديدا للدول الاسلامية والعربية نظرا لمواقفهم العدائية للعرب والمسلمين، ومن المتوقع مع استمرار صعودهم اتخاذ مواقف ضد مصالح العرب فى كل القضايا، واكبر دليل على ذلك مواقف الرئيس الامريكى "دونالد ترامب" ففكرة أن المسلمين يمثلون تهديدا تتردد أصداؤها فى السياسات التى يعتمدها. وأضاف أن خطاب اليمين نفسه، فى العديد من الدول الغربية، يبرر عداءه للمسلمين والمهاجرين باتهامات لهم بالسعي إلى تغيير ثقافة البلدان الغربية التي يأتون اليها. واكد أن التخوف الآن يتمثل فى حدوث المزيد من الاعتداءات على المسمين والمهاجرين بدافع عنصرى تحت مسمى"العنف الابيض" كما حدث فى فترة الحكم النازى، وان تؤدى هذه الافكار الى حدوث نفس الحروب كما كان الامر ايام الحرب العالمية الاولى والثانية والتى كان اساسها العنصرية وتفضيل الجنس الابيض. واشار استاذ العلوم السياسية الى أن الانظمة الحاكمة فى الغرب غير جادة فى التعامل مع تنامى هذه الحركات المتطرفة حيث أن اغلب حركات اليمين المتطرف ترى فى الرئيس الامريكى انه الملهم خاصة فيما يتعلق بخطابه حول افضلية العنصر الابيض على العالم، فهو يغذى هذا الفكر وهذا يتضح فى سياساته مع الدول العربية ودول الجوار. وينهى حديثه مؤكدا أن مكافحة الفكر اليميني المتطرف معركة تحتاج لتعاون أكثر بين أصحاب الفكر المضاد من اجل تنوع وتعايش سلمي بين البشر على اختلاف ألوانهم ودياناتهم وثقافاتهم. غياب المواجهة وفى رأى د" طارق فهمى" أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن المد اليمينى فى الغرب لم يظهر فجأة ولكنه بدأ فى دول اوروبا والولايات المتحدةالامريكية منذ خمس سنوات تقريبا، وظهر ايضا فى بعض دول امريكا الجنوبية لافتا الى أنه كلما صعد اليمين المتطرف الى دول اخرى زادت العمليات الارهابية التى تحدث ضد المهاجرين والمسلمين. واكد أن تنامي صوت اليمين المتطرف يعكس فى الواقع أزمة الأنظمة السياسية الأوروبية فى مجملها مشيرا الى أن هناك ايضا تنامى للحركة الشعبوية المعادية للاسلام المتمثلة فى الادارة الامريكية الحالية من خلال فوز "ترامب" الرئيس الامريكى والذى كان بداية لصعود حركات اليمين المتطرف ووصولها للسلطة. واوضح إنه من المتوقع أن تتمدد خريطة التطرّف فى أوروبا بصورة لافتة فى الفترة المقبلة نظرا لوجود مغذيات تسمح لها بالانتشار منها انها جاءت من رحم احزاب يمينية متطرفة مسموح لها بالعمل، وهذه التيارات كانت محظور عليها العمل السياسى من قبل، وهذه التيارات ما هى الا حركات ارهابية تروج لافكار متطرفة وتريد تغيير الخريطة السياسية وترفض التعامل مع انظمة الحكم العادية وتريد ممارسة التطرف واقصاء الاخر، وتستند فى الحكم على خطاب استعلائى وترفض عملية تداول السلطة وقيام الحكم على نظام ديمقراطى، وللاسف عدد من هذه التيارات المتطرفة وصل بالفعل الى الحكم من خلال الفوز فى الانتخابات، وتحظى بتأييد شعبى، وبالتالي فإن التطرّف والإرهاب سيتصاعد بقوة ليس فقط فى أوروبا ولكن فى مناطق اخرى عديدة نظرا لانتشار هذه الموجة الجديدة من اليمين المتطرف الارهابى. وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن المشكلة فى تشرذم وتفتت عمل ومهام تلك التنظيمات الإرهابية، وبالتالى فإن العمليات المنفردة التي لا يربطها رابط ستكون أساس لكل ما سيحدث فى أوربا وخارجها، فالبيئة الحاضنة للتطرف موجودة فى مصادر وفكر اليمين المتطرف. ولفت إلى أن الرسالة تكمن فى أن التمدد الجيوسياسي مرتبط فعلا بالفشل الراهن فى تجفيف مصادر الاٍرهاب والتطرف واتباع معايير مزدوجة فى التعامل مؤكدا عدم وجود مواجهة حقيقية من الانظمة الغربية لهذا التيار المتطرف، فالانظمة الغربية تفتقد لاليآت محددة فى التعامل مع هذا الفكر الارهابى المتطرف، وكل دولة تتعامل بمفردها، والاتحاد الاروربى يركز فقط على الهجرة غير الشرعية والمهاجرين فى حين أن الامر يتطلب وضع قواعد و تشريعات على مستوى الاممالمتحدة والاتحاد الاوروبى، فلابد أن تكون المواجهة غير محصورة فى حدود بلد واحد بل على صعيد اوروبا برمتها.