جلست أمامها ليس لتستعيد هي ذكرياتها فقط مع السينما المصرية، ولكني وجدت نفسي أستعيد معها كل المشاهد الجميلة من أفلامها التي دقت بها قلوبنا ومازالت.. رغما عني وقفت عند «الوسادة الخالية»، و«رسالة من امرأة مجهولة» لأعود معها لمواقفها الكوميدية العنيدة في «آه من حواء» ظللت أنظر إليها وأنا أتخيل، هذه هي المرأة التي أحبها عبدالحليم حافظ وغني لها «مشغول وحياتك مشغول» وهي أيضا التي أحبها فريد الأطرش وسحرته عيناها.. هي «عروس النيل» التي جاءت من وراء مئات وآلاف السنين لتقلب حياة رشدي أباظة رأسا علي عقب، وهي تلك المرأة التي نادت بحريتها لتقف في معركة «هي والرجال» لبني عبدالعزيز.. تفاجئك دائما بنبرة صوتها المميزة والتي مازالت لم تتغير وكأنك تسمعها تنادي علي ياسين أو تهتف «وا إسلاماه». تقول إنها لا تشعر بنجوميتها وتحزن لمن يقول لها إنها جميلة لرغبتها في أن ينظر إلي جمالها الداخلي أكثر ليري امرأة مثقفة وذكية، استمعت لكلمات والدها حامد عبدالعزيز الصحفي المعروف عندما قال لها «كوني شجاعة واتخذي قرارك الذي تعرفين أنه يحقق أحلامك ووجودك» فكانت هي الممثلة الجميلة التي أمتعتنا ب 18 فيلما فقط، كل منها يعزف علي أوتار حياة مختلفة. داخل كواليس مسرحية «سكر هانم» كان لنا معها هذا الحوار.. من مذيعة أطفال إلي نجمة سينمائية.. ما هي صعوبة هذا التحول في رأيك؟ - الصعوبة كانت في خطوة السينما لأني مثلت مسرحا كثيرا علي خشبة مسرح المدرسة منذ كان عمري 3 سنوات، وكان المخرجون يشاهدونني في الجامعة الأمريكية أمثل أيضا، وكان وقتها إنتاج مسرح الجامعة الأمريكية إنتاجا محترما جدا، وقد كتب د. رشاد رشدي أستاذ الأدب الإنجليزي وقتها مقالة عن إحدي مسرحياتي وهي «الأخوات الثلاثة» لأنها أعجبته جدا حتي أنهم قارنوها بما قدمه مسرح برودواي. وكنت أعتذر دائما للمخرجين الذي يطلبونني لأنني كنت أضع في اعتباري «مجتمعي وشرقيتي وتقاليدي» التي كانت ترفض التمثيل خاصة أهلي، وهذا لم يمنع الموهبة والرغبة داخلي. ألا ترين أن هذه الأفكار قد تكون بعيدة عن أعمالك السينمائية التي اشتهرت بها مثل «أنا حرة»؟ - هذا لا يمنع ما حدث وقتها ولا يمنع أيضا أنني تحديت المجتمع في كثير من الأشياء مثل دخولي الجامعة الأمريكية وكان يعد شيئا غريبا علي مجتمعنا، ولكن ما ساعدني أن والدي كان سابقا عصره وأفقه متسعا لدراسته بالخارج، حتي سفري للحصول علي المنحة «فول برايد» كان تحديا أيضا للمجتمع. تجربة سفرك لأمريكا للمنحة أيضا كانت تأخذك للسينما.. كيف هذا؟ - مثلت في أمريكا علي مسرح «نصف محترفين» الخاص بالممثلين المبتدئين وكان كثير من المخرجين يختارونني لأمثل في أفلامهم خاصة مع إجادتي طبعا اللغة الإنجليزية ولكني في الحقيقة تمنيت دراسة الصحافة لأكون صحفية وعندما قدمت رفض طلبي لأن الدراسة كانت باللغة العربية ولم أكن أجيدها إجادة مطلقة فدخلت قسم الفلسفة ولكني كنت طوال الوقت مع طلاب الصحافة، وكنت أراسل الأهرام أحيانا، إذا حدث شيء مهم في أمريكا كنت أكتبه وأرسله. تجربة التمثيل في أحد المسلسلات الأمريكية مع «روجر مور» بطل أفلام جيمس بوند.. كانت تؤهلك للعالمية مع وجود مقوماتها.. لماذا لم تستمري بها؟ - بالفعل كانت تجربة جيدة ولكن إحدي الشركات عرضت علي عقد فيلم أكون فيه بطلة نصف هندية ونصف إنجليزية بدلا من ممثلة اسمها «ايفاجا ردي» وكان متسببة في كثير من المشكلات فاختاروني بدلا منها ولكن تفاصيل العقد كانت تقيد حريتي في كل شيء وكأنهم يملكوني تماما لأنني لم أرغب وقتها في قطع صلتي بمصر فرفضت العقد ولم أستمر. زوجة وليست نجمة إذا لماذا اختلف موقفك بعدها بسنوات وتركت مصر كل هذه الفترة؟ - إحساسي بمصر لم يختلف ولكن أصبح لدي عائلة أخري صغيرة أنا من أرعاها وكان دوري التواجد معها فاخترت السفر لأكون بجانبهم وأكون زوجة ولست نجمة ولكن الحقيقة «أنا عمري ما نويت مارجعش مصر» دائما كان داخلي رغبة في العودة إليها. قرار العودة إلي مصر تبعه قرار العودة إلي التمثيل.. كيف اتخذتي هذه القرارات المفاجئة؟ - كلها بالفعل قرارات مفاجئة و«مجنونة» حتي سفري فجأة كان مفاجأة لكل أصدقائي وعاتبوني ولم يصدقوه وقتها لأنني كنت «مدللة» في منزل والدي ولم أعتد المسئولية والشقاء، أما قرار عودتي لمصر فكان قرار أخي قائد الطائرة الذي فاجأني إننا في مصر، والتمثيل شعرت بحنين شديد له فعدت إليه. هل اكتشفت لبني عبدالعزيز نفسها كممثلة؟ - لم أمثل من أجل الشهرة ولا جمع المال، أنا أصلا امرأة لا تحب النظر في المرآة وليس لدي إحساس بالذات، ولكن كان بداخلي حب التمثيل والدراما والمسرح وكنت أري في انجلترا كيف يعامل الممثل معاملة «العائلة المالكة» فيقدسونه ويحترمونه بشدة حتي المسرح الإنجليزي أشبه بالمسرح الإغريقي، وهذا بالتحديد كان غرضي أن أكون ممثلة من هذا الطراز وحاولت أن أختلف فعليا في أداء الأدوار. التمثيل رغبة كيف تأقلمت في الوسط السينمائي وأنت لا تعرفين شيئا عن السينما المصرية؟ - بالفعل لم أكن أعرف شيئا عن السينما المصرية، ولم أكن قد شاهدت حتي أي فيلم مصري بلا مبالغة، ولهذا عرفني عليها صلاح أبوسيف قبل تصوير «الوسادة الخالية» من خلال مشاهدتي لفيلم «شباب امرأة» وبالتدريج بدأت أعرف وأنا أصلا لدي حب المعرفة والتطلع. اختلافك عن ممثلات عصرك سواء في التعليم العالي الأجنبي أو الثقافة بالأدب العالمي.. إلي أي مدي أفادك في الفن؟ - بالتأكيد الثقافة تفرق إلي حد كبير، بالنسبة لي أري التمثيل «رغبة» تتبعها تدريب جيد وموهبة واستفادة من الحياة بكل تفاصيلها والثقافة تثقل كل هذا، والمدرسة الكبري هي الحياة فرغم مرور كل هذه السنوات أشعر أنني أفتح أبوابا جديدة أتعلم منها أشياء أخري. هل قربك من إحسان عبدالقدوس كان سببا لإجادتك أداء الأدوار في رواياته؟ - إحسان كان صديق أبي وجارنا وأصبح فيما بعد صديقي أيضا وقدمت له أربعة أفلام «أنا حرة»، «الوسادة الخالية»، «إضراب الشحاتين»، و«هي والرجال» وكنت أحب رواياته جدا وبالطبع قرأتها قبل ما أمثلها بكثير، حتي أنه في إحدي المرات قال لي إن «أنا حرة» مكتوب علشاني لأنني دخلت جامعة مميزة وأصررت عليها وهكذا ورأي أنني فتاة ممزوجة بالتقدمية والجرأة وبعض التقليدية فأنا داخلي «ست مصرية» تقليدية جدا. تقديمك لأفلام عبرت عن المرأة بشكل راق وخاصة معركتها مع الحرية.. كيف كان رد فعل المجتمع وقتها علي مثل هذه الأفلام؟ - بالفعل هذه الأفلام قد تكون الأولي وقتها التي غيرت نظرة المجتمع للبنت المصرية فهو اعتاد عليها في الأفلام الأخري مكسورة الجناح لكن أعمال إحسان عبدالقدوس أظهرت النموذج الجديد للمرأة المصرية المطالبة بحقوقها وهذا ما أكده لويس جريس فقال عن فيلم «أنا حرة» إنه غير وجهة نظر المجتمع للمرأة. انعكاس الواقع وما رأيك في صورة المرأة في الأفلام المصرية بشكل عام؟ - اكتشفت حاجة ضايقتني جدا أن كل نجماتنا «رقصوا بلدي» مش عارفة ليه وهذا جعلني مندهشة أن تصبح الممثلة راقصة وأعتقد أن هذا انعكاس سيء للواقع، الصورة عادة مشوهة في رأيي. تقولين انعكاس للواقع.. إذن كيف تقارني بين واقع المرأة في الخسمينيات والسيتينيات وفي 2010؟ - كنت أعتقد أن المرأة المصرية أخذت حقها في «وقتي» لأنه بالفعل كانت هناك خطوات جيدة للأمام فتوقعت زيادة صعودها للمدرجات ولكني جئت ووجدت المرأة المصرية مازالت تقف علي السلم. أكثر الذكريات التي تتذكرينها داخل استديو الزمن الجميل؟ - لم يكن لي علاقات مع الممثلين بعد التصوير ماعدا رشدي أباظة فقد عملت معه ثلاثة أفلام واستمتعت جدا وأصبحنا أصدقاء كان فنانا ممتعا ومعطاء ودائما يلقي القفشات والنكات ويعمل «العدس الأباظي» للعاملين في الاستديو وكان يملأ حجرتي بالورود أتذكر مشهدا في فيلم «بهية» كان مرهقا وكلما ركب الحصان يقع، وعندما سافرنا لتصوير «عروس النيل» الجو كان حارا جدا فكان يخفف علينا. زعلانة بعدك عن السينما بالرغم من عملك بالشاشة الصغيرة والمسرح.. لماذا وما تقييمك لها الآن؟ - أنا في مرحلة أعمل حاجات «علي مزاجي» وأعتبر نفسي «أليس في بلاد العجائب» فاكتشف كل يوم جديدا، ولكن حال السينما المصرية الآن سييء وأنا «زعلانة» علي مستواها، ولم أجد ما يجعلني أعود للوقوف أمام كاميرا السينما حتي الآن. عملك في مسرحية «سكر هانم» في هذا التوقيت الذي يردد فيه الجميع حالة المسرح السيئة.. ألا ترينها مغامرة؟ - لا علي الإطلاق لأن نص مسرحية «سكر هانم» قديم جدا من الأدب الكلاسيكي والنص يخلو من الكلمات المبتذلة وكوميدي وأنا أعشق الكوميديا وقدمتها من قبل في بعض أفلامي بجانب أنني تمنيت العمل في المسرح منذ وقت طويل. أنت مكلفة من الجامعة الأمريكية بكتابة كتاب عن «صورة العرب في السينما الأمريكية» كيف ترينها وأنت عشتي فترة هناك فعليا؟ - هي فكرتي في الأساس لكني توقفت عنها لأنها محتاجة إلي مجهود وتفرغ وكنت أريد إبراز كيف يظهر الأمريكان الذين يتباهون بالعدالة والمساواة وهم عكس ذلك تماما مع العرب.