نواصل عرض النتائج التي توصلنا إليها. فنقول وبالله التوفيق: 3- والنتيجة الثالثة التي توصلنا إليها هي إبطال كلام المتأخرين من النصاري بإنكار النسخ. وذلك بما نقلناه من الأناجيل المختلفة. 4- بينا أن النسخ يتمشي مع العقل البشري. وأنه لا معارضة بينهما أصلا. فإن الشرائع السماوية ما هي إلا كالقوانين التي يضعها الناس لأنفسهم لتحقيق المصلحة العامة والخاصة للناس. وأن هذه القوانين تعدَّل وتغيَّر حسب مقتضيات الزمن والتقدم البشري. كذلك الخالق جل وعلا يضع لعباده من الشرائع والأحكام ما يحقق لهم المصلحة. حسب علمه الأزلي. الذي أحاط بكل شيء علما. فهو سبحانه حينما ينسخ شريعة بشريعة يكشف لنا بذلك عن هذا العلم الأزلي الذي يدل علي أن ما يصلح لقوم قد لا يصلح لغيرهم. فمثل الشريعة كمثل الطبيب الحاذق. يعطي كل مريض ما يصلح له. وقد يغير له الدواء تدريجيا تمشيا مع حال المريض. 5- كما بينا أن وقوع النسخ إنما يحقق مصالح جمة. وأن الله قد شرعه لحكم سامية. أهمها التدرج في سياسة الأمة حتي تألف الدين الجديد وتذعن له. وقد تكون الحكمة في النسخ إنما هي التخفيف عن الأمة. رحمة بها. 6- لا خلاف بين العلماء في نسخ الكتاب بالكتاب. والسنة المتواترة بالسنة المتواترة. والآحاد بالآحاد. وإنما الخلاف في نسخ الكتاب بالسنة المتواترة. وفي نسخ السنة المتواترة أو الآحاد بالكتاب. وفي نسخ المتواتر بالآحاد. والجمهور علي جواز ذلك ووقوعه. ولم يخالف في ذلك إلا الإمام الشافعي . ونحن مع الجمهور في هذه المسألة ودليلنا في ذلك الوقوع. وأمثلة ذلك: أ- أوجب الله تعالي الوصية للوالدين والأقربين لقوله تعالي: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" "البقرة: 180". نسخ ذلك بقوله : "لا وصية لوارث". ب- إن الله تعالي أوجب جلد الزاني أو الزانية. سواء كان بكرا أو ثيباً مائة جلدة لقوله تعالي: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدي مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةي" "النور: 2". ثم نسخ الجلد عن الثيب بالرجم. وهذا ثابت في السنة المتواترة. ج- لقد كان التوجه إلي بيت المقدس في الصلاة ثابتا بالسنة. ثم نسخ ذلك بالتوجه إلي المسجد الحرام بقوله تعالي: "فول وجهك شطر المسجد الحرام." فثبت بذلك أن السنة تنسخ القرآن. وأن القرآن ينسخ السنة. لأن الكل من عند الله تعالي. والرسول ما هو إلا مبلغ عن ربه. كما قال عز من قائل: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيى يُوحَي" "النجم: 3.4". وللحديث بقية.