كان لصحيفة عقيدتي وأسرة تحريرها السبق الأول في بيان خطر الإلحاد وطالبوا علماء الأزهر والمفكرين والإعلاميين بالتصدي له. فخرج كثير من العلماء فقال إنهم شرذمة قليلون لا يساوون مداد القلم للرد عليهم. وقال بعضهم إن مخططات الملاحدة ستضيع سدي لأن الشعب المصري متدين بطبيعته. وكان النتيجة كما هو معلوم للجميع إلحاد علي الهواء مباشرة. والعلماء لاحس ولا خبر إلا من رحم الله! ولا شك أن الإلحاد المعاصر مُنتج غربي في المقام الأول تحت مسمي فلسفات التنوير. ونظريات التطوير الداروينية. ومفاهيم فرويد في العلوم النفسية. والماركسية السوداء التي تبنت مقولة "الدين أفيون الشعوب". وقد انتقل الإلحاد إلي بلادنا الإسلامية. فأصاب بعض شبابنا في مقتل. ولم تكن ظاهرة محسوسة. ولم يجاهر بها إلا نفر تعد أسماؤهم علي أصابع اليد في أوائل القرن الماضي كالدكتور "إسماعيل أدهم المصري المتوفي منتحراً سنة 1940م" صاحب كتاب "لماذا أنا ملحد" وقد رد عليه الأستاذ محمد فريد وجدي "رئيس تحرير مجلة الأزهر يومئذ" بدراسة علمية بعنوان: "لماذا هو ملحد". ورد عليه الأستاذ أحمد زكي أبو شادي بمقال "لماذا أنا مؤمن". والملحد عبد الله القصيمي السعودي "المتوفي سنة 1996م" صاحب كتاب "هذه هي الأغلال" والذي يعتبره الملاحدة المعاصرون أباهم الروحي. ثم أعلن جماعة البهائية وعبدة الشيطان عن هويتهم الإلحادية وكانوا يُعدون بالمئات. وتصدي لهم الأزهر الشريف وعلماؤه الربانيون. وفي سنة 2009م صدر البيان الأول للملحدين المصريين الذي يتضمن ما يشبه الميثاق الذي يلتزم به الملحدون في حياتهم. ثم قامت ثورات الربيع العربي. فكانت من أهم الأسباب لظهور المد الإلحادي في مصر وباقي الدول العربية والجهر به بلا استحياء. وانتشرت مجموعات إلحادية في المدارس والجامعات والنوادي الرياضية ومختلف التجمعات الشبابية. فبعد نجاح الشباب في تحديهم لرموز السلطة الغاشمة في مصر بثورة 25يناير 2011م. وأحسوا بقوتهم التي لا يستهان بها. فشجع بعضهم من أصحاب الفكر الماركسي إلي تحدي الرمز الأكبر والمتمثل في المنظومة الألوهية والدين. كما سمح جو الحرية الزائفة الذي أتاحته الثورات العربية بالجهر بأعلي أصواتهم بأفكارهم الإلحادية. وأصبح لهم نشاط واسع وملحوظ علي مواقع التواصل الاجتماعي. وانتشرت عشرات المواقع الإلكترونية الإلحادية علي الإنترنت التي تدعو له وتدافع عن الملاحدة. وقد حذرنا منها ولكن لا حياة لمن تنادي. وكأننا ننفخ في الرماد. وكان من أشهر هذه المواقع: "ملحدون بلا حدود. والملحدين المصريين. وجماعة الإخوان الملحدون. وملحدون ضد الأديان. ومجموعة اللادينيين". وظهرت مواقع شخصية ومدونات لملحدين مصريين مثل: "ملحد وأفتخر. وملحد مصري. وأنا ملحد". كما أنهم تجرءوا وطالبوا الدولة بالاعتراف بهم كشريحة في المجتمع المصري. والسماح لهم بالدعوة للإلحاد. ونقد الأديان السماوية. وعدم مطاردتهم قضائياً كما حدث مع جماعة عبدة الشيطان. كما طالب البهائيون بإلغاء خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي. والسماح بالزواج من نفس النوع - زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة - وحرية العلاقات الجنسية بين النوعين. والعيب ليس فيهم إنما في من سمح بحرية الاعتقاد مطلقاً وبلا شروط ولا حدود. - لماذا سطع نجم الإلحاد في سماء مصر هذه الأيام؟ لقد تجاوز الإلحاد في مصر المجالس الخاصة ورفع رأسه في الصحف والمجلات والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وهذا راجع لأربعة أسباب : 1- أن صياغة الدستور والقوانين ليس فيه ما يمنع الملاحدة من الإعلان عن إلحادهم. أو الترويج له في المجتمع كما يشاءون. فحرية الاعتقاد مطلقة للجميع بلا شروط. 2- بعض الملاحدة دخلوا في الحركات الثورية تحت مسمي "ناشط سياسي" وتظاهروا بالوطنية فانخدع بهم الناس وخلعوا عليهم لقب الزعامة. فقام هؤلاء الزعماء الملاحدة بنشر الإلحاد بين عباراته المنمقة في المؤتمرات والندوات الشبابية تحت غطاء الحداثة والمدنية والعلمانية. 3- في تشكيل الحكومات كان لهم نصيب في بعض الحقائب الوزارية. فشجع كثير من زائغي العقيدة علي الجهر بالإلحاد بل وطالبوا أن ينص الدستور علي مادة لحمايتهم من المطاردات القضائية. وتكفل لهم الحرية بنشر مذهبهم الإلحادي بكل حرية. ووقف بجانبهم ودافع عنهم أصحاب الحقائب الوزارية من الملاحدة بكل أسف. 4- سكوت كثير من علمائنا الأجلاء في الرد علي هؤلاء الملاحدة. وبيان حقيقة الإلحاد للشباب حتي لا ينزلقوا في هويته. ونرجو أن يفسح المجال لمناقشة الشباب في قضية الإلحاد وعار علينا أن ندفن رءوسنا في الرمال. ونترك للملاحدة الحبل علي الغارب. - أسباب الإلحاد: 1- التنشئة الخاطئة للفرد: قد ينشأ الشخص في بيت خالي من المناخ الإسلامي - بحجة المدنية والحرية - فلا يجد من يقوم علي تربيته. وفي المدرسة لم يجد من يتلقي منه ما يثبت فؤاده علي عقيدة التوحيد. وقلة الجرعة الدينية في المناهج التعليمية. وعدم الاهتمام بمادة الدين بالمراحل التعليمية فهي لا تضاف للمجموع الكلي للطالب. فلم يهتم بها الطالب ولا ولي أمره ولا معلمه ولا حتي واضع كتاب التربية الدينية. وكأن الدين مرض معد لابد من الهروب منه والبعد عنه. ونضعه في حجرة العزل الصحي - علماً بأن مادة الرسم والكمبيوتر تضاف للمجموع وفيها نجاح ورسوب - وانتشار الموضوعات الهلامية في الكتب المدرسية. فكان المنتج شاباً خالياً من الثقافة الإسلامية. لذا أقل شبهة تنحدر به في هاوية الإلحاد. 2- مصادقة المنحلين دينياً وأخلاقياً: والحديث مشهور "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير". حديث "المرء علي دين خليله فانظر من تصادق". وكما قالوا قديماً: "لا تسأل عن المرء واسأل رفاقه". ومن أقوال السلف: "ولو أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك". ونحن نحذر الشباب من مصادقة المنحلين واللادينيين والملحدين حتي لا تصابوا بعدوي الإلحاد من تلك النفوس الخبيثة؟ 3- قراءة المؤلفات الإلحادية: مثل كتاب: "وهم الإله" لريتشارد دوكنز وهو مترجم ومتوفر بالأسواق والبركة في وزارة الثقافة. وكتاب: "لماذا أنا ملحد". وكتاب: "هذه هي الأغلال". والروايات التي تشكك في الذات الإلهية وتنكر النبوة. كرواية أعشاب البحر. ورواية عزازيل. ومؤلفات كل من الفيلسوف دانيل دينيت. والطبيب سام هاريس. والإعلامي كريستوفر هتشنز". وكتاب: "الزمردة" لابن الراوندي. فلا يقرأ الشاب في هذه الكتب وهو خاو من الثقافة الإسلامية. ولم يكن علي علم بمكر هؤلاء الملاحدة فهم يدسون في مؤلفاتهم السم في العسل. فيضعون الشبهات في ثوب منمق الألفاظ. وشعارات براقة فلا يلبس أن يدخل الشاب في زمرتهم فيصبح ملحدا. ولا يستطيع التخلص منهم كما قال عنهم الشيخ رفاعة الطهطاوي: "ولهم في الفلسفة حشوات ضلالية مخالفة لكل الكتب السماوية" 4- ثورة الاتصالات المعاصرة: التقدم الملحوظ في شبكات الاتصال أزالت الحواجز بين القارات وجمعت بين الثقافات والحضارات في بوتقة واحدة. فشبكة المعلومات العالمية جعلت العالم كله صفحة واحدة يطلع عليها الشباب في أي وقت وبدون رقيب ولا حسيب إلا ضميره والإيمان الذي يحمله في صدره. فعندما يقع الشباب في مصيدة المواقع الإلحادية لا يستطيعون الفكاك من شبهتهم أو الرد علي فكرهم خاصة أنهم محصنون عقولهم بالفكري الإسلامي 5- اتباع الهوي: هوي النفس يعمي ويصم عن الحق. وبطبيعة الحال النفس أمارة بالسوء. فإن لم تغلبها بالطاعة غلبتك هي بالمعصية. قال تعالي: -أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ- "الجاثية:23". ولقد جاء في الموسوعة الإسلامية العامة الجزء الأول من منشورات المجلس الأعلي للشئون الإسلامية: "وفي المجتمع الإسلامي اختلف أسباب الإلحاد» فمنهم من ألحد لأسباب من العصبية والقومية. حملته علي أن يتعصب لدين آبائه من المجوس والوثنية كما فعل ابن المقفع وبشار. وهناك فريق ألحد فراراً من تكاليف الدين وطلباً لسلوك مسلك الحياة الماجنة كما هو الحال لكثير من الشعراء الذين ينتسبون للمجون كأبي نواس. وهناك فريق ثالث يتنازعه العاملان: سلوك الماجن وعصبية الشعوبيين مثل إبان بن عبد الحميد. ومن هنا أطلق علي كل صاحب بدعة» بل انتهي الأمر أخيراً إلي أن أطلق لفظ ملحد علي من كان يحيا حياة المجون والانحلال من الشعراء والكتاب. وأشهر من وصفوا بالإلحاد هو: ابن الراوندي الذي عاش في القرن الثالث الهجري" - كيف يعالج الإلحاد؟ 1- تجديد الخطاب الديني الذي أصبح غريبا عن العصر وغارقا في الجمود والتقليد. 2- تبليغ الدعوة بالحكمة والبرهان والحجة العقلية والنقلية والموعظة الحسنة. 3- تكثيف الجرعة الدينية العقائدية في المناهج الدراسية بأسلوب سلسل سهل الفهم مباشر. والاستعانة ببعض علماء الأزهر في تدريسه بالمدارس. 4- تفعيل الإذاعة المدرسية وكلمة الصباح الدينية المعتدلة المبينة لمنهج الوسطية. 5- تجنيد علماء الأزهر المشهود لهم بالتفوق العلمي والأخلاق وفصاحة اللسان وسرعة البديهة وقوة الحجة والجرأة في الحق لرد الشبهات التي قذفت في عقول الشباب من دعاة الإلحاد. 6- ينبغي التعامل مع الشكوك والريبة التي وقعت في نفوس الشباب بالرفق واللين والاحتواء. وليس بالزجر والتأنيب لأن العند يورث الكفر. 7- فتح باب الحوار والمناقشة بين الشباب وعلماء الأزهر الأجلاء كما كان منذ زمن قريب في برنامج ندوة للرأي تحت إشراف شيخ الأزهر ووكيل الأزهر ووزير الأوقاف والأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية وهيئة كبار العلماء في العالم الإسلامي. والإعلاميين المشهود لهم بالكفاءة والإخلاص وحب الدين والوطن.. 8- طباعة الكتيبات والمطويات التي تحذر من خطر الإلحاد وتبين فضل التوحيد. 9- إرسال القوافل الدعوية من علماء الأزهر وأساتذة علم الاجتماع والأطباء النفسيين والأخصائيين في التنمية البشرية إلي جميع محافظات مصر لعمل مؤتمرات عامة للشباب في أماكن تجمعهم. لتوعيتهم من شر قد اقترب ألا وهو الإلحاد. وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي زرعت بفعل فاعل في عقولهم. قوافل بحق وليس حبر علي ورق. ولا يجلسون بالمساجد وينتظرون الرواد ومن يحشد لهم بفعل فاعل من أجل الصورة تطلع حلوه. فمتي يهتم علماؤنا ومتخصصين التربية والتنمية البشرية بشبابنا؟ ومتي يعود الأزهر لعصره الذهبي ودوره الفعال في دحض حجج الملحدين والعلمانيين والمشككين أعداء الدين؟ اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.