نواصل حديثنا عن قوله تعالي: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدو الله وعدوكم" فنقول وبالله التوفيق: كلمة الخيل هنا تأتي من الخيلاء. والخيلاء هي الاعتزاز بالنفس والإيمان بالقضية التي نحارب من أجلها.. أو هي بالتعبير العسكري الحديث: الروح القتالية. أو الروح المعنوية. لقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأي رجلاً فارساً مسلماً شاهراً سيفه ممسكاً بدرعه مؤمناً بقضيته ويسير في خيلاء. فقال: "مشية ممقوتة إلا في هذا الموضع. موضع الذهاب إلي القتال. هذا هو رباط الخيل". إن رباط الخيل هو الذي جعل الرسول عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة يأمر المسلمين عند الطواف بالبيت الحرام بأن يكشفوا سواعدهم وأن يرملوا "يجروا جرياً خفيفاً" ويقول لهم: "رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة". رباط الخيل أن تعتز بقضيتك وتؤمن بها إلي درجة الخيلاء. إن الخيلاء ممقوتة إلا في الروح القتالية المرتفعة. لقد تصور المفسرون خطأ أن الخيل هنا هي الخيل التي نعرفها وقد راحوا يقيسون قوة المعدات الميكانيكية الحديثة بقوة الخيل "هورس باور" ليعطوا للآية تفسيراً عصرياً مناسباً. وربما كان أكبر دليل علي تفسيرنا هو ما جري في هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر. في الحالة الأولي كنا قوة بلا رباط خيل. وفي الحالة الثانية كنا قوة برباط خيل. في الحالة الثانية كان هناك سلاح وتدريب راقي عليه وحالة معنوية مرتفعة وقضية نؤمن بها هي قضية تحرير سيناء من المحتل الإسرائيلي. ويقول العسكريون تأكيداً لذلك: "عرق التدريب يوفر دماء كثيرة في المعركة" أما الروح المعنوية فيقول الله سبحانه وتعالي مخاطباً رسوله الكريم: "يا أيها النبي حرض المؤمنين علي القتال" و"إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً" فالروح المعنوية تجعل قوة الجندي بعشرة. ولكن دون روح معنوية يقول الله سبحانه وتعالي: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين" فالمؤمن في ضَعْفه ضِعْف الكافر وفي كامل قوته بعشرة. وفي كل الأحوال لا يوجد مؤمن يساوي كافراً. يقول سبحانه وتعالي: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" المؤمن إذا غلب عاش كريماً وإذا بذل قصاري جهده ومات يكون شهيداً. وللحديث بقية.