اتهمت د. سالي محمد فريد- مدرس الاقتصاد بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية. جامعة القاهرة- الأمية والتقاليد بأنها ترفع المظلة القانونية عن المرأة وتسلبها حقوقها التي كفلتها لها الاتفاقات والقوانين الدولية. وتحوّلها إلي ¢حبيسة¢ في دائرة المنزل والأسرة. وتحرمها والمجتمع من لعب دور أكبر. مؤكدة أن المرأة هي ¢بوابة¢ المجتمع نحو التقدم والرخاء.. وفيما يلي نص الحوار الذي أُجري معها خلال مشاركتها فعاليات الملتقي السادس للاتحاد العربي للشباب والبيئة الذي عُقد مؤخرا بمحافظتي الأقصر وأسوان: * ما الدور الذي تلعبه ثقافة المجتمع في التأثير علي مكانة المرأة؟ ** تشكل ثقافة المجتمع عاملاً مساعداً علي توجيه المرأة نحو الارتقاء. فالثقافة التي تنطلق علي أساس احترام المرأة إنسان لها دور ووظيفة وهي مسئولة ومولفة. تساعد المرأة علي الحضور الاجتماعي الصحيح والفاعل. وللأسف فما زالت ثقافة مجتمعنا تنظر إلي المرأة علي أنها المخلوق الأدني وترسم لها دورا واحدا محدودا. ومن أجل النهوض بدور المرأة لابد من إزالة كافة أشكال التمييز التي تحول دون تحقيق هذه المشاركة وإزالة جميع العوائق التي تعترضها في مختلف مجالات الحياة العامة والخاصة من خلال حصولها علي نصيبها الكامل والمنصف في صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واقع المرأة * وكيف ترين مشاركة المرأة المصرية في الحياة الاقتصادية؟ ** إن ارتفاع نسبة الأمية بين النساء المصريات ورسوخ التقاليد خاصة في الريف حيث يسود عدم الإيمان أصلاً بأن يكون للمرأة دور خارج نطاق الأسرة. هذا بالإضافة إلي غياب الوعي لدي المرأة بأهمية المشاركة. مما أدي إلي ضآلة المشاركة النسائية في المجالات العامة وقد تجسَّد ذلك في كافة المواقع العامة مثل: النقابات والمنظمات الأهلية غير الحكومية ومشروعات الخدمة العامة. في المقابل نلاحظ أن تواجد المرأة في مواقع صنع القرار أصبح ظاهرة عالمية. حيث إن نسبة تواجد النساء في البرلمانات العالمية تصل إلي ما يقارب 15.2% من الأعضاء. واكبر حصة هي في الدول الاسكندنافية حيث تصل إلي 39.7% أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية فتصل إلي 17.6% وفي آسيا 15.4% أما في الدول العربية والإسلامية فالعدد قليل جدا بسبب تردي وضع المرأة فيها وسعي الكثير من القوي إلي تهميش دور المرأة إذ تصل هذه النسبة إلي 5.6% فقط!. أما بالنسبة للدول الأوربية فتصل نسبة مشاركة المرأة في البرلمان إلي 31% وفي مقدمة الدول الأوربية تأخذ فنلندا مكان الصدارة حيث وصلت النسبة فيها إلي 44%. اتفاقيات وقوانين * لكن هناك عدة اتفاقات وقوانين دولية ومحلية تنص علي حق المرأة في ممارسة كافة الأنشطة السياسية والاقتصادية وغيرها؟ ** هذا صحيح. لكن رغم ما تنص عليه المادة 14 من الاتفاقية الدولية للمرأة بضرورة التزام الدول الأطراف بتحسين أوضاع المرأة ومراعاة الأدوار الهامة التي تؤديها في تأمين أسباب البقاء اقتصاديًا لأسرتها بما في ذلك عملها الاقتصادي دون أجر. وذلك بالعمل علي إزالة الفجوة الحقوقية بينها وبين الرجل في مجال التعليم والتأمين الاجتماعي والمشاركة في وضع وتنفيذ الخطط التنموية علي جميع المستويات والمساواة في المعاملة في مشروعات الاستصلاح الزراعي ومشاريع التطوير والحصول علي التسهيلات اللازمة في التسويق والتكنولوجيا الملائمة والقروض والائتمان. إلا أنه يلاحظ أن بعض فئات المرأة في مصر مازالت لا تتمتع بأية حماية قانونية في ظل قوانين العمل السارية ولا بأي حقوق في التأمينات الاجتماعية. كما أن حق المرأة الريفية في الحصول علي الائتمان والقروض وتسهيلات التسويق والتكنولوجيا والمشاركة في تنمية وتنفيذ برامج الرعاية الصحية والاجتماعية. كل هذه الحقوق لا تزال نظرية حيث يحول دون تطبيقها أو ممارستها مجموعة العوائق التي سبق الإشارة إليها وتتمثل في ارتفاع نسبة الأمية بين النساء الريفيات وتعدد مسئوليات المرأة العاملة علاوة علي سيطرة التقاليد والقيم الذكورية. المساهمة الاقتصادية * ومع ذلك نجد عدة صور وأشكال من مساهمة المرأة في الأنشطة الاقتصادية. فما تقييمك لها؟ ** يُعبِّر معدل المساهمة في الأنشطة الاقتصادية عن مدي مساهمة قوة العمل في تحقيق الأنشطة الاقتصادية كنسبة من إجمالي السكان. ووفقاً لهذا المعدل تتدني نسبة مساهمة الإناث في قوة العمل والتي تمثل في المتوسط 22% من إجمالي القوي العاملة. وقد بلغ معدل مساهمة الإناث في النشاط الاقتصادي عام 2006 حوالي 14.5% مقابل 48.2% للذكور. ونسبة النساء المعينات في وظائف الإدارة العليا بلغت 17.3% عام 2006 وانخفضت إلي 15% عام 2007. أما بالنسبة لتوزيع عمالة الإناث وفقاً للقطاعات الاقتصادية فيتضح أن: قطاع التعليم هو أكثر القطاعات المستوعبة للعمالة النسائية. حيث أن حوالي 976 ألف عاملة تعملن بقطاع التعليم وهو ما يمثل حوالي 46.6% من إجمالي المشتغلين بهذا القطاع. ويليه قطاع الزراعة والصيد. فقد بلغ عدد المشتغلات حوالي 2003 ألف وهو ما يمثل حوالي 23.7%. ويحتل قطاع الإدارة العامة والدفاع المركز الثالث حيث تبلغ نسبة العاملات 29.8% تقريباً. بواقع 441 ألف عاملة. وعلي الرغم من أن عمالة الإناث بخدمات الصحة والعمل الاجتماعي لا تتعدي 7.4% من إجمالي عمالة الإناث إلا أن الإناث يمثلن حوالي 56.5% من إجمالي العاملين بهذا القطاع. وبالتالي تشير هذه المؤشرات إلي أن عمالة الإناث تتركز في القطاعات الخدمية السابقة بينما تضعف مشاركة المرأة في قطاعات أخري مثل قطاع التعدين واستغلال المحاجر فهو أقل قطاعات النشاط الاقتصادي استيعاباً لعمالة النساء حيث تمثل عمالة النساء به 4.3% فقط من إجمالي العاملين بهذا القطاع. العمالة الناعمة * هل هناك إحصائيات أو دراسات دقيقة بنسبة عدد العمالة ¢الناعمة¢؟ ** جاء في دراسة أعدتها وزارة التنمية الإدارية أنّ النساء يمثلن 15% من قوة العمل الحالية. ويصل عددهن إلي 3.7 مليون من بين 17.3 مليون عامل وعاملة. ويستوعب القطاع الحكوميّ وحده حوالي 50% من النساء العاملات. وأن 17% من العاملات يتركزن في المحافظات الحضرية و7% في الوجه القبلي وأنّ 38% من النساء العاملات يعملن في الأعمال الكتابية. وفي دراسة أجرتها منظمة العمل العربية علي 13 مدينة عربية أتضح أنّ نسبة عمل المرأة في الاقتصاد العشوائي غير المنظم بلغت 36.1% في تونس. و56% في المغرب. و25% في الجزائر. و43% في مصر. وبينت الدراسة أن أهم المجالات التي تعمل فيها النساء في هذا القطاع هي بيع الحلوي والسجائر والمناديل الورقية والآيات القرآنية في وسائل المواصلات. وفي دراسة لمنظمة الاسكوا" المنظمة العربية للعلوم والتكنولوجيا "حول عمل المرأة في مصر تبين أنّ نسبة كبيرة من النساء يعملن في القطاع غير الرسمي "غير المسجَّل" المولد للدخل مثل الإنتاج المنزلي "حياكة الملابس- المصنوعات اليدوية- المنتجات الغذائية..الخ" كما أنّ 80% منهن ينتمين إلي الطبقات ذات الدخل المنخفض التي ترتفع فيها نسبة الأمّية. وتشير الإحصائيات إلي أن القطاع الخاص يضم 56.5% من مجمل عدد العاملات في مصر. ولكن الخطورة أن 62% من هذه النسبة تعمل في القطاع الخاص غير الرسمي أي القطاع الخاص العامل خارج الإطار القانوني أو المؤسسي. وبالتالي لا يقدم للمرأة الحقوق المكفولة لها في قوانين العمل المختلفة بدءا من الأجر والأجازات وساعات العمل إلي عضوية النقابات إلي الحقوق التأمينية المتعارف عليها. وكشفت إحصائية حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن نسبة المرأة المعيلة وصلت إلي 34% في العديد من الحالات نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة وتخلي الرجل عن مسئوليته تجاه الأسرة. وتكمن المشكلة في أن المرأة المعيلة تعمل في سوق غير رسمية وبالتالي فهي تفتقد إلي التأمينات أو التعويضات وكذلك للرعاية الصحية. وعلي الرغم من تحقيق بعض النجاحات النسبية. ظلت مصر تحتل مرتبة متدنية بين دول العالم في مجال تمكين النوع الاجتماعي. وفقاً لتقرير التنمية البشرية. إذ احتلت المرتبة 75 من بين 78 دولة أوردها التقرير وبحسب مقياس النوع الاجتماعي. سجلت مصر رقماً منخفضاً وصل إلي 0.266. وطبقاً لمؤشر التنمية المتعلقة بالنوع. احتلت مصر المرتبة 99 من بين 144 دولة. مسجلة بذلك رقم 0.634 في مقياس النوع الاجتماعي. وفي دراسة دولية أجريت لقياس الفجوة العالمية بين الجنسين. جاءت مصر في المركز الأخير من مجموع 58 دولة. وتشير وزارة التنمية الاقتصادية في تقرير لها عام 2010 إلي تراجع عدد الوظائف الجديدة من 164 ألف وظيفة في الربع الثاني للعام المالي 2007/2008 إلي 100.7 ألف وظيفة في الربع الثاني للعام المالي 2009/2010 أي تراجع عدد الوظائف الجديدة بحوالي 40% خلال نفس الفترة. ومع انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي إلي مصر نتيجة للأزمة العالمية. تتعرض المرأة لخسارة. فهي من ناحية تتأثر لخسارتها الوظائف الجديدة التي يمكن أن تساهم في خلقها تدفقات الاستثمار الأجنبي. ومن ناحية أخري فإن هذه الشركات في أغلب الأحيان تساهم في توفير ظروف عمل أحسن بالنسبة للمرأة. حيث تقدم مزايا عديدة من ناحية توفير ظروف عمل آمنة. حماية قانونية. عقود. أجر متساوي مع الذكور. نظرا لتطبيقها معايير العمل الدولية والتي من بينها المساواة في الأجر بين الجنسين. كما أن البعض يشير إلي فرصة الإناث للتدرج إلي المناصب الإدارية العليا داخل هذه الشركات ويرجع ذلك إلي المناخ التنافسي الذي تعمل في إطاره الشركة مما يجعلها تعتمد علي معيار الكفاءة بالأساس في اختيار موظفيها بعيدا عن معيار النوع. * وكيف يمكن تفعيل مساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية من وجهة نظرك؟ ** يمكننا أن نضع عدة سبل لتمكين المرأة والارتفاع بخصائصها حيث يمكن أن تشارك الرجل بصورة أكثر فاعلية لتحقيق النمو والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. منها: اتخاذ سياسات من شأنها تحقيق المساواة مع الرجل من خلال: التأكيد علي أن تلبي الموازنة العامة حاجات الرجل والمرأة بالتساوي. وان تدعم أكثر فئات المجتمع تهميشا مثل الفتيان والفتيات الفقراء والمعاقين والأقليات والمسنين. وإشراك المنظمات غير الحكومية في تحليل الموازنة والسياسات ذات الصلة بهدف تقييم أثرها. تطوير السياسات الاقتصادية الكلية إلي جانب تطوير القدرات والطاقات البشرية لمواجهة تحديات العولمة والتحولات الاقتصادية. تطوير البنية التشريعية والقانونية لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. تطوير القدرات التنظيمية للمرأة. ومما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات والمعلومات يتيح فرصاً هائلة للمرأة لتحسين قدراتها العلمية ومهاراتها العملية من جانب. كما أنه يوفر لها فرصاً غير محدودة في الاندماج في النشاط الاقتصادي. - الارتقاء بخصائص المرأة: ويمكن تحقيق ذلك من خلال: الاهتمام ببرامج محو الأمية بصفة عامة وللإناث بصفة خاصة مع التركيز علي مدارس المجتمع ومدارس الفصل الواحد والتي نجحت كثيرا في حل مشكله الأمية في المناطق النائية. الاهتمام بالمناهج التعليمية لجعلها أكثر جاذبية للطلاب لمواجهة ظاهرة التسرب. تشجيع الإناث علي الإقبال علي التعليم الجامعي بصفه عامة والكليات العملية بصفة خاصة. إتاحة فرص عمالة متساوية مع الرجال. زيادة مساهمة المرأة في بعض الأنشطة والتي تمثل فيها نسبة ضئيلة. الاهتمام بزيادة مساهمة المرأة في الأنشطة المختلفة للقطاع غير المنظم عن طريق توفير القروض التي تساعدها علي الأنشطة التي تؤدي إلي زيادة معدلات مساهمتها الاقتصادية. رفع مستوي الخدمات الصحية بهدف خفض معدلات الوفيات وخصوصا الأمهات. الاهتمام بتوعية المرأة بأهمية مشاركتها في الحياة العامة وذلك من خلال: زيادة مساهمتها في استخدام حقها الانتخابي. وزيادة فرص المشاركة في البرلمان والمحليات. إعادة النظر في بعض التشريعات لتدارك أوجه القصور بها مثل قانون الجنسية. ومواجهة المشكلات الخاصة ببطء إجراءات التقاضي في مجال الأحوال الشخصية. - زيادة الإنتاج بتوفير آلية مستدامة لتنمية وتمويل المشروعات الصغيرة للأسرة. وذلك بتكثيف تدريب وتأهيل المرأة في كافة المجالات التي تناسبها. بعد أن أثبتت قدرتها علي الإنتاج الجيد إذا توافرت لها الظروف الإنسانية. خاصة أن المرأة بالرغم أنها نصف المجتمع ديموغرافيا إلا أنها أقل من ذلك بكثير في قوة العمل. ولقد احتلت المرأة مكانة عالية في تقدم وتطور نسبة مساهمة المشروعات الصغيرة في الدخل القومي علي مستوي العالم النامي والمتقدم علي حد سواء. وخاصة بعد التطور الهائل في استخدام الآلات الحديثة. إلا أن المشروعات الصغيرة المنفذة لدعم الأسر تتسم بالاعتماد المباشر علي منح وقروض غير مستدامة. الأمر الذي ينعكس علي عدم استمرارية الأنشطة وتعثرها في مراحل مختلفة. ويتطلب ذلك إنشاء آلية مستقرة لتمويل المشروعات الصغيرة للنساء بعيداً عن ضمانات القروض التقليدية في إطار منظومة ثلاثية تضم البنوك المقرضة. والمنظمات غير الحكومية المعنية. ولقد نفذت بنجلاديش من خلال بنك ¢جرامين¢ تجربة رائدة في هذا المجال انتقلت إلي مناطق أخري في العالم من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية. بوابة التقدم * وما الذي تقترحينه حلا لهذه المشكلة؟ ** لابد ان تسعي الحكومة لرفع المعوقات من أمام المرأة وتُفَعِّل من دورها في المجتمع. لتحقيق التنمية البشرية. فإن الشعوب تستفيد من مكاسب التنمية الاقتصادية وتشارك في تحقيقها. وبالنظر إلي مصر بما تملكه من هذا المورد البشري المتوفر والمتنوع. فما تحتاج إليه في الوقت الراهن هو الاهتمام بنوعية عنصر العمل وتحقيق التنمية البشرية حتي يمكن من خلال هذه القوي البشرية الكفء بما تملكه من قدرات إنتاجية وإبداعية أن تبني هذا الوطن وتساعده علي التعامل مع المجتمع الدولي بكل مستجداته. فلابد أن تكتمل عملية دعم المرأة في مصر بشكل فعال عن طريق استراتيجية متناسقة حتي يتحول هذا المجتمع إلي بيئة داعمة للمرأة. فإن قضية تفعيل وتحفيز مشاركة المرأة سياسيا واقتصاديا في مصر تتصدر أولويات المجتمع. ولابد للمرأة علي اختلاف مستوياتها التعليمية والاجتماعية والاقتصادية أن تعي حقيقة أنها هي الوحيدة القادرة علي تحقيق قدر من الحرية يضمن لها العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي تمكنها من أداء دورها في المجتمع سواء من داخل المنزل أو خارجه علي أكمل وجه.