منذ أيام انتهي رمضان.. تسابق المسلمون خلاله في قراءة القرآن الكريم مرات عديدة.. افتخر البعض انه ختمه عشر مرات.. لكن سلوكيات المسلمين وأخلاقهم عكس ما يقرأون في القرآن! ويزيد الطين بلة. أن كثيرا من حفظة القرآن شتان بين سلوكياتهم ومعاملاتهم مع ما يحفظونه عن ظهر قلب! وانطلاقا من دعوة الرئيس السيسي- في كلمته بالاحتفال بليلة القدر- بضرورة وأهمية تعميم المفاهيم القرآنية وتحويل سلوكياتنا وتعاملاتنا إلي التمثّل بالقيم والمبادئ القرآنية. بما يحقق السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي لدنيانا. فإن عقيدتي تقوم بفتح هذا الملف الشائك من خلال مسيرة تعامل المسلمين الأوائل مع القرآن الكريم مقارنة بتعاملا معه.. وهو ما أثمر عزتهم وكرامتهم وضعفنا وذلنا القرآن الكريم هو أفضل الذكر. يضم 114 سورة. وهو دستور الله إلي البشر تنزل إليهم. يهديهم سواء السبيل ويرشدهم إلي خيري الدنيا والآخرة. ولذلك أمر الله عباده باتباعه فقال عز وجل: ¢وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون¢ الأنعام 155. ويحرص القرآن الكريم علي تناول البناء الإيماني للشخصية السوية للإنسان جسمه وعقله وروحه وكل نشاطه وحركته في هذا الكون وهذا التكامل يمزج بين طاقات الإنسان ويجعل منه قوة فاعلة ويحفزه لأن يكون مؤثرا يرقي بنفسه وبعالمه متخذا من قيم ومفاهيم القرآن منهجا ودستورا. يقول الدكتور كارم غنيم - أمين عام جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة - : إن فضل القرآن علي الأمة والمؤمنين والعالمين جميعا أجل من أن تحصي آثاره فكله خير وله تأثير عظيم صورته الآيات:¢ لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ¢ الحشر 21. وقراءة كتاب الله تعالي هو الطريق إلي جلاء القلوب وصقالها كما ينص علي ذلك حديث النبي- صلي الله عليه وسلم - لكل شئ صقال. وصقال القلوب ذكر الله ¢. وروت كتب السنة العديد من الأحاديث النبوية التي يحث فيها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فيها المسلمين علي تلاوة القرآن وتدبر معانيه والتعلق بكتاب الله ودوام الصلة به والتماس الزاد فيه لمواجهة أحداث الحياة. وشدد علي أن قراءة القرآن هي وسيلة العبد في سيره إلي مولاه سبحانه. وقد روي الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي- صلي الله عليه وسلم- أنه قال: ¢ من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: ألم. حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ¢ وروي عن مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قال: ¢ من نفَّث عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده¢. فضل القرآن ويوضح أن هناك بعض السور في القرآن الكريم التي لها فضل وإن كان كله ذو فضل وخير عظيم فالفاتحة هي أم القرآن فقد وردت أحاديث تدل علي أن الله تعالي قسمها قسمين نصف له ونصف لعبده. فإذا قال العبد: ¢ الحمد لله رب العالمين ¢ قال الله: ¢ حمدني عبدي ¢. فإذا قال: ¢ الرحمن الرحيم ¢ قال: ¢ أثني علي عبدي ¢ . فإذا قال ¢ مالك يوم الدين ¢. قال: ¢ مجدني عبدي ¢. فإذا قال: ¢ إياك نعبد وإياك نستعين ¢. قال: ¢ هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ¢. فإذا قال: ¢ أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ¢ قال: ¢ هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ¢. وعن فضل سورة البقرة روي عن البيهقي بسند صحيح أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ من قرأ سورة البقرة توج بتاج في الجنة ¢ . وروي ابن حبان والنسائي عن لأبي هريرة عن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ لا تجعلوا بيوتكم مقابر وان البيت الذي يقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان ¢. وعن أيه الكرسي. قال أبو أمامة. قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم :¢ من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ¢. أي يمنعه وجوده في الدنيا من دخولها . فإذا ما فارقها بالموت انتقل إلي جنة ربه. وأضاف انه وردت أحاديث تؤكد فضل سورة الكهف فعن أبي سعيد عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين جمعتين ¢. وذكر عن سورة يس فعن مقعل بن يسار أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ قلب القرآن يس. لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له اقرؤوها علي موتاكم ¢. وأما فضل سورة الدخان فعن أبي أمامة عن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: من قرأ "حم" الدخان في ليلة الجمعة. أو يوم الجمعة. بني له بيتا في الجنة ¢. وورد عن سورة الملك عن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ إن سورة في القران ثلاثون آية شفعت لرجل حتي غفر له وهي:"تبارك الذي بيده الملك" ¢. كم وردت أحاديث كثيرة في فضل سور التكوير والانفطار الانشقاق فعن ابن عمر قال: قال رسول - صلي الله عليه وسلم: ¢ من سره أن ينظر إلي يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: "إذا الشمس كورت". و"إذا السماء انفطرت". و"إذا السماء انشقت". ويقول: إن سور الكافرون والإخلاص من السور التي لها فضل عظيم . عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم:¢ "إذا زلزلت " تعدل نصف القرآن. و"قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القران. وقال"قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن ¢. وبالنسبة للمعوذتين فعن عبد الله بن حبيب قال: قال لي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ¢ اقرأ "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفك من كل شئ ¢. والتركيز علي سورة أو آيات مخصوصة والمداومة علي قراءتها إنما هو للانتفاع من ناحية ومن ناحية أخري لسهولة حفظها بالنسبة إلي غيرها خاصة لمن لا يحفظ القرآن وحفظها طريق إلي تذوق حلاوة القرآن ومحاولة التزود منه قدر الطاقة. الالتزام والاتباع وأكد الدكتور محمد داود - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر - أن القرآن الكريم يعلمنا ضرورة الالتزام بهديه واتباع منهجه. وأن المسئولية تكون في حدود طاقة الإنسان وقدرته. ويقول الله تعالي: ¢ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ¢ الحج 78. كما يصف القرآن الشخصية السوية بأنها تؤمن بالقدر تتقبل الأحداث بنفس راضية وتتجنب الصراع النفسي من ذلك قول الله تعالي:¢ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير ¢ الحديد 22. والتشكيل الإيماني للشخصية يجعلها تكتسب كل الصفات المحمودة التي وصف الله بها المؤمنين في القرآن من الإخلاص والصدق واحترام الغير والعفو والعطاء والأمانة وكل القيم التي ترتقي بالإنسان وتحقق له أمنا نفسيا وقدرة علي العطاء والحركة النافعة في الكون فالله تعالي العليم بما خلق: ¢ إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ¢ الملك 14. واعتبر أن استعمل القرآن الكريم كلمة شفاء دون كلمة علاج. قال الله تعالي:¢ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ¢ الإسراء 82. فالعلاج لأي داء حسي أو معنوي قد يوفق فيه المعالج فيتحقق الشفاء وقد لا يوفق المعالج فلا يتحقق الشفاء. أما مع القرآن الكريم فأنت في معية الله الشافي. ومن بين هدي القرآن الكريم الذي يشفي صدور قوم مؤمنين تلك الآية التي أنزلها الله علي رسوله سيدنا محمد- صلي لله عليه وسلم- حين تعرض لحالة طالما نتعرض لها في حياتنا المعاصرة. وهي حالة ضيق الصدر بسبب تجاوزات اليهود والمشركين في حق الله تعالي حين قالوا كما حكي القران عنهم: ¢ إن الله فقير ونحن الأغنياء ¢ آل عمران 181.:¢ وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ¢ المائدة 64. وغير ذلك من وصفهم لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - بالجنون وبأنه شاعر وكاهن. فضاق صدر رسول الله- صلي الله عليه وسلم - بكل ذلك. فأنزل الله تعالي عليه هذه الآيات: ¢ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير ¢ 22¢. ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقلون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين وأعبد ربك حتي يأتيك اليقين ¢ الحجر 97-99. وأضاف أن هذه الآيات أرشدت إلي ثلاثة أدوية لضيق الصدر أولها. الإكثار من تسبيح اله وحمده. فمن دلالات التسبيح في القرآن الكريم ارتباطه بالفرج. قال تعالي بشأن سيدنا يونس عليه السلام حين التقمه الحوت وصار في ظلمات ثلاث:¢ فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلي يوم يبعثون ¢ الصافات 143-144. مبينا أن هناك سر بين ذكر الله تعالي وانشراح الصدر وانبساط النفس وقوة البدن واستعادة نشاطه فعندما جاءت السيدة فاطمة - رضي الله عنها - لرسول الله - صلي الله عليه وسلم- تطلب منه خادما يعينها علي شئون البيت. قال لها رسول الله- صلي الله عليه وسلم:¢ إلا أدلك علي أفضل من ذلك؟¢ قالت: بلي. فقال لها:¢ إذا أويت إلي فراشك فسبحي الله ثلاثا وثلاثين. واحمديه ثلاثا وثلاثين. وكبريه ثلاثا وثلاثين ¢. ففعلت السيدة فاطمة- رضي الله عنها- ذلك فوجدت قوة في بدنها واستغنت عن الخادم. وقال إن الدواء الثاني الذي تشير إليه الآيات هو السجود بكل معانيه سجود القلب وسجود العقل والصلاة فالبسجود يقترب الإنسان من ربه ويرتفع عن عالم الأحقاد والضغائن. فيكون للإنسان الساجد الطهر والنقاء ومن هدي المصطفي - صلي الله عليه وسلم - أنه إذا أهمه نادي بلالا: ¢ أرحنا بها يا بلال ¢. أي الصلاة. والدواء الثالث. المداومة علي الذكر والطاعة انتظارا للحظة الرحيل عن دنيا الناس. إنما هو مشغول بما هو أعلي وأغلي بلقاء ربه ساعة أن يأتيه اليقين والمراد باليقين هنا في هذه الآية الموت. وهكذا دلنا القرآن علي التسبيح والسجود والمداومة علي الذكر والعبادة انتظارا للحظة الموت كأدوية نتحصل بها علي الشفاء من الله الشافي إذا أصابنا ضيق صدر من أحداث الحياة وضغوطها. رسالة أخلاقية ويؤكد الدكتور منتصر مجاهد. أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس. أن الإسلام رسالة اخلاقية. لا تنفك الاخلاق عن قيمه ومنهجه المستمد من القرآن الكريم. موضحا أن الشعائر في الإسلام ليست طقوسا تؤدي وانما هي أساس وهدي وطريق ومقاصد لتعمير الكون وجعله أكثر إنسانيا. وقال: إن جميع الفرائض التي فرضها الله في محكم آياته ترتبط ارتباطا وثيقا بالاخلاق وبواقع الناس فلا تنفك عنها واذا ضاعت وفقدت فقد معها قيمة والحكمة من فرضيتها يوق الله تعالي:¢ ان الصلاة تنهي ع الفحشاء المنكر ¢. وفي فرضية الزكاة يقول سبحانه:¢ خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها¢. ولذلك نجد اقتران الفرض بالاخلاق في القرآن في قوله تعالي عن الصوم:¢ كتب عليكم كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون ¢. وأشار الي أن الرسول صلي الله عليه وسلم- شدد علي أهمية الالتزام بالمنهج القراني وبأهمية الطاعة والخيرية والحديث الشريف بين ذلك في قوله-عليه الصلاة والسلام:¢ إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ¢. فهو يتطابق مع الآية ¢ وانك لعلي خلق عظيم ¢ فالهدف والمقصد من البعثة ومن المنهج القرآني في مجمله اخلاقي وهناك شواهد كثيرة علي أن صحة المعاملات والقائمة علي الأخلاق الإسلامية والخيرية في المجتمع مقدمة علي صحة العبادات.