* يسأل محمد علي- كفر ميت أبوالكوم- تلا- المنوفية: ما هو الحكم الشرعي في نقل المقابر من وسط البلد إلي حقل أو أرض تبعد عن القرية بنحو 500 متر أو كيلو وهل يجوز توسعة المسجد علي المقابر المنقولة أفيدونا أفادكم الله. ** كرم الله تعالي جنس الإنسان بأنواع التكريم فجعله نفيسا غير مبذول قال الله تعالي: "ولقد ركمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء: 70 وكان من تكريم الله لعباده حال كونهم أمواتا هدايتهم للتدافن كما قص الله تعالي علينا في قصة ابني آدم وفيها: "فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوري سوءة أخيه" الماءة: 31 فكان ذلك من جملة نعم الله تعلي بني آدم قال تعالي: "ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا" المرسلات: 25-26 أي: أنعمنا عليكم بتسخير الأرض لمصالحكم فجعلناها كفاتا لكم أي: ضامة لأجسادكم فوق ظهرها حال حياتكم وفي جوفها حال مماتكم. فكما أن من نعم الله عباده الأحياء أن اسكنهم الدور والقصور. فمن نعمه علي الأموات أن أسكنهم القبور. رحمة في حقهم. وسترا لأجسادهم أن تكون بادية للسباع وغيرها ومانعة من تأذي الأحياء بالرائحة الكريهة. والدفن في الشريعة الإسلامية يعد من فروض الكفايات وفرض الكفاية هو: كل مهم ديني يراد حصوله ولا يقصد به عين من يتولاه. بحيث إنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين. وإن تركوه جميعا أثموا جميعا. قال الإمام النووي في "المجموع 5/112 ط المنيرية": "غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية بلا خلاف" أ.ه. والمسلم إذن دفن في موضع من المواضع الجائز الدفن فيها كان هذا الموضع حبسا عليه ما دامت بقايا جسده قائمة لم تتحلل ولم تستحل عظامه إلي الصورة الترابية إلا لضرورة ولا ينحل هذا الحبس إلا بتحلل الجسد والعظام تماما بحيث يصير ترابا. قال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه علي مختصر خليل 1/.225 ط. دار الفكر": "القبر حبس لا يمشي عليه ولا ينبش" أ.ه. فنقل المقبرة إذن له صورتان: الصورة الأولي: وفيها يكون المقبور لم تتحلل بقايا جسده ولم تستحل عظامه إلي الصورة الترابية. فالأصل حينئذ هو حرمة نقله لما في ذلك منم انتهاك لحرمته وقد وردت الشريعة المطهرة بتعظيم حرمة الميت. فروي أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها أن النبي -صلي الله عليه وآله وسلم قال: "كسر عظم الميت ككسره حيا" يعني: في الإثم. قال العلامة الطيبي في "شرح مشكاة المصابيح 4/1412. ط. مكتبة الباز": "فيه دلالة علي أن إكرام الميت مندوب إليه في جميع ما يجب كإكرامه حيا. وإهانته منهي عنها كما في الحياة" أ.ه. وقال العلامة ابن الحاج المالكي معلقا علي الحديث في كتابه "المدخل 3/242. ط. دار التراث": "وذلك عام علي العظم وغيره قل أو كثر فكل ما لا يليق به في حال حياته لا يفعل به بعد مماته. إلا ما أذن الشرع فيه. وما لم يأذه الشرع فيه فيمنع علي كل حال" أه. قال فيه أيضا "9/18- 19": "العلماء رحمة الله عليهم قد اتفقوا أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شيء ما موجودا فيه حتي يفني. فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه. فإن بقي شيء ما من عظامه فالحرمة قائمة كجميعه. ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه غيره. ولا يكشف عنه اتفاقا إلا أن يكون موضع قبره قد غصب" أه وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسني المطالب 1/331. ط دار الكتاب الإسلامي": "يحرم نبش القبر قبل البلي عند أهل الخبرة" بتلك الأرض. لهتك حرمة الميت" أه. والفقهاء لم يجيزوا النقل إلا في أحوال مخصوصة بشروط مخصوصة متضيقة وستأتي نصوصهم. الصورة الثانية: أن يكون المقبور قد اندرس جسده وانسحقت عظامه واستحالت ترابا. وحينئذ يجوز نقل المقبرة. بمعني أن يدفن في غيرها من الأماكن ويوقف الدفن فيها. ويمكن حينئذ أن ينتفع بها بوجه من وجوه الانتفاع الجائزة وذلك بشرط أن يكون للناقل حق التصرف في الأرض. قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبين الحقائق 1/246ط دار الكتاب الإسلامي": "ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه" أه. قال الإمام النووي الشافعي في شرح المهذب 5/273. ط المنيرية": "يجوز نبش القبر إذا بلي الميت وصار ترابا وحينئذ يجوز دفن غيره فيه ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب وإن كانت عارية رجع فيها المعير. وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره قال أصحابنا رحمهم الله: ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها" أه. قال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني 2/194. ط دار إحياء التراث العربي": "وإن تيقن أن الميت قد بلي وصار رميما جاز نبش قبره ودفن غيره فيه وإن شك في ذلك رجع إلي أهل الخبرة" أه والله تعالي أعلي وأعلم.