التكفير بؤرة خطيرة للغاية يقع فيها الكثير من شبابنا بغير وعي وهو أمر خطير ولكن لسان الحال هو الذي يعمِّق القناعة بخطورة هذا المنهج وآثاره علي الصالح العام والتوافق الاجتماعي والأمة بكاملها. ومن خطورة تلك المشكلة أنه ينبني عليها استحلال الدماء والأموال والأعراض. وفي حقيقة الأمر أن قضية الحكم بتكفير شخص ما هي قضية سياسية شرعية يمارسها أهل الرأي أمثال الخوارج لتحقيق مآرب شخصية لا تمت إلي الشريعة بصلة. ولا يخفي علينا أن التكفير يحمل في طياته مآسي تربوية واجتماعية. فتتولد لدي من يوقع الأحكام علي العباد شخصية عدائية لكافة عناصر المجتمع. ومن ثم يشعر بالغربة داخل مجتمعه وتتأزم نفسه وتمتليء بالحنق والحقد علي المحيط المجتمعي وعلي أهل العلم. وتتداعي فتنة التكفير علي الشباب خاصة علي التيارات الدينية بشكل عام وهذا ناتج عن عدم إدراك ومعرفة في ظل غياب القيمة والمثل. وقضية التكفير كلما تعمق الإنسان وتغور في قراءتها أيقن أن بينه وبين أن يحكم علي شخص ما بكفر أو ردة أو فسق بعد المشرقين وبعد المغربين. ويدرك حقيقة أن الإسلام وضع سياجات وحدوداً كثيرة بين الحكم علي المسلم الذي دخل إلي الإسلام بيقين واطمئنان واستسلام. حيث جعل وصف الإسلام لا يزول عنه إلا بيقين مثله أو أعلي منه كما قال ابن تيمية رحمه الله: "ليس لأحد أن يكفِّر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتي تقام عليه الحجة وتبين له ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك". فالعاقل والعارف يري أنه يخطيء في إبقاء كافر في دائرة الإسلام. خير له من أن يخطيء في إخراج مسلم من الإسلام فيبوء بإثم الجرأة علي الله والتقوُّل عليه سبحانه. ولم يعد المكفراتية وأصحاب هذا الفكر أمراً شرعياً منضبطاً بضوابط أصول العلم وقواعده الرصينة. بل أصبح التكفري وسيلة لتصفية الحسابات مع الخصوم والفرقاء. وبذلك صارت تلك القضية من قضية شرعية إلي قضية تسييس للمهوم الشرعي وإخراجه عن نطاقه الفقهي والديني. وحقيقة الشريعة الإسلامية لم تحذر وترهب من أمر إلا لضرره وخطورته. ولم ترغب في أمر وتحبب إليه إلا لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع. لذلك جاء النهي عن رمي الغير بالكفر كما في الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "أيما أمريء قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.." ومن خلال هذا المنبر أدعو إلي التبرؤ من منهج التكفير والعمل علي تحجيمه وتوعية شبابنا من هذا المنهج الهدَّام. وأخيراً أذكر قول الإمام جعفر الطحاوي رحمه الله فيقول: "ولا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله..." هذا إذا كان مقترفاً لذنب ولم يستحل هذا الذنب. فما بالنا بمن صلي صلاتنا وتوجه إلي قبلتنا وأكل ذبيحتنا.