لا تزال فتاوي التكفير هي الأخطر فيما يدور في الساحة الاعلامية والسياسية والدعوية والأخطر منه ذلك استخدامها ضد الخصوم السياسيين. فإذا كنا في ظروف قلقة والشائعات سيدة الموقف فيما يدور من صراع سياسي فإن الحاجة إلي مواجهة هذا المنهج ضرورية. .. يؤكد الشيخ علي أبوالحسن رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف سابقا أن الحكم بتكفير شخص أمر عظيم.. ولابد أن يدرك الجميع عواقبه قبل الخوض في مثل هذه الأمور.. مشيراً إلي ان الكفر يكون بتكذيب الرسول صراحة وعلنا فيما اخبر به.. أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه.. مثل كفر فرعون واليهود وغيرهم. وبيد ان الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد.. والكفر ذو أصل وشعب.. فكما ان شعب الايمان إيمان.. فشعب الكفر كفر والحياء شعبة من الايمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر. أوضح الشيخ أبوالحسن ان الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود.. وكفر الجحود ان يكفر صاحبه بما علم ان الرسول جاء بما يقول من عند الله جحوداً أو عناداً من اسماء الله وصفاته وأفعاله واحكامه.. وهذا الكفر يضاد الايمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلي ما يضاد الايمان وإلي مالا يضاد الايمان.. فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الايمان. قال الشيخ أبوالحسن: ان ظهور مثل تلك الفتاوي التي يكفر فيها صاحبها المسلم تدل علي الخواء الفكري لأصحابها وعجزهم عن مواجهة خصومهم بالفكر والرأي والرأي الآخر.. فيلجأون إلي الدين للتغطية علي فشلهم.. وللأسف فأنهم بذلك يشوهون الدين خاصة ان القسم الأكبر من علماء الإسلام يرون ان مجرد الاقرار والنطق بالشهادتين أو التظاهر ببعض شعائر الإسلام وخصائصه لا يكفي للحكم لأحد بالإسلام.. بل لابد من التبين عما يرونه حد الإسلام الادني.. لذا فإن تكفير المسلمين حرام.. وقد ثبت قوله صلي الله عليه وسلم: تكفير المسلم كقتله.. وقال عليه الصلاة والسلام "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وهذا نهي شديد عن التكفير وتغليظ فيه.. والتكفير حكم قضائي.. فالمسلمون فيهم فعلا من يكفر ويرتد وقد بين صلوات الله وسلامه عليه ان ذلك سيشيع ويكثر في آخر هذه الأمة فذكر ان بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافرا.. يبيع دينه بعرض من الدنيا. وأكد ان اطلاق وصف كافر علي إنسان لا يجوز لعوام الناس.. فهناك ضوابط محددة لمن يستطيع وصف كافر علي أي مسلم.. فالذي يحكم بأن الإنسان قد فتن حتي ارتد عن الإسلام أحد شخصين.. القاضي الذي يحاكمه فيدعوه حتي يقيم عليه الحجة ويثبت عليه الكفر.. فيحكم بردته ويستتيبه ويقيم عليه شرع الله. والعالم الذي من مهمته ازالة الشبهات عن الناس.. فإذا عرضت شبهة في الدين يجب عليه حماية الدين منها لأنه راع لدين الله مؤتمن عليه لذلك يجب عليه حينئذ ان يقيم الحجة عل هذا الشخص فإن كان هذا الشخص قد انكر معلوما من الدين بالضرورة أو كان وقع في ناقض من نواقض الإسلام المعروف أو فعل فعلا مقتضاه الكفر فإنه حينئذ يخبر بكفره وانفصاله عن أهلية ويخبره بالمترتب علي ذلك شرعاً. وليس له سلطة تنفيذ حتي يقيم عليه حد الردة.. ولكن يخبره بهذا فقط. ويبيد انه ليس المقصود بالعالم أي عالم الدين.. ولكنه العالم الذي ارتضي الناس حكمه الشرعي.. أما عوام الناس وسوادهم فليس من مهمتهم الكلام في هذا الباب من اساسه ولابد ان يسد في وجوههم هذا الباب. .. ويبين الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء ان ظاهرة التكفير واحدة من أخطر الظواهر التي تعاني منها مصر هذه الأيام وتحديداً ما بعد ثورة 25 يناير فالتكفير آفة من الممكن ان تتسبب في اضعاف ترابط وعري الوحدة بين أبناء الشعب من المصريين.. ولابد ان نعي جميعاً ان التكفير كان السبب في تمزيق المجتمعات الإسلامية واحلال التنازع فيما بينها بدلا من التعاون.. والفرقة بدلا من الوحدة. وقال د.رأفت عثمان انه لابد ونحن نناقش ظاهرة التكفير ان نعي ان الحكم علي إنسان بالكفر أمر شديد الخطورة خاصة ان الحكم بأن الإنسان كافر يعني ببساطة ان دمه أصبح مباحاً علي المسلمين بعد ان كان معصوماً.. وهذا ما جعل النبي صلي الله عليه وسلم يحذر من تكفير الناس في قوله صلي الله عليه وسلم: "أمرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله.. فمن قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه علي الله.. وفي رواية حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وما جئت به". وقال صلوات الله وسلامه عليه "أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وأوضح د.رأفت عثمان ان العلماء اجمعوا علي أنه ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وان اخطأ وغلها حتي تقام عليه الحجة وتبين له المحبة.. ومن يثبت اسلامه بيقين ولم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد اقامة الحجة وازالة الشبهة. فالتكفير له شروط ومواقع.. فالكفر كما يكون بالاعتقاد.. بالقلب "يكون بالقول والعمل ايضاً.. والكفر هو عدم الايمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب.. بل شك وريب أو اعراض عن هذا كله حسداً أو كبراً أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة والتكفير حكم شرعي لا يطلق علي أحد المسلمين إلا إذا جحد بالربوبية أو الوحدانية أو الرسالة.. ولا يصح ان يطلق أحد ألفاظ توجب تكفيره حتي ولو كان ذلك علي سبيل التهريج حيث يقول الله تعالي "ولئن سألتهم ليقولون إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".. فمن تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده.