تبدو صورة الإسلام والمسلمين في هذا العصر بشكل لافت للتناحر والصراع بين بعضهم البعض بل بينهم وبين غيرهم من اتباع الديانات الأخري - ففي بلاد الإسلام الآسيوية كأفغانستان وباكستان تتصارع جماعات السنة والشيعة وكذلك العراق وغيرها من البلدان مع أن دينهم واحد وقرآنهم واحد ورسولهم واحد ومع ذلك فإن الصراع والتناحر باتا صفة أساسية في هذه البلاد وغيرها من الجماعات - وفي البلاد الإسلامية ذات الأقلية المسيحية كثيراً ما يثور الصراع بسبب الأديان - كمصر وسوريا والسودان وغيرها من الأوطان الإسلامية - بل صارت مشاكل العالم وصراعاته محصورة في بلاد الإسلام فالشعوب الأوروبية والأمريكية واليابانية وغيرها لا تثور فيها مثل هذه الصراعات الخطيرة التي قد تهدد كيان هذه الأوطان. ولنا في انقسام السودان إلي شمالي وجنوبي موعظة والتفاته إلي ما يدور في عالمنا وما ينتظر بلادنا من مخاطر يحرص الصهاينة علي إثارتها وهو ما يهدد الكيان الوطني في مختلف بلاد المسلمين التي أصبحت من حيث عدد السكان ما يصل إلي مليار ونصف. أي تجمع بشري هام لو أحسن فهمه وتنظيمه ومعرفة مرامية وأبعاده لكان أهم قوة بشرية في العالم وليس من علة ظاهرة لهذا الصراع وهذا التنابز في بلاد الإسلام والمسلمين إلا الوقيعة التي تبثها الصهيونية والأمريكان - لإضعاف المسلمين لصالح إسرائيل ذلك بأن رسول الإسلام تلقي رسالة هامة من ربه قوامها التسامح والتعاون حتي بين الكافرين - وذلك عند خطاب السماء علي لسان رسول الله حيث أنزل قواعده في شأن الأديان في قوله تعالي: "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين" وهو ما يعني احترام كل شخص في علاقته بربه دون تعصب أو حرب أو قتال لهذا السبب - وهذا هو الأمر المهم أن نتنبه إلي عدم التشاحن حتي مع الكافرين وعلاقتنا بهم - فما بالنا نقتتل ونتحارب بين اتباع الديانة الواحدة أو بيننا وبين اتباع الديانات السماوية الأخري. ومن عظيم الأمور أن القرآن الكريم أشار إلي أن مشيئة الله هي أن يتخالف الناس في مفاهمهم ودياناتهم وشئونهم حيث يقول سبحانه: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة". وهو ما يعني أن الخلاف بين الناس أمر طبيعي ويتعين بالتالي احترام الآخرين في خلافاتهم. وفيما يتعلق باختلاف الدين بين اتباع الديانات السماوية وهي الإسلام والمسيحية واليهودية فإن الخلاف بين أصحاب هذه الأديان ليس من الدين في شيء حيث أن الغزو الصليبي الذي امتد لمائتي عام لم يكن بسبب التدين بل مجرد جشع رجال الدين المسيحي ورغبتهم في الاستحواذ علي ممتلكات المسلمين في الشرق الأوسط متخذين من الدين ذريعة كاذبة لتحقيق غاياتهم في الاستيلاء علي بلاد المسلمين في الشرق لما فيها من خيرات ارتأوا ألا تترك هذه الخيرات لهؤلاء المسلمين وهو أمر يتخالف حتي في أصول الدين المسيحي الذي يقوم علي المحبة والسماحة واحترام الآخر. وإذا تأملنا معني كلمة الإسلام والمسلمين وهي الكلمة التي أطلقها القرآن الكريم علي اتباع محمد عليه السلام لكنه جعلها شاملة لكل أصحاب الأديان السماوية الأخري. ذلك أن القاعدة أن اتباع كل نبي ينسبون إلي هذا النبي فالمسيحيون هم اتباع المسيح واليهود هم اتباع يهوداً والبوذيون هم اتباع بوذا حيث يري بعض الباحثين أن بوذا نبي وهكذا - وكان هذا السياق يعني أن يطلق علي اتباع محمد المحمديون طبقاً للقاعدة السابقة ولكن كلمة المحمديون لم ترد في القرآن الكريم وجاء بدلاً منها كلمة مسلم ومسلمون وهذه الكلمة تعني إدراك الحقيقة الإلهية والتسليم بها - فكل من أدرك الحقيقة الإلهية وسلم بها فهو مسلم بدليل أن القرآن الكريم وصف إبراهيم عليه السلام بأنه كان حنيفاً مسلماً - وبطبيعة الحال كان مدركاً للحقيقة الإلهية ومن ثم أطلق عليه القرآن الكريم مسلماً والآية الكريمة تقول: "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً". "سورة آل عمران آية 97". والانبياء الذين انحدروا من سلالته وصفهم القرآن الكريم بأنهم مسلمون. وكذلك أورد القرآن الكريم في شأن ولديه إسماعيل واسحق حيث يقول سبحانه وتعالي: "ووصي به إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" "سورة البقرة آية 132". وفي شأن يعقوب يقول القرآن الكريم: "إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون". وفي شأن موسي عليه السلام يقول سبحانه وتعالي "سورة يونس اية 84" "إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين". وفي شأن عيسي عليه السلام يقول سبحانه وتعالي "وإذ أوحيت إلي الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأنا مسلمون" "سورة المائدة آية 111" وفي شأن يونس عليه السلام يقول سبحانه وتعالي: "إن أجري إلا علي الله وأمرت أن أكون من المسلمين "سورة يونس آية 72".. وفي شأن فرعون يقول الله سبحانه وتعالي علي لسان فرعون "لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" "سورة يونس آية 90". ومن هذه المتابعة نتبين أن كلمة مسلم لا تنصرف إلي اتباع محمد وحدهم بل تمتد إلي كل من أدرك الحقيقة الإلهية وسلم بها وليست صفة خاصة باتباع محمد حيث كل اتباع الديانات السماوية موصوفون في القرآن الكريم بأنهم مسلمون كما سبق وذكرنا - وفي ظل هذا البيان نستطيع أن نفهم الآية الكريمة التي تقول: "إن الدين عند الله الإسلام" وهي لا تعني فقط اتباع محمد إذ الأديان السماوية السابقة علي محمد هي أديان أنزلها الله بقصد إدراك الحقيقة الإلهية والتسليم بها. وإذا كان ذلك هو جوهر الإسلام فمن أي منطق يتصارع المسلمون مع بعضهم البعض ويتصارع المسلمون مع غيرهم من أصحاب الديانات السماوية الأخري. ونعيش مشكلات الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين والأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية. كما نشاهد في عديد من الدول كجمعيات بوكو حرام بالكونغو والمعتصون في ميانمار بشرق آسيا - أليس من الواجب أن ندرك أن الدين علاقة بين الشخص وربه ولا يجوز لسلطة أو جماعة أن تنصب نفسها ولية علي الآخرين حتي لا يحدث الشقاق بين الناس وتقوم الحريات الدينية في أمن وآمان بين سائر البشر وترك الأمر لله بغير تعال أو تحكم. وللحديث بقية في العدد القادم