في العلاقة بين الأديان يصبح منطقيا طرح سؤالين.. ما موقف الدين السابق من الدين اللاحق عليه وما موقف الدين اللاحق مما سبقه من أديان؟ الاجابة عن السؤال الأول بسيطة ومنطقية وهي أن أتباع الدين السابق الذين لا يزالون عليه لا يعترفون عقيديا بالدين اللاحق وإلا لكانوا تحولوا اليه. وفي هذا لا تثريب عليهم ولا لوم. تبقي الاجابة عن السؤال الثاني هي الأهم وهي علاقة الدين اللاحق بالاديان السابقة عليه وهل يعترف بها وما موقفه من معتنقيها؟ بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة فإن كل لاحق منها يعترف بالدين السابق عليه ويختلف معه أيضا. السيد المسيح قال "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل". القرآن الكريم لم يقف عند حد الاعتراف بالدينين السابقين علي الاسلام وهما اليهودية والمسيحية بل اعترف بغيرهما أيضا حتي ما ليس ديانة سماوية حيث قال في الآية 62 من سورة البقرة " ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم آجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون«. وفي الآية 69 من سورة المائدة قال "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون). أما في الآية 17 من سورة الحج فقد حدد القرآن أنه ليس لبشر أن يحاسب بشرا علي عقيدته سواء أكانت سماوية أو غير سماوية وأن الأمر متروك له سبحانه لكي يحاسب عباده يوم القيامة حيث قال "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصاري والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله علي كل شيء شهيد." أصحاب الدين السابق إذن ليسوا مطالبين عقيديا بالايمان بالدين التالي إذا هم اختاروا ذلك وأصحاب الدين اللاحق مأمورون بالايمان بما سبقهم من أديان لكنهم غير مكلفين بتحويل أصحابها الي دينهم. هي إذن عملية تعايش بين أصحاب عقائد مختلفة باعتبارهم مواطنين لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات لا يتعين التفريق بينهم علي أساس من هذا الاختلاف في العقيدة ذلك أنه "لا إكراه في الدين" وأنه "لكم دينكم ولي دين." في كل تاريخ مصر خلال الأربعة عشر قرنا الماضية منذ دخول الإسلام الي مصر وبشكل أخص خلال الاثني عشر قرنا السابقة عندما أصبح الإسلام دين معظم المصريين لم يحدث كسياسة عامة ارغام علي مستوي الدولة لأتباع الديانات الأخري بالدخول في الإسلام أو انتهاك خصوصياتهم الدينية. هذا لا يعني أنه لم تحدث تجاوزات وصلت حد الشطط من قبل من لم يحسنوا فهم أديانهم. حدث هذا من بعض المسيحيين في مصر تجاه غير المسيحيين وحدث من قبل بعض المسيحيين تجاه مسيحيين آخرين يخالفونهم في المذهب مثلما حدث من مسلمين تجاه غير مسلمين ومن مسلمين تجاه مسلمين آخرين اختلفوا معهم مذهبيا. لكن القاعدة العامة التي يتعين أن تكون ماثلة في الأذهان وأن يجري العمل علي إعلائها وتسليط الضوء عليها في هذا الجو الظلامي الذي يخيم علي أذهان مسلمين بمثل ما يخيم علي أذهان مسيحيين هي أن العلاقة بين الأديان هي علاقة تواصل بين المعتنقين باعتبارهم مواطنين. وهي في ذات الوقت مسألة ايمان عقيدي لدي أتباع كل دين فيما فيه اختلاف بين الأديان وهو اختلاف يمثل جوهر الايمان لا ينبغي التعرض له أو تصور أنه قابل لأن يتغير. ليس أحد مكلفا أو مخولا أن يحدد قسرا أو عنوة أو إرغاما أو إغواء أو ترغيبا لغيره أي دين يختار وأي عقيدة يعتقد فالناس قد حددوا اختياراتهم منذ أربعة عشر قرنا ونيف.