وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    أسعار سبائك الذهب BTC اليوم الاثنين 10-6-2024 في محافظة قنا    قبيل عيد الأضحى.. التموين: نضخ 150 طن من اللحوم يوميا وهذه أسعارنا    اقتصادية قناة السويس تستقبل طلائع مبادرة كلنا واحد جيل جديد    تراجع معظم مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    الحج قديما.. كيف ظهرت مهمة المطوف ليكون مسئول مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة؟‬    الاحتلال يواصل اقتحام مخيم الفارعة: شهيد و5 إصابات وتدمير للبنية التحتية    قيادي بحماس يحث أمريكا على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب    ماكرون: الفرنسيون يختارون الأنسب في الانتخابات المبكرة    "الجارديان": استقالة جانتس من حكومة الحرب في إسرائيل تدفع نتنياهو نحو التحالف مع اليمين المتطرف    " رمضان صبحي لن يتم إيقافه يوم" تعرف على سيناريوهات أزمة نجم بيراميدز    الأرجنتين تنتصر وديًا على الإكوادور    يورو 2024| منتخب بولندا يحلم بتجاوز إنجاز نسخة 2016.. إنفوجراف    تصفيات المونديال| نيجيريا يواجه بنين.. وغانا يلتقي جمهورية أفريقيا الوسطى    طلاب الثانوية في بورسعيد يؤدون الامتحان في 15 لجنة    وزيرة التضامن تطمئن على الحالة الصحية للحجاج المصريين    الحكم في طعن «شيري هانم وابنتها زمردة» على سجنهما 5 سنوات| اليوم    عرض فيديو لمراجعة جماعية لمدرس جيولوجيا يثير الجدل في 6 أكتوبر    ياسمين عبد العزيز تنشر صورة لتوقيع عقد مسلسلها الجديد والعوضي يعلق "هتدغدغي الدنيا يا وحش الكون إن شاء الله"    «مرتبطون بوالدتهم ولا يفعلون شيء بدون رأيها».. احذري من رجال هذه الأبراج قدر الإمكان    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    الخشت: قافلة الجيزة الطبية استكمال لجهود الجامعة ومشاركتها للتحالف الوطني    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى إمبابة دون إصابات    سنتكوم: أجرينا عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية إلى شمال غزة    بشير التابعي: الأهلي في حاجة للتعاقد مع أحمد حجازي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    سها جندي: نعمل على تدشين المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    توافد طلاب الثانوية العامة على لجان الدقي لأداء امتحاني التربية الوطنية والتربية الدينية    الثانوية العامة 2024| انتظام جميع لجان امتحانات المنيا    البابا تواضروس الثاني يدشن الكنيسة الجديدة باسم القديس الأنبا إبرام بالفيوم    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    لميس الحديدي: رحلتي لم تكن سهلة بل مليئة بالتحديات خاصة في مجتمع ذكوري    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    السعودية تستضيف ألف حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة بأمر الملك سلمان    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ميدو: الجميع توقع خناقة بيني وبين عدلي القيعي.. ولم يكن هدفي أطلع ترند    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    عمر جابر: أنصح رمضان صبحي بالانتقال ل الزمالك.. وجوميز جيد ويكفي أنه تعلم من فيريرا    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا إكراه فى الدين.. ولكن الواقع شيئاً آخر

هل من الممكن أن تسير فوق الأشواك دون أن تجرحك رءوسها الحادة؟! احتمالية صعبة بالتأكيد!
وحتى إن كانت ممكنة، فما هو الحال إذا امتد بك طريق الأشواك - وهو كذلك بالفعل - إلى حيث لا تعلم مستقرا أو نهاية؟!
الإجابة بسيطة ومنطقية.. إما أن تزل قدماك، وإما أنك سوف تعاود البحث عن حذائك الذى قررت أن تخلعه فى بداية الرحلة.. على الأقل من باب الهدنة!
لكن فى النهاية، شجاعة التجربة تكفى!
كانت هذه الصورة الذهنية تفرض نفسها علينا بقوة قبل أن نتجاوز قراءة العنوان اللافت والجرىء لكتاب الباحث الشاب هانى نسيرة "المتحولون دينيا"، الصادر عن مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.
قررنا أن نختبر فرضيتنا الذهنية ونترك الحكم فى النهاية لسطور كتاب قرر كاتبه أن يكون أول عربى يتناول مسألة التحول الدينى والمذهبى بحثا عن أطر تفسيرية لظاهرة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ بعيدا عن نظرية المؤامرة!
ووصف "الظاهرة" هو الوصف الذى فضل الكاتب أن يقدم بحثه من خلاله! ولعل هذا الوصف هو ما رسخ بدوره فرضيتنا الأولى، فالتيار المناهض لفكرة التحول العقائدى والمذهبى، سواء شرقا أو غربا، وسواء داخل أعتى الديمقراطيات أو أشد الثيوقراطيات تحكما لايزال قويا بشكل حاد، يرفض التعاطى والتفاعل مع "المسألة" - وهو الوصف الذى نراه أقرب - من منطلق أنها حرية شخصية وفردية من حيث الأصل! ويأبى إلا أن يتعامل معها من منطلق أنها تمثل خرقا للانتماء الدينى، وربما القومى أيضا، وهى الحالة التى عبرت عنها بقوة توجهات "الأصولية الإسلامية" واليمينية المسيحية المتطرفة فى التعامل مع النموذج الذى مثله الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فالأولى اعتبرته مرتدا عن ديانة والده "حسين"، والثانية لم تنس أنه من أصول إسلامية رغم أنه نشأ فى أسرة مسيحية!
ثم هل تحول الأمر إلى حالة من الانتشار بالفعل تؤهله لهذا الوصف؟!
نعتقد.. لا، فالوضع رغم امتداده التاريخى لم يشكل فى أى لحظة من اللحظات "ظاهرة" بالمعنى "السوسيولوجى"، ثم إن وصف الأمر بأنه ظاهرة - سواء كانت سلبية أم إيجابية - يجعلنا ننتقل بها من نطاق الحرية الفردية إلى نطاق الرصد الاجتماعى، وهو ما يقتضى بدوره - على الأقل فى إحدى مراحله - تدخلا من نوع ما!
من النهاية إلى البداية!
رغم أننا لا نخفى إعجابنا بمحاولة "نسيرة" إلا أن أولى ملاحظاتنا كانت أنه لم يستطع أن يتخلص بشكل كامل من خلفياته الاعتقادية كمسلم درس بكلية دار العلوم، وهى الخلفية - رغم نجاحه فى تجاوزها كباحث فى كثير من الأحيان - التى انعكست على بعض عبارات بحثه!
يقول المؤلف فى المبحث الثامن من القسم الرابع من كتابه "محمد أسد وكيف اكتشف إسلامه فجأة": "سنعرض لقصة محمد أسد ذلك الغربى "يهودى الأصل"، الذى أنصف العرب، بل الأعراب أكثر مما أنصفهم بعض بنى جلدتهم، شأن عبدالله القصيمى"!
وعبدالله القصيمى هو صاحب كتاب "هذه هى الأغلال" الذى كان بحسب وصف الكاتب محطة مرور صاحبه من الأصولية إلى الإلحاد، إلا أن لفظة "الإنصاف" التى استخدمها الباحث فى نهايات كتابه تناقضت بشكل صارخ مع ما ساقه فى مقدمة بحثه "عن نفس الكتاب وكتابه" من أن التحولات والانتقادات عموما هى مرآة الآخر التى ينبغى أن نرى فيها أنفسنا ومعتقداتنا، وكما يتكشف السلوك الأخلاقى فى مرآة الآخرين وتقديرهم له، يتكشف ويتجلى السلوك الاعتقادى والدينى فى موقف الناس منه.
متابعا: وهو ما يشبه ما صرح به يوما الشيخ الأزهرى الراحل حسن القاياتى فيما كتبه عبدالله القصيمى، بعنوان "هل الأغلال فى أعناقنا"؟ واضعا القصيمى وسط المصلحين الإسلاميين الكبار مثل ابن خلدون والأفغانى وعبده!
فالقاياتى ذكر فى بحثه الذى نشرته مجلة "المقتطف" "عدد فبراير ,1947 ص 151": "شكل ابن خلدون طليعة الاشتراكيين وطليعة معسكر الإصلاح فى الشرق، وشكل الأفغانى وعبده والكواكبى جوانبه، أما القصيمى فهو قلبه"!
وأردف "نسيرة": كما رأى العقاد فى كتاب القصيمى نقدا مدعما دينيا ومحقا ضد الظروف السيئة فى العالم الإسلامى، وأشاد بشكل خاص بالهجوم الذى شنه القصيمى على التقاليد التى ترفض اكتساب المرأة للمعرفة وتعليمها، مؤيدا رأى القصيمى فى انتقاد هؤلاء الذين يرون أن الزمن يسير إلى الوراء، وإنه لا أمل لهم فى أن أبناء اليوم وغدا يمكن أن يضيفوا أى شىء إلى إرث السلف وإنجازات الأجداد"!
فهذه هى "النسبية" التى أكد عليها نسيرة فى بداية بحثه، وحاول جاهدا ألا يتجاوزها، فالانتقاد - حتى لو كان جارحا - يمثل إضافة إلى العقائد القوية ولا يخصم من رصيدها بأى حال من الأحوال على خلاف ما ذهب إليه فى نهاية بحثه!
فقه الغلبة!
يطرح الكاتب مسألة فقه الغلبة قائلا: يغلب على تناولات مسألة التحولات الدينية والطائفية فقه الغلبة والتغالب، وليس فقه التنوع والتعايش، وتثير هذه المسألة بشكل أكبر الأقليات الدينية فى مجتمع معين، من قبيل ما حدث فى الولايات المتحدة مؤخرا، حيث أبدت الجالية المسلمة هناك انزعاجها إزاء مؤتمر أقامته أكاديمية القوات الجوية الأمريكية، ضم ثلاثة مسلمين تحولوا للمسيحية، وقد تمت الإشارة إلى أنهم إرهابيون سابقون!
وهم: وليد شويباط، والذى عرف نفسه بأنه كان إرهابيا سابقا، لكنه ترك الإسلام وتحول للنصرانية، وكمال سليم، وهو قس مسيحى يذكر أنه كان عضوا بمنظمة التحرير الفلسطينية وينقل الأسلحة بين إسرائيل والأراضى الفلسطينية عن طريق أنفاق، وزكريا عنانى، الذى يصف نفسه بأنه إرهابى مسلم سابق!
ورغم عدم القراءة الموضوعية للجانبين "من تحول إليهم أو من تحول عنهم"، إلا أن رمزية التحول تبقى مثيرة لكلا الجانبين، وهذه النظرة الجزئية - وفقا لنسيرة - تسيطر كذلك على التحولات بين الطوائف الدينية بمختلف أديانها!
وينتقل الباحث إلى نقطة أخرى على الصعيد الإسلامى أثارت جدلا واسعا حول حرية تغيير الديانة دون إقامة حد الردة من منطلق الحرية الدينية، وهى النقطة التى لاتزال تلاقى شدا وجذبا، حتى أتت - بحسب الباحث - بعض الفتاوى المتنورة من قبل بعض الفقهاء من جواز تغيير الديانة وعدم تطبيق "الحد" شأن ما كتبه د. على جمعة مفتى الجمهورية فى الواشنطن بوست سنة 2007 من جواز تغيير الديانة انطلاقا من الحرية الدينية ما لم تهدد النظام العام، وهو ما قيل أنه تراجع عنه بعد ذلك!.. وهو ما يقترب من فتوى سابقة للسورى د. وهبة الزحيلى وما كتبه الفقيه المغربى الريسونى - يقصد د. أحمد الريسونى الرجل القوى داخل التنظيم الدولى لجماعة "الإخوان المحظورة"، وعضو ما يسمى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين .. حيث يقول: الإكراه لا ينشئ دينا ولا إيمانا، ولا ينشئ كفرا ولا ردة.. فالمكره على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وهكذا فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم، ولن يكون أحد مؤمنا مسلما إلا بالرضا الحقيقى.
لا إكراه!
انتقل الباحث اعتمادا على الآراء السابقة إلى التأكيد على أن قضية "لا إكراه فى الدين" هى قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابى، على الرجال والنساء، قبل الدخول فى الإسلام وبعده.. فالدين لا يكون بالإكراه ابتداء، كما لا يكون بالإكراه بقاء! وذلك فى ظل منهج السجال والتغالب السائد بين الأديان والطوائف على السواء، والتأكيد على أن حرية الاعتقاد عماد الإسلام، وأنه لا حد ولا تعزير فيها كما يرى البعض!
إلا أنه يقول: هذا فضلا عن غيبة الدراسات حولها وغلبة تناولها على المقالات والآراء السريعة!
وهى نقطة تحتاج إلى مراجعة من المؤلف بالتأكيد.. فمسألة الردة فى الإسلام شهدت أكثر من محاولة بحثية انتهت بدورها إلى أنه لا وجود فعليا لحد الردة فى الإسلام، وأن ما حدث منذ عهد الدعوة الأول لم يعدُ كونه عقابا سياسيا لا حدا دينيا، ولعل أبرز هذه الأبحاث هو كتاب "إشكالية الردة فى الإسلام" للدكتور طه جابر العلوانى - طبعة الشروق الدولية - الذى تناول فيه قبل 5 سنوات هذه المسألة من أكثر من جانب، وانتهى إلى نفس الرأى!
لكن للباحث بالفعل رأيا نراه جريئا، ومهما فى مجال التأصيل البحثى لمسألة المتحولين دينيا ومذهبيا.. يقول نسيرة: إن تقييد وضبط قراءة حوادث المتحولين - للإسلام وعنه - أو بين أى أديان أو أفكار أخرى، فى دائرة الاختيار الفردى وحرية الاعتقاد تعصمنا من وابل الشائعات التى تهدف لتدوير حالات التحول فى شكل صراعات وصدامات عقائدية.. فنقرأ روايات قد لا تمت للواقع بصلة، من قبيل إسلام نابليون التى راجت عند قدوم الحملة الفرنسية لمصر أو الحاج محمد هتلر الذى جاء لإنقاذ المسلمين من الإنجليز أو تنصر الشيخ "الفحام" شيخ الأزهر الذى استقال من منصبه فى عهد السادات، حتى جزم البعض بهجرته وتركه مصر بناء على أمر الرئيس!
وكذلك تحول شيخ آخر للأزهر هو الشيخ سليم البشرى للتشيع وتركه مذهبه "السنى"!
النار المقدسة!
يروى الكاتب واقعتين مختلفتين تثير كل منهما نفس السؤال: الواقعة الأولى عندما صرخت فتاة من غانا فى وجهه قائلة: الكاثوليك وحدهم هم المسيحيون"، رغم أنها - بحسب روايته - كانت أحوج للتسامح، فهى من أسرة "تعددية" والدها مسلم ووالدتها المنفصلة عنه مسيحية، ولها أشقاء من كلا الجانبين! والواقعة الثانية كانت مع فتاة سورية "درزية" قالت له أنها لم ترتبط بمن تحب لأنه ليس على دينها، وهى تخاف العار على عائلتها، لذا اكتفت بالحب المتبادل والاحترام البعيد! ولم يكن هذا الذى ليس على دينها سوى مسلم سورى ينتمى إلى المذهب السنى!
وتساءل: هذه كانت صورة الآخر الطائفى "كفرا وعارا" فما بالك بصورة الآخر الدينى؟!
تأتى الإجابة فى واقعة أخرى تعكس حجم التفكير الجمعى لمسألة التحول الدينى.. ففى أواخر مارس سنة 2006 استعرت الدنيا فى أفغانستان غضبا بتحول عامل أفغانى فقير كان يدعى عبدالرحمن للمسيحية، وطالب المجتمع والبرلمان بمحاكمته، ورغم تأكيد نواب أفغان أنه يجب ألا يسمح له بمغادرة البلاد إلا أنه نجح فى السفر لإيطاليا، فغضب الأفغان معلنين الخسارة والحسرة، وكأنهم خسروا شيخا من شيوخ الإسلام! فمثل هذا يصدق عليه ما قيل فى كاتب مسيحى مصرى تحول من المسيحية إلى الإسلام فى التسعينيات، فقال عارفوه من الجانبين: "والله مازاد المسلمين وما نقص المسيحيين"، إلا أن المسلمين ثاروا لتحول هذا العامل الأفغانى البسيط الذى ربما كان دافعه لتغيير اعتقاده الفقر الذى يقبع تحته!
التطرف المذهبى!
يروى المؤلف قصة طريفة تعكس بوضوح إلى أى مدى يذهب التشدد المذهبى!.. القصة هى قصة "خدابندة وخرابندة" واللفظتان تعنيان نفس الشخص.. وهما كلمتان فارسيتان.. الأولى تعنى "عبدالله" والثانية تعنى "عبدالحمار"، وصاحب الوصفين هو الإمبراطور المغولى الذى أسلم "محمد ألجياتو"!
الوصف الأول كان وصفه عند السنة، واستمر معه بعد أن تحول إلى المذهب الشيعى على يد العلامة الحلي، فأطلق عليه السنة "خرابندة" أى "عبدالحمار"!
لكن المثير هو أن الوصف الثانى انتقل بدوره من عند السنة إلى الشيعة عندما عاد آخر حياته إلى المذهب السنى!
حتى إن شاعرا شيعيا قال فيه:
رأيت لخرابندا اللعين دراهم
يشابهها فى خفة الوزن عقله
عليها اسم خير المسلمين وصحبه
لقد رابنى هذا التسنن كله!
تتوازى قصة "خرابندة" مع قصة أخرى كان بطلها أسعد شقيق الأديب أحمد فارس الشدياق.
كان أسعد يستاء من الكنيسة التى حرمت على الشعب مطالعة الكتاب المقدس، ولذلك أخذ يدعو إلى وجوب مطالعة كلمة الله، فجاءه كتاب من البطريرك يوسف حبيش يمنعه من التعامل مع أتباع الكتاب المقدس، فقد كان أسعد "مارونيا" عرف طريقه إلى البروتستانتية.
وذات يوم أخذه أقاربه إلى دير مارجرجس وسلموه للبطريرك، فأودعه سجنا أرضيا بالدير وقيده بالسلاسل! إلى أن اشتد عليه العذاب فخارت قواه وفارق الحياة!
رحل أسعد بعد أن غرس الفكر البروتستانتى فى رأس أخيه فارس الذى عمل مبشرا بروتستانتيا قبل أن يتحول بدوره إلى الإسلام ويسمى نفسه أحمد فارس فى مرحلة لاحقة!
.. هل نحن فاعلون؟!
رغم تعرض الباحث على استحياء لحوادث شهيرة من المتحولين من الأميرة فتحية شقيقة الملك فاروق التى اعتنقت المسيحية ود. أحمد راسم النفيس الذى تحول للمذهب الشيعى، قال نسيرة فى ختام بحثه: ما أكثر التحولات وما أكثر أسبابها.. كل يتوجه حيث يريد، لا وصاية عليه من أحد.. فالتحولات إما موضوعية تأتى نتيجة قناعات فردية وأسئلة وجودية، وإما بتأثير سياقات نفسية واجتماعية أو تحولات مجانية لا تنقص يمينا أو تزيد يسارا، وقد يكون الملك، وقد يكون العشق.. وقد تكون الحياة ورغدها!؟
أما المتحولون "الصادقون" فهذه قناعاتهم، أبدوها.. ولهم كامل الحق فى أن نحترم خياراتهم، سواء كانت دينية أو لا دينية.. فالدول الحديثة ليست دول الطوائف، لكنها دول المواطنين، وأن الجماعات القوية هى التى لا تهزها الخروجات الصغيرة!
فهل نحن حقا فاعلون؟! فاهمون؟! متفاعلون ومقدرون؟!.. هذا ما ستعكسه "الأزمات" المقبلة!
الباحث فى سطور:
هانى على حسن حسين
شهرته " هانى نسيرة"
صحفى وباحث ومعد تلفزيونى
من مواليد محافظة بنى سويف " مارس 1973 "
شارك بالعديد من الأبحاث والمقالات بمركز الدراسات السياسية والأستراتيجية بالأهرام. ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
شغل موقع سكرتير تحرير مجلة " رواق عربى " الصادرة عن مركز القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.